منتصف يوليو/تموز الماضي رصد البنك الدولي عبر تقريره "مرصد الاقتصاد المصري" ثلاثة تحديات تواجه الصادرات السلعية بمصر، وهي المعوقات الإدارية والفنية واعتماد الصادرات السلعية لمصر على استيراد جزء كبير من مستلزمات الإنتاج من الخارج، وكذلك ضعف ارتباط مصر لوجستياً بالأسواق الخارجية، أما التحدي الثالث فهو عدم ازدهار الصناعة المصرية بشكل كاف بعد تخفيض قيمة الجنيه المصري في نوفمبر 2016.
وتأتي هذه التحديات كنتائج وليست كأسباب في الحقيقة لأزمة الصادرات السلعية بمصر، فالمعوقات الفنية والإدارية، لم تهبط على الساحة المصرية من السماء، أو أنها نتيجة ممارسات خارجية، ولكنها وليدة حالة من الانفصام في مفهوم الإصلاح الذي يُملى على القيادة السياسية ولا تتوفر إرادته لديها.
فالجهاز الإداري للدولة، تديره حكومة السيسي عبر القيادات العسكرية، ولا يمكن أن نقول إن الدولة العميقة تعمل على عرقلة خطة الإصلاح الاقتصادي، فكافة أجهزة الدولة تعمل بكل طاقتها مع الانقلاب العسكري، مخافة بطش اليد الحديدية، ولكن هذه المعوقات الإدارية ليست أكثر من رغبة في مصالح ممارسي الفساد، والحفاظ على مكاسبهم الحرام.
أما قضية استيراد المستلزمات والمواد الخام الخاصة بالصادرات، فيرجع هذا إلى غياب الرؤية لتبني استراتيجية إنتاجية، ووجود علاقات تشابكية بين مختلف قطاعات الاقتصاد المصري، فالواردات السلعية بمصر منذ عقود تمثل ضعفين أو ثلاثة أضعاف الصادرات السلعية، ولا تقتصر على المواد الخام فقط، ولكنها تشمل العدد والآلات، وخطوط الإنتاج وقطع الغيار.
اقــرأ أيضاً
وثمة تصور خاطئ حول أداء الصناعة، كونها لم تستفد من تخفيض قيمة الجنيه في نوفمبر 2016، فالحقيقة أن الصناعة المصرية لديها مشكلات كبيرة، ولا تمثل صورة جيدة من حيث اعتبارها ركيزة أو قاعدة إنتاجية، فهي تعتمد على الخارج بشكل كبير، فضلًا عن ارتفاع تكلفة الإنتاج منذ تطبيق اتفاق صندوق النقد الدولي بعد نوفمبر 2016، حيث ارتفعت أسعار الوقود بنسب كبيرة، وكذلك ارتفعت تكلفة التمويل بسبب ارتفاع سعر الفائدة ومن هنا فالصناعة لا تمتلك مقومات المنافسة على الصعيدين المحلي والخارجي.
دعم بلا مردود
بالاطلاع على بيانات الموازنة المصرية، وفي ضوء الأرقام الفعلية، وليس التقديرية أو المستهدفة، يتبين أن الصادرات السلعية بمصر تحصل على دعم من الحكومة بلغ في عام 2013 /2014 نحو 3 مليارات جنيه (الدولار = 16.5 جنيهاً)، وتصاعد في 2015 /2016 إلى 3.7 مليارات جنيه، ولكنه تراجع في 2017 /2018 إلى 2.3 مليار جنيه، ومتوقع أن يصل إلى 4 مليارات جنيه بنهاية يونيو/ حزيران 2019. إلا أن موازنة 2019 /2020 رصدت مبلغ 6 مليارات جنيه كمخصصات لدعم الصادرات السلعية.
والجدير بالذكر أن دعم الصادرات السلعية، بدء في مصر منذ عام 2006، حيث أعلن حينها أن وزارة التجارة الخارجية أعدت استراتيجية لتنمية الصادرات، وأنه لابد من دعم قطاع الصادرات السلعية، لأنه سيساهم بشكل كبير في النهوض بالاقتصاد المصري. ولكن للأسف تحول الأمر إلى باب من أبواب الفساد، واعتبره المصدرون المصريون حقًا مكتسبًا، دون أن يحققوا شيئاً في زيادة الصادرات السلعية عما كانت عليه قبل الدعم.
وكان وزير التجارة الخارجية الأسبق رشيد محمد رشيد قبل ثورة يناير 2011، قد أحال مخالفات في بند دعم الصادرات بنحو 165 مخالفة إلى النيابة، عبارة عن فواتير مزورة من قبل المصدرين لحصولهم على الدعم بدون وجه حق، ولكن لم يُعلم عن مصير هذا الإجراء.
