رغم أن الولايات المتحدة لم تعد تعتمد على نفط المنطقة العربية في تلبية احتياجات الطاقة بفضل الوليد الجديد "ثورة النفط الصخري"، وباتت تعتمد بنسبة 75% من استهلاكها على النفط المنتج محلياً و25% على النفط المستورد من كندا والمكسيك ودول أخرى في أميركا الجنوبية، إلا أن مبدأ النفوذ الجيوسياسي والهيمنة على موارد وأسواق وأسعار النفط العالمية التي أبدعتها في القرن الماضي لم يتغيّر.
وهذا المبدأ الذي وضعه الرئيس جيمي كارتر في عقد الثمانينيات من القرن الماضي واعتمد له الرئيس ريجان قوة عسكرية لحمايته أطلق عليها "عملية الإرادة الجادة"، ظل قائماً حتى الآن ووضع موضع التنفيذ في حربي الخليج الأولى والثانية، ويحافظ عليه حالياً الرئيس دونالد ترامب ويستخدمه بفعالية في الحصار التام لصادرات النفط الإيرانية وحماية حرية إبحار الناقلات النفطية في مضيق هرمز عبر الأسطول البحري.
وبالتي توطّد سياسة الرئيس ترامب الحالية دعائم مبدأ الرئيس كارتر في الهيمنة على إمدادات النفط بالخليج، كما تخدم في ذات الوقت شعار "أميركا العظمى". الذي أطلقه في حملته الانتخابية ويستخدم فيه حالياً محاصرة الدول التي تعترض طريقه بالرسوم التجارية والحظر المالي والاقتصادي.
ويلاحظ في هذا الصدد أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قال في خطابه أمام الأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول من عام 2013"، إن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام كل عناصر القوة بما في ذلك القوة العسكرية لتأمين مصالحها الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط". وأضاف "بينما تواصل الولايات المتحدة خفض اعتمادها على النفط في المنطقة، فإن العالم كله يعتمد على نفط الشرق الأوسط وأية اضطرابات تهدد انسياب إمدادات النفط بالمنطقة ستحدث اضطرابات خطيرة بالاقتصاد العالمي".
وفي حديث الرئيس باراك أوباما إشارة واضحة إلى أن استراتيجية الطاقة الأميركية لم تتغير في المنطقة العربية، رغم تحول الاهتمام أكثر بالمنطقة الآسيوية والصين على وجه التحديد.
وتعد الهيمنة على الطاقة وأسواقها وممراتها وأسعارها من أهم العوامل التي تصنع الدولة العظمى في العالم، إذ لا يزال العالم يعتمد بنسبة كبيرة في توليد الطاقة على النفط والغاز الطبيعي.
وحسب وكالة الطاقة العالمية، فإن العالم يستهلك حالياً أكثر قليلاً من مائة مليون برميل يومياً وسيرتفع إنتاج العالم من النفط إلى 105 ملايين برميل يومياً في العام 2040. من جانبها تقول شركة "بريتش بتروليوم - بي بي" في تقريرها السنوي للعام الماضي 2018، إن بدائل الطاقة المتجددة لا تزال تمثل نسبة ضئيلة من استهلاك الطاقة العالمي، حيث لا يتجاوز 4.0%، فيما يمثل النفط نسبة 33.6% من استهلاك الطاقة العالمي.
اقــرأ أيضاً
وبالتالي فإن أهمية النفط والغاز الطبيعي في توليد الطاقة العالمية وتزييت ماكينة النمو العالمي ستتواصل خلال العقود المقبلة. ولا يزال العالم حتى اليوم يعتمد على أميركا كقوة عظمى في تأمين الممرات المائية العالمية المهمة لوصول إمدادات النفط العالمية، عدا النفط الروسي، إلى الأسواق العالمية.
ورغم ثورة النفط الصخري التي حولت أميركا من مستورد إلى مصدر للنفط، فإن استراتيجية الهيمنة الطاقة العالمية لا تزال قائمة، وذلك ببساطة لأن هذه الاستراتيجية لا تقوم فقط على تلبية أمن الطاقة الأميركية، وإنما كذلك تأمين المرور الآمن وبأسعار معقولة لاحتياجات حلفائها في آسيا وأوروبا وكذلك استخدام هذه الهيمنة كسلاح في الضغط على منافسيها مثل الصين وروسيا.
يلاحظ في هذا الصدد، أن من أهم العوامل التي جعلت الولايات المتحدة تكسب الحرب الباردة دون خوض حرب عسكرية مباشرة هو تدهور أسعار النفط إلى أقل من 10 دولارات في عقد الثمانينيات الماضي بسبب التخمة النفطية، التي أحدثها الضخ الضخم للنفط السعودي في الأسواق العالمية، وذلك بغض النظر عما إذا كانت الرياض استهدفت هذه النتيجة أم لا.
