سيطر الهلع على المواطنين الليبيين في العاصمة طرابلس من تداعيات الاشتباكات المسلحة التي دارت لأكثر من أسبوع، ما تسبب في اختفاء العديد من السلع من الأسواق وحدوث ارتفاعات كبيرة في الأسعار، وسط تدافع السكان على تخزين المنتجات، خشية توقف الإمدادات، بينما اتهمت جمعيات حماية المستهلك من وصفتهم بسماسرة الحرب بتعطيش الأسواق ورفع الأسعار استغلالا للظروف الحالية من أجل تحقيق مكاسب أكبر.
وفي جولة لـ"العربي الجديد"، بدت الأسواق فارغة وكذلك أغلقت معظم المحال التجارية أبوابها، ومن اضطر إلى فتح محله قصر ساعات العمل حتى منتصف النهار فقط، في ظل الانفلات الأمني الكبير الذي شهدته العديد من المناطق، لا سيما القريبة من مواقع الاشتباكات في جنوب طرابلس، بينما لم تتفاعل الأسواق بعد مع إعلان البعثة الأممية إلى ليبيا، مساء الثلاثاء، عن توصل القادة العسكريين في طرابلس إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
وأكد سكان محليون وتجار أن سوق الكريمية، أكبر تجمع تجاري في ليبيا، مغلق منذ بداية الأسبوع الجاري، مع انتشار عمليات السرقة لبعض المحال التجارية.
وسوق الكريمية يقع على بعد 15 كيلومترا شمال طرابلس، ويعتبر المغذي الرئيسي للسلع الغذائية في ليبيا، كما أغلقت سوق الأدوية في منطقة الحي الإسلامي، قبل يومين، بسبب وجود مجموعات مسلحة على مقربة منها. كما تشهد مختلف المناطق نقصا كبيرا في الخبز، مع فتح المخابز أبوابها لساعات قليلة مطلع النهار.
وقال علي الطرابلسي، الذي يدير مجموعة مخابز في مختلف أنحاء طرابلس، لـ"العربي الجديد"، إن سلعة الدقيق لا توجد والمخزون بدأ ينفد لديه، مضيفا: "لم نستلم الدقيق من شركات المطاحن مند خمسة أيام، وهناك قلق من حدوث مشكلة كبيرة في توفير الخبز للمواطنين".
وبلغ سعر الدقيق في المحلات التجارية أربعة دنانير (2.9 دولار) للكيلوغرام، بينما سعره لم يكن يتعدى دينارا ونصف الدينار (1.09 دولار) قبل الاشتباكات الحالية.
وقال المواطن محسن الرقيعي إن هناك ارتفاعاً كبيراً في الأسعار، حيث وصل سعر كلغ الأرز إلى 4.5 دنانير (3.26 دولارات)، بزيادة تصل إلى دينار ونصف الدينار، كما قفز سعر كلغ الشاي إلى 19 دينارا (13.78 دولارا)، والسكر إلى نحو 4 دنانير (2.9 دولار) للكيلوغرام. كما قال المواطن علي المصباحي: "الأسعار ارتفعت وبعضها توارت عن الأنظار، ومنها حليب الأطفال".
وقال أحمد الكردي، رئيس اتحاد جمعيات حماية المستهلك، لـ"العربي الجديد"، إن سماسرة الحروب يستغلون الوضع الأمني في البلاد ويقومون بزيادة الأسعار المرتفعة بالأساس، مشيرا إلى أن هذه المشكلة تزداد في ظل غياب مؤسسات الدولة.
وأضاف الكردي أن هناك ظواهر أخرى انتشرت في طرابلس، منها عمليات السرقة بالإكراه والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة.
وفي هذا السياق، قال فرحات المسلاتي، بائع الجملة في سوق الكريمية، إن "بعض تجار الحروب المسيطرين على السوق يرفعون الأسعار استغلالا للظروف الحالية"، ما ضاعف من المشكلة الناجمة بالأساس عن إغلاق سوق الكريمية بسبب الاشتباكات المسلحة بالقرب من السوق، وهو ما تسبب في شح السلع الذي نخشى من استمراره حال بقاء هذه الاضطرابات.
وتتركز الأزمة في العاصمة التي يبلغ عدد سكانها نحو 2.5 مليون نسمة، وفق البيانات الرسمية. ومسلسل ارتفاع الأسعار في ليبيا، بات من أبرز القضايا التي تؤرق المواطنين في ظل شح السيولة النقدية وتردي الظروف المعيشية.