وفي محاولة من قبل بعض الاقتصاديين أو السياسيين المعنيين بالشأن العام، لسد الفساد في بند دعم الصادرات السلعية، رأوا أنه لا مانع من وجوده، ولكن بشرط أن يحصل عليه، من يحقق زيادة في إتاحة فرص العمل، أو من يحقق بالفعل زيادة في الصادرات السلعية، أو من يبدأ في أنشطة تصديرية لم تكن موجودة من قبل، ولكن ذهبت هذه المقترحات في مهب الريح، ولا يزال أمر من يحصلون على هذا الدعم من الأسرار التي لا يُفصح عنها.
أداء الصادرات الضعيف
تخفي الأرقام الإجمالية للصادرات السلعية لمصر مجموعة من الحقائق، منها أن تشمل الصادرات السلعية النفطية، وهي بطبيعتها صادرات ريعية، فضلًا عن انخفاض قيمتها المضافة بسبب تصدير المنتجات في شكل خام.
كما أن الصادرات السلعية النفطية لا تعد صادرات مصرية خالصة، وإنما تتضمن حصة الشريك الأجنبي، وذلك حسب ما هو واضح في بيانات وزارة المالية في تصنيفها لمكونات الناتج المحلي الإجمالي من استهلاك واستثمار وصافي المعاملات الخارجية من سلع وخدمات، حيث تتم الإشارة إلى أن الصادرات السلعية والخدمية، تتضمن حصة الشريك الأجنبي في النفط.
ولذلك من الشفافية عرض صادرات مصر السلعية النفطية وغير النفطية، حتى تظهر حقيقة أداء الصادرات السلعية للقطاعات الإنتاجية بمصر، فخلال الفترة من 2011 /2012 وحتى 2017 /2018، كان أداء الصادرات السلعية هو الأفضل في عام 2012 /2013، وهو العام الذي تولى فيه الرئيس المدني المنتخب الشهيد د محمد مرسي الرئاسة، حيث بلغت الصادرات السلعية في هذا العام 26.9 مليار دولار، وظلت هذه الصادرات في تراجع بعد الانقلاب العسكري، ثم تحسنت بعض الشيء بفعل الصادرات النفطية وتحسن أسعار النفط، وقد بلغت في عام 2017 /2018 نحو 25.8 مليار دولار.
أما على صعيد الصادرات السلعية غير النفطية، فقد بلغت 13.9 مليار دولار في عام 2012 /2013، ثم أخذت في التراجع بعد الانقلاب العسكري، إلا أنها تحسنت في عامي 2016 /2017 و2017 /2018 لتصل إلى 15.1 و17 مليار دولار على التوالي.
إلا أن بيانات البنك المركزي عن الفترة (يوليو/ تموز 2018 – مارس/ آذار 2019) تبين أن الصادرات السلعية غير النفطية تراجعت بنحو 400 مليون دولار مقارنة بنفس الفترة المناظرة من العام الماضي. حيث كانت 12.7 مليار دولار وتراجعت إلى 12.3 مليار دولار.
اقــرأ أيضاً
كما يبين التقرير الاقتصادي السنوي للبنك المركزي لعام 2017/2018 أن هيكل الصادرات المصرية من حيث درجة التصنيع، يتضمن مواد خاماً بنسبة 11.5%، ومواد نصف مصنعة بنسبة 25.2%، ومواد تامة الصنع 62.2%، والمواد تامة الصنع تشمل الأجهزة الكهربائية للاستخدام المنزلي، والأسمدة الفوسفاتية أو المعدنية، والأقمشة والمنسوجات.
من هنا تتضح حقيقة الصادرات المصرية، من كونها هزيلة القيمة، كما أن مضمونها وهيكلها يظهران مدى ضعف قيمتها المضافة. وبالتالي فتقرير "مرصد الاقتصاد المصري" لم يأتِ بجديد في ظل الدراسات المصرية التي أُعدت على مدار سنوات وتظهر مدى تواضع الصادرات السلعية، حتى أن بعض الباحثين صدّر ورقته في إحدى فعاليات معهد التخطيط القومي بعنوان "لغز الصادرات المصرية"، حيث إن المصدرين حصلوا على كافة التسهيلات، ولكنهم بقوا على حالهم المتواضع من حيث الأداء.