ولكن التداعيات اللاحقة لهذا الضخ كانت تدهور مداخيل النفط الروسية وانهيار الاقتصاد وتلقائياً عجز موسكو عن تلبية احتياجاتها الدفاعية ودعم دول أوروبا الشرقية.
اقــرأ أيضاً
ورغم أن "اسم النفط" لم يرد في التوتر العسكري الجاري حالياً في الخليج بين إيران وأميركا والذي يهدد باندلاع حرب أخرى غير محسوبة بالخليج، وأن العنوان الرئيسي للتوتر هو "منع طهران من تطوير أسلحة ذرية وحماية إسرائيل من الخطر الإيراني وتمدد نفوذها بالمنطقة"، إلا أنه وفي الواقع، فإن استراتيجية الهيمنة على النفط واستخدامه من قبل إدارة الرئيس دونالد ترامب في مفهوم استعادة موقع "آحادية الدولة العظمى"، تبدو ظاهرة للعيان في هذا التوتر.
على الصعيد الداخلي في أميركا، صحيح أن الولايات المتحدة لم تعد بحاجة لاستيراد النفط من المنطقة العربية، ولكن على الصعيد الخارجي، فإن استخدام النفط كسلاح فعال في الحرب التجارية الشرسة التي تخوضها واشنطن مع بكين التي تعتمد على نفط المنطقة العربية وإيران، يخدم استراتيجية الرئيس ترامب في كسب الحرب التجارية وإعاقة توسع الاقتصاد الصيني.
ويلاحظ أن طهران تحسب في الحلف الصيني الروسي، وأن محاصرة الطاقة الإيرانية والمرور الآمن لنفط المنطقة العربية يمكن أن يستخدمه الرئيس ترامب متى شاء في خنق إمدادات النفط إلى الصين.
ما يزعج واشنطن حقيقة هو التقارب بين طهران وبكين وموسكو، إذ يعرقل هذا التقارب استراتيجية الهيمنة على الطاقة العالمية. ذلك أن إيران تحوز على موقع جغرافي مهم عبر شمال الخليج ومضيق هرمز الذي يعد من أهم ممرات الطاقة في العالم، إذ يعبر من خلاله للأسواق العالمية أكثر من 20 مليون برميل يومياً من الخامات النفطية والمشتقات. تضاف إلى ذلك الهيمنة الإيرانية غير المباشرة على النظام السياسي في العراق الغني بالنفط.
كما يلاحظ كذلك أن لدى إيران احتياطات نفطية وغازية ضخمة وقريبة من أوروبا ويمكنها بسهولة تهديد استراتيجية الهيمنة الأميركية على الطاقة في أوروبا. وما يزيد من القلق الأميركي من إيران أنها تتحالف مع الصين وروسيا. وبالتالي فإن الطاقة الإيرانية يمكن أن تحدث تحولاً في مصالح الطاقة الأوروبية وتزيد من الهيمنة الروسية في صناعة القرار السياسي بأوروبا.
اقــرأ أيضاً
وتقدر وكالة الطاقة الدولية احتياطات إيران من النفط بنحو 150 مليار برميل، وهي بذلك الدولة الثالثة من حيث حجم الاحتياطات بمنظمة "أوبك"، كما أن لديها احتياطات ضخمة من الغاز الطبيعي. كما تتخوف واشنطن كذلك من تأثير هذه الاحتياطات على استراتيجية الهيمنة الأميركية في أوروبا وآسيا.
على الصعيد الأوروبي، فإن التدفق الحر للغاز والنفط الإيراني إلى أوروبا، سيعني تلقائياً منع تدفق الغاز الأميركي إلى أوروبا وبالتالي إضعاف النفوذ الجيوسياسي لواشنطن على أوروبا. إذ تصبح أوروبا عملياً تعتمد في إمدادات الطاقة على طهران وموسكو. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن طهران اعتمدت مبدأ بيع النفط والغاز الطبيعي إلى أوروبا على اليورو وليس على الدولار وذات المبدأ تناقشه موسكو حالياً مع بروكسل.
اقــرأ أيضاً
وبالتالي، فإن فك حصار الطاقة الإيرانية سيعمل على إضعاف الدولار الذي يستمد نسبة كبيرة من قوته على أنه العملة الرئيسية في تجارة النفط التي تقدر صفقاتها السنوية بنحو 1.71 تريليون دولار.
