الجزائر: الاستدانة الداخلية تلتهم الدينار من الأسواق

05 يونيو 2016
سوق خضروات في الجزائر (فرانس برس)
+ الخط -


يُبدي مراقبون مخاوف من توجه الجزائر بخطى ثابتة، نحو تكرار سيناريو أزمة السيولة التي عصفت بالبلاد قبل خمس سنوات، عندما سحب الجزائريون أموالهم من البنوك والقنوات التجارية بفعل مخاوف من تدهور الأوضاع في بلادهم، تزامنا مع اتساع رقعة ثورات الربيع العربي التي طاولت آنذاك تونس ومصر، ثم اليمن وليبيا وسورية.
تلك المخاوف تعززها تصريحات رئيس الوزراء عبد المالك سلال، والذي أقرّ قبل أيام، الأسبوع الماضي، قال خلالها: "إن الجزائر ليست في حاجة إلى عملة صعبة في الوقت الراهن، كونها تعاني من أزمة سيولة في العملة الوطنية جعلتها تلجأ إلى القرض السندي، حتى تصون سيادة القرار الجزائري بعدم اللجوء إلى المديونية الخارجية".

اعتراف سلال بدخول البلاد في أزمة سيولة، تشير تقارير محلية إلى أنها بلغت 70%، سبقه قرار اتخذه البنك المركزي الجزائري خلال أبريل/ نيسان الماضي، يقضي بإعادة تمويل البنوك العمومية والخاصة من خلال ضخ السيولة اللازمة على قروض مقابل نسبة إعادة الخصم تقدر بنحو 4%، وهو الإجراء الذي لم يقم به البنك المركزي الجزائري منذ 14 سنة حيث كانت تعرف البنوك فائضاً في السيولة.
تلك إجراءات يعتبرها مختصون مؤشراً على أن الوعاء المالي والنقدي المتداول في الجزائر يعرف انكماشاً حاداً يُنتظر أن تتجلى معالمه قريباً على مستوى البنوك ومراكز البريد.




وكشف مصدر مسؤول في "بنك التنمية المحلية" الحكومي، لـ "العربي الجديد"، أن الفائض في السيولة لدى البنوك كان مقدراً بما يعادل 30 و40 مليار يورو من العملة الوطنية مطلع 2014، ومنذ منتصف السنة الماضية دخلت البنوك التجارية في أزمة سيولة كانت نسبية في البداية بفعل السحب القليل للمدخرات إلا أن عمليات السحب أخذت منحى تصاعدياً بلغ أشده منذ إقرار الحكومة الجزائرية بمرور الاقتصاد المحلي بأزمة مالية.

وكانت الجزائر قد عاشت مطلع سنة 2011 أزمة نقص سيولة من العملة المحلية بعد ارتفاع الطلب على الدينار الجزائري، قابله ضعف احتياطات البنك المركزي، ما أدى بالبنوك إلى تقييد ما يتم إخراجه من أرصدة العملاء، وإلزام الموظفين باستخراج الرواتب على دفعتين.
وأرجع المراقبون آنذاك الأزمة إلى سحب المدخرين أموالهم من البنوك بسبب الخوف من وصول ثورات "الربيع العربي" التي كانت على أعتاب الحدود الشرقية للبلاد في تونس، قابلها سحب الأموال المتداولة في السوق الموازية.

وعكس سيناريو 2011 فإن أزمة السيولة التي باتت تهدد الاقتصاد الجزائر مردها هذه المرة إلى أسباب اقتصادية محضة، وإن كان فيها شيء من تخوف الجزائريين من إفلاس البنوك، حسب المراقبين للاقتصاد الجزائري.
ويشاطر الخبير الاقتصادي عبد الرحمان مبتول، رأي الوزير الأول الجزائري الذي أرجع أزمة السيولة في العملة الوطنية إلى تراجع إيرادات البلاد من بيع المحروقات، والتي يمول بها بنك الجزائر الاقتصاد.
لكن الخبير الاقتصادي أضاف سبباً آخر في حديث لـ "العربي الجديد" تتحمل الحكومة مسؤوليته كاملة، ويتعلق الأمر بـ "سندات الدين المحلي" التي أطلقتها الحكومة لتمويل المشاريع تفادياً للاستدانة الخارجية.
وحسب مبتول فإن "إطلاق الحكومة الجزائرية لأكبر عملية استدانة داخلية في تاريخها، كان فرصة للمدخرين وأصحاب الأموال النائمة في البنوك لسحبها من البنوك والقنوات التجارية وتحويلها لسندات دين، وذلك تخوفاً من تكرار سيناريو اليونان".