وكنتيجة طبيعية لمجتمع يزداد سكانه بمعدلات تصل إلى 2.5% سنويًا، وتزداد مع هذا احتياجاتهم من السلع والخدمات، تتجه الواردات السلعية للزيادة، ولطالما عجزت الطاقة الإنتاجية المحلية عن الوفاء باحتياجاتهم، وهو ما نلمسه في بيانات الفترة (يوليو/ تموز 2018 – مارس/ آذار 2019) حيث زادت الواردات السلعية إلى 50 مليار دولار بعد أن كانت بحدود 46 مليار دولار في الفترة المناظرة من العام الماضي.
ولعل ما تضمنه تقرير البنك الدولي "مرصد الاقتصاد المصري"، عن أداء الصادرات السلعية، يعد أحد مظاهر فشل برنامج مصر مع صندوق النقد الدولي بشأن الإصلاح الاقتصادي، لإهماله الجانب الإنتاجي السلعي.
وتأتي هذه التحديات كنتائج وليست كأسباب في الحقيقة لأزمة الصادرات السلعية بمصر، فالمعوقات الفنية والإدارية، لم تهبط على الساحة المصرية من السماء، أو أنها نتيجة ممارسات خارجية، ولكنها وليدة حالة من الانفصام في مفهوم الإصلاح الذي يُملى على القيادة السياسية ولا تتوفر إرادته لديها.
فالجهاز الإداري للدولة، تديره حكومة السيسي عبر القيادات العسكرية، ولا يمكن أن نقول إن الدولة العميقة تعمل على عرقلة خطة الإصلاح الاقتصادي، فكافة أجهزة الدولة تعمل بكل طاقتها مع الانقلاب العسكري، مخافة بطش اليد الحديدية، ولكن هذه المعوقات الإدارية ليست أكثر من رغبة في مصالح ممارسي الفساد، والحفاظ على مكاسبهم الحرام.
أما قضية استيراد المستلزمات والمواد الخام الخاصة بالصادرات، فيرجع هذا إلى غياب الرؤية لتبني استراتيجية إنتاجية، ووجود علاقات تشابكية بين مختلف قطاعات الاقتصاد المصري، فالواردات السلعية بمصر منذ عقود تمثل ضعفين أو ثلاثة أضعاف الصادرات السلعية، ولا تقتصر على المواد الخام فقط، ولكنها تشمل العدد والآلات، وخطوط الإنتاج وقطع الغيار.
وثمة تصور خاطئ حول أداء الصناعة، كونها لم تستفد من تخفيض قيمة الجنيه في نوفمبر 2016، فالحقيقة أن الصناعة المصرية لديها مشكلات كبيرة، ولا تمثل صورة جيدة من حيث اعتبارها ركيزة أو قاعدة إنتاجية، فهي تعتمد على الخارج بشكل كبير، فضلًا عن ارتفاع تكلفة الإنتاج منذ تطبيق اتفاق صندوق النقد الدولي بعد نوفمبر 2016، حيث ارتفعت أسعار الوقود بنسب كبيرة، وكذلك ارتفعت تكلفة التمويل بسبب ارتفاع سعر الفائدة ومن هنا فالصناعة لا تمتلك مقومات المنافسة على الصعيدين المحلي والخارجي.
دعم بلا مردود
بالاطلاع على بيانات الموازنة المصرية، وفي ضوء الأرقام الفعلية، وليس التقديرية أو المستهدفة، يتبين أن الصادرات السلعية بمصر تحصل على دعم من الحكومة بلغ في عام 2013 /2014 نحو 3 مليارات جنيه (الدولار = 16.5 جنيهاً)، وتصاعد في 2015 /2016 إلى 3.7 مليارات جنيه، ولكنه تراجع في 2017 /2018 إلى 2.3 مليار جنيه، ومتوقع أن يصل إلى 4 مليارات جنيه بنهاية يونيو/ حزيران 2019. إلا أن موازنة 2019 /2020 رصدت مبلغ 6 مليارات جنيه كمخصصات لدعم الصادرات السلعية.
والجدير بالذكر أن دعم الصادرات السلعية، بدء في مصر منذ عام 2006، حيث أعلن حينها أن وزارة التجارة الخارجية أعدت استراتيجية لتنمية الصادرات، وأنه لابد من دعم قطاع الصادرات السلعية، لأنه سيساهم بشكل كبير في النهوض بالاقتصاد المصري. ولكن للأسف تحول الأمر إلى باب من أبواب الفساد، واعتبره المصدرون المصريون حقًا مكتسبًا، دون أن يحققوا شيئاً في زيادة الصادرات السلعية عما كانت عليه قبل الدعم.
وكان وزير التجارة الخارجية الأسبق رشيد محمد رشيد قبل ثورة يناير 2011، قد أحال مخالفات في بند دعم الصادرات بنحو 165 مخالفة إلى النيابة، عبارة عن فواتير مزورة من قبل المصدرين لحصولهم على الدعم بدون وجه حق، ولكن لم يُعلم عن مصير هذا الإجراء.
