معضلة السودان الاقتصادية وتسويف العسكر

08 مايو 2019
احتجاجات متواصلة في شوارع الخرطوم (Getty)
+ الخط -

يتعقد المشهد السياسي في السودان يوماً بعد يوم، ومعه يتعقد المشهد الاقتصادي والمالي بالنسبة للدولة والمعيشي بالنسبة للمواطن، ويزداد هذا التعقيد مع تباعد المواقف واختلاف الرؤى بين المجلس العسكري الحاكم وممثلي الحراك الشعبي خاصة من قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين، وأخرها الخلاف حول الانتخابات مبكرة التي لوح بها العسكر واعتبرها الثوار شرعنة للنظام القديم.

ويبدو أن المجلس العسكري يراهن على عنصر الوقت وزرع الفتن والخلافات بين قوى المعارضة، كما يراهن على تعقد الأزمات الاقتصادية والمعيشية وليس حلها، وبالتالي دفع الشارع نحو الضغط على الحراك لحل المشاكل الجماهيرية، خاصة فيما يتعلق بتعطل الحركة المرورية، وإغلاق الشوارع عبر المتاريس التي تعد سلاح الثوار القوي لصون ثورتهم وثباتها، والتحفظ على المساعدات السعودية الإماراتية من قبل المحتجين.

وربما يلجأ المجلس العسكري في وقت لاحق لسياسة الترهيب والترغيب الاقتصادي، ولذا لا نستبعد خروج ممثل عن المجلس العسكري ليعلن خلال الأيام المقبلة أن السودان قد اقترب من حافة الإفلاس، وأنه لا يوجد دولار واحد في خزينته لشراء الوقود والأغذية والسلع التموينية الضرورية من الخارج، وأن آلاف المرضى سيموتون بسبب عدم توافر الموارد المالية لدى البنوك لتمويل واردات الأدوية والمستحضرات الطبية، وأن المؤسسات الدولية لديها استعداد لتقديم المنح والمساعدات وربما القروض بشرط أن تشهد البلاد استقراراً سياسياً وهو ما لم يتحقق باستمرار الاعتصام، وأن المستثمرين الأجانب أصحاب المشروعات الضخمة والمليارات على الأبواب، إلا أنهم ينتظرون فض التظاهرات وعودة الثوار إلى منازلهم.
قد يلجأ العسكر إلى هذه الأساليب الملتوية خاصة إذا ما حافظ الحراك الشعبي على حيويته ونشاطه، ونجح الحراك في استقطاب جماهير جيدة للمحتجين.

على الأرض، هناك أزمات معيشية تواجه الموطن وتتفاقم يوماً بعد يوم، فلا تزال هناك أزمة حادة في السيولة، علماً بأن الأزمة كانت إحدى الدوافع الرئيسية وراء اندلاع الاحتجاجات الحالية والثورة على نظام عمر البشير، وهناك حالة استياء شديدة بين المواطنين بسبب خلو آلات الصرف الآلي في البنوك من النقود، وشح السيولة في مقار البنوك وفروعها، وهناك أزمة وقود في محطات التموين.

وهناك ارتفاعات متواصلة في الأسعار رغم تراجع سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني، وهناك ندرة في النقد الأجنبي على الرغم من إعلان السعودية والإمارات عن تقديم مساعدات بقيمة 3 مليارات دولار وصل منها 250 مليون دولار فقط لمصرف السودان المركزي.

ومع طول الأزمة الحالية، فإن اقتصاد السودان قد ينزلق نحو الهاوية وتركم الأزمات، ولذا فإن على المجلس العسكري تسليم السلطة لحكومة مدنية في أقرب وقت، حكومة تحول دون انزلاق البلاد إلى فوضى اقتصادية ومالية خاصة وأن الرئيس المخلوع عمر البشير ترك خزينة الدولة خاوية ومدينة بأكثر من 52 مليار دولار، واحتياطي متهاوٍ من النقد الأجنبي لا يتجاوز 1.44 مليار دولار رغم وجود 5 ملايين سوداني في الخارج يحولون مليارات الدولارات إلى ذويهم في الداخل سنوياً.
حكومة تعيد ترتيب الأوراق وتضع خططا قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل لعلاج الأزمات العنيفة التي تعاني منها البلاد وفي المقدمة الأزمات المعيشية، وإعادة بناء الاحتياطي الأجنبي، والتفاوض حول كيفية سداد الديون الخارجية، وإعادة الاستثمارات الهاربة، وقبلها اقناع السودانيين العاملين في الخارج والذي يقدر عددهم بنحو 5 ملايين بأن بلادهم لديها فرص استثمار واعدة، وأن عليهم المشاركة في صنع مستقبل بلدهم.

أما لو استمر العسكر في حكم السودان، فلن تعرف البلاد ساعتها تنمية أو رخاء اقتصادي، وسيتم اغراقها في جبال من القروض والديون وعجز في الموازنة العامة وتدهور في الخدمات الأساسية والبنية التحتية، ولن يسمع أحد مقولة أن السودان "سلة غذاء العالم"، بل قد تصنف على أنها الأفقر بين دول العالم.
المساهمون