الحكومة التونسية الجديدة تصطدم بأزمة الأجور

15 نوفمبر 2019
الاحتجاجات أجبرت الحكومة الحالية على زيادة الأجور(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -


تواصل نفقات أجور موظفي تونس نسقها التصاعدي في الموازنة الجديدة 2020، بعكس ما طلبه صندوق النقد الدولي، الذي دعا الحكومة بمقتضى اتفاق بين الجانبين إلى النزول بكتلة الأجور إلى حدود 12.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

وتصب توقعات المراقبين نحو اصطدام الحكومة الجديدة بصعوبات في إقناع مؤسسة القرض الدولية بمواصلة صرف ما تبقى من شرائح القرض المتفق عليها.

وكان البرلمان التونسي الجديد افتتح أولى جلساته، أول من أمس، وسط آمال الشارع بحدوث انفراجة للأزمات المعيشية التي يعاني منها التونسيون في ظل السلطة التنفيذية والتشريعية الجديدة بعد الانتخابات الأخيرة، والتي ستستكمل بالإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة قريبا.

وتكشف بيانات مشروع قانون المالية (الموازنة) لعام 2020، عن ارتفاع كتلة الأجور بنسبة 10.9 في المائة عن العام الجاري، بينما تستحوذ بالأساس على ما يقرب من 40 في المائة من إجمالي نفقات الدولة و15 في المائة من الناتج الإجمالي.

ومنذ توقيع الاتفاق مع المؤسسة المالية في مايو/ أيار عام 2016، وضع صندوق النقد الدولي الالتزام بخفض كتلة الأجور ووقف الانتدابات (التعيين) في القطاع الحكومي شرطا أساسيا لمواصلة تمويل الاقتصاد التونسي، غير أن الضغوط النقابية وحراك الشارع حالا دون تنفيذ هذا الشرط، ما يضع الحكومة القادمة أمام اختبار صعب للخروج من مأزق الحصول على التمويلات لضمان تنفيذ اتفاقات زيادات في الأجور وقعت عليها حكومة الشاهد.

ورغم أن حكومة الشاهد تؤكد أنه لم يكن بالإمكان أحسن مما كان، وأنها اشتغلت تحت منسوب ضغط مرتفع من المطلبية الاجتماعية دفعها إلى التوقيع على اتفاقات مالية جديدة.

إلا أن خبراء اقتصاد يرون أن قرارات الزيادة في الرواتب لم تكن صائبة، وأن إرضاء الشارع تسبب في إثقال كاهل الدولة بالديون الإضافية وزيادة نسب التضخم المدفوعة بارتفاع الاستهلاك مقابل نقص في خلق الثروة.

ويقول الخبير الاقتصادي، معز الجودي، إن الزيادة في كتلة الأجور أمر متوقع بعد توقيع حكومة الشاهد عام 2019 على اتفاقات مالية سيحصل بموجبها الموظفون على أقساط زيادات جديدة في الأجور ستصرف عام 2020، فضلا عن التوقيع على منح خاصة لفائدة قطاعات الأطباء وأساتذة الجامعة والمهندسين.

وأضاف الجودي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن كل الاتفاقات لها انعكاس مباشر على نفقات الأجور المرسمة في الموازنة، مؤكدا إخفاق الحكومة في تنفيذ الإصلاح المتعلق بالتحكم في كتلة الأجور، بالرغم من أنه مطلب أساسي لصندوق النقد.

وأفاد الجودي بأن الضغوط النقابية حالت دون تنفيذ إصلاحات مهمة ما تسبب في إغراق الدولة بمزيد من الديون، لافتا إلى أن نصيب الفرد من الدين العام سيكون العام المقبل في حدود 8030 دينارا لكل تونسي مقابل 2370 دينارا عام 2010.

وفي سبتمبر/ أيلول الماضي وقعت الحكومة مع الاتحاد العام التونسي للشغل اتفاقا يمكّن الأطباء والأساتذة الجامعيين والمهندسين من زيادات خصوصية، ستصرف على سنتين بداية من العام المقبل، فيما لا تزال قطاعات أخرى تنتظر تفعيل اتفاقات لمنح خصوصية يفترض أن ينتفع بها الموظفون العام الجاري، غير أنها تعطلت بسبب صعوبات المالية العمومية.

ويبرر وزير الإصلاحات الكبرى، توفيق الراجحي، زيادة كتلة الأجور في موازنة العام القادم بتنفيذ عديد الاتفاقيات المبرمة مع الاتحاد العام التونسي للشغل، ومن بينها المتعلقة بالأقساط الجديدة للزيادات في الأجور في القطاع العام والوظيفة العمومية خلال عام 2020.

وبالإضافة إلى تجميد التوظيف في القطاع العام، بدأت حكومة الشاهد سنة 2017 في تنفيذ خطة للتسريح الطوعي لموظفي القطاع الحكومي، وكانت تتطلع عبرها إلى الاستغناء عن 50 ألف موظف، غير أنه وبعد نحو عامين من بداية خطة التسريح، لم يتجاوز عدد المسرحين 10 آلاف، في ظل عزوف العاملين في القطاع العام عن المغادرة الاختيارية، خوفاً من خسارة الحوافز والضمانات المالية التي يحظون بها.

الأحزاب الصاعدة للبرلمان تعتبر أن حكومة الشاهد "فخخت" الأرضية للسلطة الجديدة التي ستواجه وضعا ماليا صعبا.

ويرى عضو البرلمان زهير المغزاوي، أن تضخم كتلة الأجور بات أشبه ما يكون بكرة الثلج التي لا تتوقف، ما يعمّق مصاعب المالية العمومية ويزيد حاجة الدولة إلى التداين.

ويقول المغزاوي لـ"العربي الجديد" إن خفض نسبة الأجور لن يحدث دون إجراء إصلاحات هيكلية في الاقتصاد تعيد نسب النمو، وتسترجع الطاقات المهدرة، ولا سيما قطاع الفوسفات.

ويعدّ النزول بكتلة الأجور إلى 12.7 في المائة وفق مطلب الصندوق، واحداً من أبرز التحديات الجديدة للحكومة، مع وجود اتفاق وقّعته حكومة الشاهد مع الاتحاد العام التونسي للشغل في فبراير/ شباط الماضي، يقضي بزيادة أجور الموظفين 180 ديناراً على ثلاث دفعات حتى يناير/ كانون الثاني 2020. وفي تقرير له عقب انتهاء مهمة المراجعة الخامسة، أقرّ صندوق النقد الدولي بصعوبة احتواء الأجور.

ويرى الخبير المالي، أرم بالحاج، أن الحكومة القادمة مطالبة بتقديم توضيحات للتونسيين عن برنامجها في التعامل مع صندوق النقد، مؤكدا في حديثه لـ"العربي الجديد أن "الصندوق أجرى تغييرات في مراجعاته المبرمجة في تونس ما تسبب في تأخير القسطين الأخيرين بأكثر من ستة أشهر، بسبب تأخر الإصلاحات وعدم التزام الحكومة ببنود الاتفاق".

المساهمون