وفي محاولة من قبل بعض الاقتصاديين أو السياسيين المعنيين بالشأن العام، لسد الفساد في بند دعم الصادرات السلعية، رأوا أنه لا مانع من وجوده، ولكن بشرط أن يحصل عليه، من يحقق زيادة في إتاحة فرص العمل، أو من يحقق بالفعل زيادة في الصادرات السلعية، أو من يبدأ في أنشطة تصديرية لم تكن موجودة من قبل، ولكن ذهبت هذه المقترحات في مهب الريح، ولا يزال أمر من يحصلون على هذا الدعم من الأسرار التي لا يُفصح عنها.
أداء الصادرات الضعيف
تخفي الأرقام الإجمالية للصادرات السلعية لمصر مجموعة من الحقائق، منها أن تشمل الصادرات السلعية النفطية، وهي بطبيعتها صادرات ريعية، فضلًا عن انخفاض قيمتها المضافة بسبب تصدير المنتجات في شكل خام.
كما أن الصادرات السلعية النفطية لا تعد صادرات مصرية خالصة، وإنما تتضمن حصة الشريك الأجنبي، وذلك حسب ما هو واضح في بيانات وزارة المالية في تصنيفها لمكونات الناتج المحلي الإجمالي من استهلاك واستثمار وصافي المعاملات الخارجية من سلع وخدمات، حيث تتم الإشارة إلى أن الصادرات السلعية والخدمية، تتضمن حصة الشريك الأجنبي في النفط.
ولذلك من الشفافية عرض صادرات مصر السلعية النفطية وغير النفطية، حتى تظهر حقيقة أداء الصادرات السلعية للقطاعات الإنتاجية بمصر، فخلال الفترة من 2011 /2012 وحتى 2017 /2018، كان أداء الصادرات السلعية هو الأفضل في عام 2012 /2013، وهو العام الذي تولى فيه الرئيس المدني المنتخب الشهيد د محمد مرسي الرئاسة، حيث بلغت الصادرات السلعية في هذا العام 26.9 مليار دولار، وظلت هذه الصادرات في تراجع بعد الانقلاب العسكري، ثم تحسنت بعض الشيء بفعل الصادرات النفطية وتحسن أسعار النفط، وقد بلغت في عام 2017 /2018 نحو 25.8 مليار دولار.
أما على صعيد الصادرات السلعية غير النفطية، فقد بلغت 13.9 مليار دولار في عام 2012 /2013، ثم أخذت في التراجع بعد الانقلاب العسكري، إلا أنها تحسنت في عامي 2016 /2017 و2017 /2018 لتصل إلى 15.1 و17 مليار دولار على التوالي.
إلا أن بيانات البنك المركزي عن الفترة (يوليو/ تموز 2018 – مارس/ آذار 2019) تبين أن الصادرات السلعية غير النفطية تراجعت بنحو 400 مليون دولار مقارنة بنفس الفترة المناظرة من العام الماضي. حيث كانت 12.7 مليار دولار وتراجعت إلى 12.3 مليار دولار.
كما يبين التقرير الاقتصادي السنوي للبنك المركزي لعام 2017/2018 أن هيكل الصادرات المصرية من حيث درجة التصنيع، يتضمن مواد خاماً بنسبة 11.5%، ومواد نصف مصنعة بنسبة 25.2%، ومواد تامة الصنع 62.2%، والمواد تامة الصنع تشمل الأجهزة الكهربائية للاستخدام المنزلي، والأسمدة الفوسفاتية أو المعدنية، والأقمشة والمنسوجات.
وكنتيجة طبيعية لمجتمع يزداد سكانه بمعدلات تصل إلى 2.5% سنويًا، وتزداد مع هذا احتياجاتهم من السلع والخدمات، تتجه الواردات السلعية للزيادة، ولطالما عجزت الطاقة الإنتاجية المحلية عن الوفاء باحتياجاتهم، وهو ما نلمسه في بيانات الفترة (يوليو/ تموز 2018 – مارس/ آذار 2019) حيث زادت الواردات السلعية إلى 50 مليار دولار بعد أن كانت بحدود 46 مليار دولار في الفترة المناظرة من العام الماضي.
ولعل ما تضمنه تقرير البنك الدولي "مرصد الاقتصاد المصري"، عن أداء الصادرات السلعية، يعد أحد مظاهر فشل برنامج مصر مع صندوق النقد الدولي بشأن الإصلاح الاقتصادي، لإهماله الجانب الإنتاجي السلعي.