حالة من الغضب تسود بين أهالي صعيد مصر، منذ قرار الحكومة الأخير رفع سعر أسطوانة الغاز المنزلي من 30 إلى 50 جنيهاً، والتجاري من 60 إلى 100 جنيه.
مصدر الغضب بعدما سيطرت المستودعات على سعر إسطوانة الغاز، ووصلت في بعض قرى ومدن الصعيد إلى أرقام فلكية بزيادة 100% في ظل ضعف الرقابة على تلك المستودعات التي أصبحت تتحكم في قوت الشعب، إضافة إلى غياب تام للمحافظين في محافظاتهم، انتظاراً لحركة التغيرات المنتظرة.
وبالتالي، ليس للغاضبين سوى السؤال عن هؤلاء المحافظين عما إذا كانوا سيبقون في مناصبهم.
إذاً، حال من الفوضى أصابت المحافظات، خاصة في الصعيد، حيث تسبب غلاء "أنبوبة البوتاغاز" الموجودة في المستودعات، بمشاجرات بين الأهالي وأصحاب المستودعات، وصلت إلى الأيدي في بعض المناطق.
لكلّ مبرره، فصاحب المستودع يرى أن سعر الأنبوبة أكثر من 65 جنيها وليس 50، وأنه يريد أن يربح في عمليات البيع، بينما في المقابل يرى الأهالي أن هذا غلاء فاحش، وأن الأسرة تستهلك ما بين اثنتين أو ثلاث أسطوانات شهرياً، بينما يزيد الاستهلاك في فصل الشتاء.
ومع ارتفاع أسعار "أنبوبة البوتاغاز" وتجدد أزماتها بين الحين والآخر، أعلن عدد من أبناء الصعيد خاصة في القرى والنجوع، العودة إلى القرون الماضية باستخدام المواد البدائية التي كانت موجودة من قبل، مثل "الكانون البلدي" المصنوع من قوالب الطوب، ويتم إدخال الوقود سواء كان حطباً أو خشباً وأحيانا روث الحيوانات "الجلة".
وتقوم ربات البيوت بوضع "حلة الطعام" فوق فتحات الكانون بعد اتّقاد النار، لتجهيز الأكل لأفراد المنزل، وتبقى هذه الابتكارات المصرية ملجأ المواطن وقت الأزمات، كما أنها محاولة منهم لإنقاذ أنفسهم من جشع تجار سوق الأنابيب ورفع أسعارها من قبل الحكومة.
كما قرر بعضهم العودة إلى استخدام "الوابور" الذي كان سائدا طوال القرن العشرين، حتى بعد الاعتماد على البوتاغاز، إذ ظل "الوابور" الثلاثي الأرجل ضمن أساسيات المطبخ للاستعانة به وقت الأزمات، والذي يعتمد في تشغيله على الكاز حيث يصل سعر اللتر إلى 5 جنيهات، ويُعد الأوفر مقارنة بسعر الأنبوبة.
وقفز سعر الأنبوبة التجارية إلى أكثر من 150 جنيها بدلاً من 100، وهو ما انعكس سلباً على الأسعار داخل المطاعم والكافيتريات في جميع المناطق الشعبية والراقية، وأصبحت وجبة الغلابة "فول وطعمية" بـ20 جنيهاً بدلاً من 10 جنيهات، كما ارتفعت أسعار طبق الكشري من 8 إلى 15 جنيهاً، وأسعار الفراخ والمشويات الأخرى في المطاعم.
بعض أصحاب المستودعات والسريحة والأهالي تحدثوا عن سعر "الأنبوبة" وأسباب اختفائها من الأسواق.
عنتر سيد، صاحب مستودع بمحافظة الأقصر، قال إن "أنابيب البوتاغاز متوفرة في المستودعات لكنها غالية، وسعر الأنبوبة يتجاوز 50 جنيهاً، والكل يسترزق حتى صاحب العربية التي تحمل الأنابيب، وبالتالي لا بد لي من أن أرفع السعر وأستغل السريحة لكون رزقهم أكبر من الزبون".
محمود حماد، أحد السريحة، يقول إنه يمتلك "تروسكل" ويقوم بتوزيع الأنابيب، بسعر بين 80 و100 جنيه، تبعاً لحجم الأزمة وحاجة السوق، و"لو شلتها وطلعتها للزبون لحد الشقة في العمارة بيزيد سعرها".
عامل آخر رفض ذكر اسمه، قال إن عدداً كبيراً من مستودعات الأنابيب لا تخضع للرقابة الجيدة خاصة بعد ارتفاع سعر أسطوانة البوتاغاز، فضلاً عن جوده الأسطوانة وعدم ملء معظمها بالقدر الكافي، ما يشعل غضب المواطنين أثناء استخدامها في المنازل.
أحمد مهدي، موظف، عبّر عن غضبه من اشتعال أسعار "أنبوبة البوتاغاز" من المستودع، قائلاً: "مش عارفين إيه الدنيا اللي ولعت دا إحنا في الصيف ومش عارفين نجيب الأنبوبة، ولما يجي علينا الشتاء نعمل إيه".
وتابع: "ارتفاع أسعار أنابيب البوتاغاز أثر على أسعار طعام الفقراء زي الفول والطعمية".
يوسف عبدالعال، موظف، يستهلك في الشهر ثلاثة أنابيب، يقول: "لما الواحد يصرف بس 300 جنيه على الأنابيب وأنا موظف على قد حالي مش عارف نأكل العيال منين ولا هجيب لبس إزاي ولا هغطي مصاريف البيت منين؟".
ولفتت ربة منزل تدعى فاطمة محمد، إلى أنها لجأت بالفعل إلى الوسائل القديمة مثل استخدام"الكانون" و"الوابور" لمواجهة متطلبات الحياة، مشيرة إلى أن "الحياة صارت نار" ولا تطاق، ولا توجد رواتب تساعد على تكاليف المعيشة.
أيمن حسني، عامل، يقول: "نحصل على الأنبوبة بسعر 65 جنيهاً، والسريحة يبيعونها بأكثر من 80 جنياً للتربح منها بمخالفة للقانون، الأمر الذي قد يتسبب بحدوث مشكلات ومشاجرات بينهم وبين الأهالي المتضررين".
وينتهي إلى القول إن "أصحاب المستودعات يوزعون حصتهم من أنابيب البوتاغاز على الباعة الجائلين بوجود مفتشي التموين الذين غضوا أبصارهم عن هذا الفساد مقابل مبالغ مالية على سبيل "الرشوة" يحصلون عليها من أصحاب المستودعات نظير تغاضيهم عن أفعالهم".