وقفزت أسعار السلع المستوردة، ووصلت أسعار بعضها إلى ضعف ثمنها السابق، مثل الحليب والأجبان والبيض والخضروات والفاكهة والأغذية المعلبة.
وقال حسين التاورغي، الذي يدير محلات لبيع الخضروات والفواكه، إن إغلاق سوق الأحد في منطقة قصر بن غشير، وهو سوق كبير لبيع الخضروات، تسببب في قفزات كبيرة بالأسعار فضلا عن نقص السلع الموردة من قبل الفلاحين في المناطق المجاورة لطرابلس، مشيرا إلى أن ربطة البصل الأخضر وصل سعرها إلى خمسة دنانير (3.6 دولارات)، وكذلك سعر الكيلوغرام من الفلفل الأخضر، في حين بلغ سعر الطماطم إلى ثلاثة دنانير للكيلوغرام (2.2 دولار).
ولم تكن سوق العملة بعيدة عن شظايا الاشتباكات، فقد قفز سعر الدولار بالسوق الموازية (السوداء) إلى 7.3 دنانير، بزيادة تصل إلى دينارين ونصف قبل اندلاع المعارك.
وتضاف أزمة أسعار السلع ونقصها بالأسواق إلى أزمتي نقص الوقود وانقطاع الكهرباء التي تتصاعد التحذيرات من امتداد أمدها مع استمرار الاشتباكات ووصولها إلى مخازن الوقود وخطوط الكهرباء.
وقال محمد التكوري، مدير الإعلام في الشركة العامة للكهرباء، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الأحياء الواقعة في مناطق الاشتباكات المسلحة انقطعت عنها الكهرباء منذ خمسة أيام، ولم تتمكن فرق الصيانة من الدخول إليها في منطقة جنوب طرابلس.
ويلجأ بعض السكان، في ظل الانقطاع المتكرر للكهرباء، إلى المولدات التي تعمل بالبنزين، وترتفع كلفة المولد الواحد إلى ما يقارب 500 دولار، بسبب الطلب المتزايد عليها.
كما تشهد طرابلس أزمة وقود، حيث باتت الطوابير تمتد لمسافات طويلة أمام محطات التزود به، فيما أغلقت بعضها لنفاد الكميات لديها وعدم وصول الإمدادات إليها، فيما أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط قبل يومين عن خطة طوارئ لتوفير المحروقات في محطات الوقود.
واختفت سيارات "الافيكو"، وهي عبارة عن حافلات عامة صغيرة تسع 16 راكبا، من شوارع العاصمة، فيما قفزت تعرفة سيارات الأجرة الصغيرة إلى أكثر من 20 ديناراً (14.5 دولارا). كما شهدت مستودعات الغاز لاستبدال أسطوانة (أنبوبة) غاز الطهو ازدحاماً كبيراً وسط شح المعروض.
ويتخوف خبراء اقتصاد من اتجاه أسعار السلع لمزيد من الصعود في ظل عدم وجود مؤشرات على استقرار الأوضاع في ليبيا على المدى القريب، كما أن غياب الإنتاجية أدى إلى الاعتماد على السلع المستوردة بنحو 95%.
وكتب مختار حمودة، الخبير المصرفي، عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن ليبيا بلا استقرار سياسي ولا اقتصادي ولا أمني وليس فيها بنية تحتية ولا نظام حياة كريمة ولا فرص عمل، ومعها يعاني المواطن القهر في معيشته من الغلاء الفاحش في الأسعار وانعدام السيولة النقدية ونقص الوقود وانقطاع الكهرباء وضبابية المستقبل وفقدان الثقة في كل المسؤولين بمختلف مسمياتهم ومراكزهم.
وقد ألقت الحرب الأهلية الليبية بثقلها على المشهد الإنساني، خاصة في ما يخص الخدمات والاحتياجات الأساسية. فهناك نقص، وأحياناً غياب، للوازم الأساسية الصحية والطبية والخدمات العامة الأساسية، مثل خدمات السفر والتنقل وخدمات توفير السلع الضرورية للسكان، مثل غاز الطهو والبنزين، إضافة إلى ارتفاع أسعار الخبز أخيراً.