وأضاف أن نسبة الفائدة التي تعد أعلى من نسبة التضخم وأكبر من الفوائد المقدمة من طرف البنوك، ساهمت في سحب السيولة لصالح السندات، لا سيما أن الدولة هي الضامن في الاستدانة الداخلية.
وبلغة الاقتصاد النقدي، يتكلم الخبير في التعاملات البنكية بوعلام جاب الخير لـ "العربي الجديد" حول نقص السيولة من الدينار الجزائري بالقول: "المشكل هو نتاج عدد من العوامل أولها تراجع عائدات البلاد من العملة الصعبة وتزامن ذلك مع إطلاق القروض السندية، لكن هناك أموراً أخرى لا يجب التغافل عنها، من بينها ارتفاع الأجور والتضخم الذي بلغ 4.8%".
ويضيف جاب الخير أن هناك شيئاً لا يقل أهمية، وهو ارتفاع مستوى استخدام النقد في الاقتصاد الجزائري، حيث يتم جل التعاملات التجارية نقدا في الجزائر، ما شجع الاقتصاد الموازي، مكتفيا بالإشارة إلى أنه "من أصل 100 دينار جزائري تخرج من أي بنك في البلاد تعود منها 30 ديناراً فقط".

ويؤكد من جانبه، عضو لجنة المالية في البرلمان الجزائري سعداوي محمد، لـ "العربي الجديد"، أن أزمة السيولة النقدية ليست وليدة اليوم، وإن بدرجات متفاوتة، فقد ظهرت قبل سنوات بفعل الزيادة في الأجور دون دراسات مُسبقة والتوظيف العشوائي في القطاع الحكومي تحت ضغط المطالب الاجتماعية، فضلا عن جفاف منابع البلاد من العملة الصعبة وتغول الاقتصاد الموازي.
ويرى محمد أن ثمة أسئلة لا بد من التوقف عندها، منها، هل الظروف التي أدت بالبنوك إلى إحداث فائض في السيولة النقدية من الدينار لا تزال قائمة؟ وهل يعتبر النظام النقدي والمالي والمصرفي في الجزائر متيناً إلى درجة تُمكنه من امتصاص حجم التمويل اللازم لتغطية جميع القطاعات الاقتصادية؟ وهل يمكن عزل تطوير المنظومة النقدية والبنكية عن تطوير الاقتصاد بكامله، وهو الشيء المربوط بالإرادة السياسية لدى السلطة الحاكمة؟

وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة، يرى مراقبون أن هامش المناورة بالنسبة للحكومة الجزائرية بات ضيقاً مع تفاقم آثار الأزمة، حيث يعدد الخبير الاقتصادي فرحات علي لـ"العربي الجديد" الحلول الممكنة حالياً أمام الحكومة، قائلاً: "أول الحلول وأسهلها هو التوجه إلى احتياطي الصرف من العملة الأجنبية والمقدر حالياً بنحو 142 مليار دولار، وذلك باقتطاع مبلغ وتحويله إلى كتلة نقدية بالدينار الجزائري وضخه في البنوك".
لكن علي يعتقد أن هذا الحل قد يعيد الجزائر إلى الصفر، لأنه لا يعالج الأسباب وسيزيد من حدة التضخم في البلاد.

ويفترض الخبير الاقتصادي أن تتجه الحكومة لطباعة أوراق نقدية من فئات جديدة كما فعلت سنة 2011، حين طبعت عملة بقيمة 2000 دينار، وذلك لتقليص حجم التضخم، وهي أسهل الحلول أيضاً لكنها ستهوي بالقدرة الشرائية للمواطن لأنها تتزامن مع سقوط حر لقيمة الدينار، في رأيه.
وتعيش الجزائر أوضاعاً اقتصادية صعبة تتمثل في تهاوي مداخيل الريع النفطي بـ 70 % وتسجيل الخزينة العمومية لعجزٍ قياسيٍ غير مسبوق بنهاية فبراير/ شباط الماضي، ليصل إلى نحو 1.4 ترليون دينار (14 مليار دولار)، مقابل 413 مليار دينار (4.5 مليارات دولار) بنهاية نفس الشهر من العام الماضي.

المساهمون