من هذا المنطلق، فإن التدفق الحر للطاقة الإيرانية يهدد بدرجة كبيرة استراتيجية الهيمنة الأميركية على النظام النقدي العالمي ويزيد من نفوذ التحالف الروسي الصيني الذي يتبنى مبدأ "النظام العالمي متعدد الأقطاب"على حساب استراتيجية "القطب الواحد" الذي تتبناه واشنطن.
على الصعيد الآسيوي يشير تقرير بريتش بتروليوم الأخير لعام 2018 إلى أن آسيا تعتمد بدرجة كبيرة على النفط المستورد من منطقة الشرق الأوسط التي تحتوي على نسبة 60% من الاحتياطات العالمية المؤكدة التي لم يتم استغلالها بعد.
وحسب التقرير فإن الدول الآسيوية التي لا تملك احتياطات نفطية تذكر، تستورد نسبة 87% من احتياجاتها النفطية من المنطقة، إذ تعتمد الهند بنسبة 64% من واردات الطاقة على المنطقة العربية وإيران، فيما تعتمد الصين بنسبة أقل تقدرها بريتش بتروليوم بنسبة 44%. كذلك تستورد اليابان نحو 3.5 ملايين برميل يومياً. وبالتالي فإن هيمنة واشنطن على تدفقات الطاقة عبر مضيق هرمز يمنحها قوة الضغط على الصين وبقية الحلفاء في آسيا.
وهذا المبدأ الذي وضعه الرئيس جيمي كارتر في عقد الثمانينيات من القرن الماضي واعتمد له الرئيس ريجان قوة عسكرية لحمايته أطلق عليها "عملية الإرادة الجادة"، ظل قائماً حتى الآن ووضع موضع التنفيذ في حربي الخليج الأولى والثانية، ويحافظ عليه حالياً الرئيس دونالد ترامب ويستخدمه بفعالية في الحصار التام لصادرات النفط الإيرانية وحماية حرية إبحار الناقلات النفطية في مضيق هرمز عبر الأسطول البحري.
وبالتي توطّد سياسة الرئيس ترامب الحالية دعائم مبدأ الرئيس كارتر في الهيمنة على إمدادات النفط بالخليج، كما تخدم في ذات الوقت شعار "أميركا العظمى". الذي أطلقه في حملته الانتخابية ويستخدم فيه حالياً محاصرة الدول التي تعترض طريقه بالرسوم التجارية والحظر المالي والاقتصادي.
ويلاحظ في هذا الصدد أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قال في خطابه أمام الأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول من عام 2013"، إن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام كل عناصر القوة بما في ذلك القوة العسكرية لتأمين مصالحها الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط". وأضاف "بينما تواصل الولايات المتحدة خفض اعتمادها على النفط في المنطقة، فإن العالم كله يعتمد على نفط الشرق الأوسط وأية اضطرابات تهدد انسياب إمدادات النفط بالمنطقة ستحدث اضطرابات خطيرة بالاقتصاد العالمي".
وفي حديث الرئيس باراك أوباما إشارة واضحة إلى أن استراتيجية الطاقة الأميركية لم تتغير في المنطقة العربية، رغم تحول الاهتمام أكثر بالمنطقة الآسيوية والصين على وجه التحديد.
وتعد الهيمنة على الطاقة وأسواقها وممراتها وأسعارها من أهم العوامل التي تصنع الدولة العظمى في العالم، إذ لا يزال العالم يعتمد بنسبة كبيرة في توليد الطاقة على النفط والغاز الطبيعي.
وحسب وكالة الطاقة العالمية، فإن العالم يستهلك حالياً أكثر قليلاً من مائة مليون برميل يومياً وسيرتفع إنتاج العالم من النفط إلى 105 ملايين برميل يومياً في العام 2040. من جانبها تقول شركة "بريتش بتروليوم - بي بي" في تقريرها السنوي للعام الماضي 2018، إن بدائل الطاقة المتجددة لا تزال تمثل نسبة ضئيلة من استهلاك الطاقة العالمي، حيث لا يتجاوز 4.0%، فيما يمثل النفط نسبة 33.6% من استهلاك الطاقة العالمي.
ورغم ثورة النفط الصخري التي حولت أميركا من مستورد إلى مصدر للنفط، فإن استراتيجية الهيمنة الطاقة العالمية لا تزال قائمة، وذلك ببساطة لأن هذه الاستراتيجية لا تقوم فقط على تلبية أمن الطاقة الأميركية، وإنما كذلك تأمين المرور الآمن وبأسعار معقولة لاحتياجات حلفائها في آسيا وأوروبا وكذلك استخدام هذه الهيمنة كسلاح في الضغط على منافسيها مثل الصين وروسيا.
يلاحظ في هذا الصدد، أن من أهم العوامل التي جعلت الولايات المتحدة تكسب الحرب الباردة دون خوض حرب عسكرية مباشرة هو تدهور أسعار النفط إلى أقل من 10 دولارات في عقد الثمانينيات الماضي بسبب التخمة النفطية، التي أحدثها الضخ الضخم للنفط السعودي في الأسواق العالمية، وذلك بغض النظر عما إذا كانت الرياض استهدفت هذه النتيجة أم لا.
ولكن التداعيات اللاحقة لهذا الضخ كانت تدهور مداخيل النفط الروسية وانهيار الاقتصاد وتلقائياً عجز موسكو عن تلبية احتياجاتها الدفاعية ودعم دول أوروبا الشرقية.
على الصعيد الداخلي في أميركا، صحيح أن الولايات المتحدة لم تعد بحاجة لاستيراد النفط من المنطقة العربية، ولكن على الصعيد الخارجي، فإن استخدام النفط كسلاح فعال في الحرب التجارية الشرسة التي تخوضها واشنطن مع بكين التي تعتمد على نفط المنطقة العربية وإيران، يخدم استراتيجية الرئيس ترامب في كسب الحرب التجارية وإعاقة توسع الاقتصاد الصيني.
ويلاحظ أن طهران تحسب في الحلف الصيني الروسي، وأن محاصرة الطاقة الإيرانية والمرور الآمن لنفط المنطقة العربية يمكن أن يستخدمه الرئيس ترامب متى شاء في خنق إمدادات النفط إلى الصين.
ما يزعج واشنطن حقيقة هو التقارب بين طهران وبكين وموسكو، إذ يعرقل هذا التقارب استراتيجية الهيمنة على الطاقة العالمية. ذلك أن إيران تحوز على موقع جغرافي مهم عبر شمال الخليج ومضيق هرمز الذي يعد من أهم ممرات الطاقة في العالم، إذ يعبر من خلاله للأسواق العالمية أكثر من 20 مليون برميل يومياً من الخامات النفطية والمشتقات. تضاف إلى ذلك الهيمنة الإيرانية غير المباشرة على النظام السياسي في العراق الغني بالنفط.
كما يلاحظ كذلك أن لدى إيران احتياطات نفطية وغازية ضخمة وقريبة من أوروبا ويمكنها بسهولة تهديد استراتيجية الهيمنة الأميركية على الطاقة في أوروبا. وما يزيد من القلق الأميركي من إيران أنها تتحالف مع الصين وروسيا. وبالتالي فإن الطاقة الإيرانية يمكن أن تحدث تحولاً في مصالح الطاقة الأوروبية وتزيد من الهيمنة الروسية في صناعة القرار السياسي بأوروبا.
على الصعيد الأوروبي، فإن التدفق الحر للغاز والنفط الإيراني إلى أوروبا، سيعني تلقائياً منع تدفق الغاز الأميركي إلى أوروبا وبالتالي إضعاف النفوذ الجيوسياسي لواشنطن على أوروبا. إذ تصبح أوروبا عملياً تعتمد في إمدادات الطاقة على طهران وموسكو. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن طهران اعتمدت مبدأ بيع النفط والغاز الطبيعي إلى أوروبا على اليورو وليس على الدولار وذات المبدأ تناقشه موسكو حالياً مع بروكسل.
من هذا المنطلق، فإن التدفق الحر للطاقة الإيرانية يهدد بدرجة كبيرة استراتيجية الهيمنة الأميركية على النظام النقدي العالمي ويزيد من نفوذ التحالف الروسي الصيني الذي يتبنى مبدأ "النظام العالمي متعدد الأقطاب"على حساب استراتيجية "القطب الواحد" الذي تتبناه واشنطن.
على الصعيد الآسيوي يشير تقرير بريتش بتروليوم الأخير لعام 2018 إلى أن آسيا تعتمد بدرجة كبيرة على النفط المستورد من منطقة الشرق الأوسط التي تحتوي على نسبة 60% من الاحتياطات العالمية المؤكدة التي لم يتم استغلالها بعد.
وحسب التقرير فإن الدول الآسيوية التي لا تملك احتياطات نفطية تذكر، تستورد نسبة 87% من احتياجاتها النفطية من المنطقة، إذ تعتمد الهند بنسبة 64% من واردات الطاقة على المنطقة العربية وإيران، فيما تعتمد الصين بنسبة أقل تقدرها بريتش بتروليوم بنسبة 44%. كذلك تستورد اليابان نحو 3.5 ملايين برميل يومياً. وبالتالي فإن هيمنة واشنطن على تدفقات الطاقة عبر مضيق هرمز يمنحها قوة الضغط على الصين وبقية الحلفاء في آسيا.