واختفت السلع من رفوف المحلات التجارية والأسواق في مختلف مناطق البلاد، خلال الأيام الماضية، وقفزات الأسعار بأكثر من 70 في المائة للعديد من المنتجات، لينتقد خبراء اقتصاديون غياب الدور الحكومي في ضبط الأسواق وتوفير مخزون سلعي لمثل هذه الأزمات.
وفي سوق الكريمية، أحد الأسواق المركزية في العاصمة طرابلس، لا تكاد تجد موطئ قدم، حيث اكتظ بالمستهلكين المذعورين من إمكانية حدوث نقص في الإمدادات مع تفشي فيروس كورونا حول العالم وتسببه في تقليص حركة التجارة وتوريد السلع إلى ليبيا، التي تعتمد بشكل كبير على الاستيراد في تدبير احتياجاتها.
خرج المواطن علي أبودبوس، قبل يومين، بغية شراء كميات من السلع تكفي أسرته بضعة أيام لحين هدوء الأوضاع، إلا أنه عاد خاوي الوفاض، على حد تعبيره، فكل السلع الأساسية تقريبا اختفت من رفوف المحلات، لافتا إلى أن الدقيق (الطحين) أصبح سلعة نادرة، بينما قفزت أسعاره بنسبة كبيرة.
كما قال المواطن عبد الرزاق القاضي، من منطقة أبوسليم في العاصمة الليبية، إنه لم يحصل على الكثير من السلع الغذائية الأساسية من المحلات التجارية، لذلك لجأ إلى سوق الكريمية لغرض شراء البعض منها.
وبينما يعزو مواطنون شح السلع إلى "سماسرة الأزمات"، الذين يستغلون كل طارئ لتحقيق أرباح طائلة في ظل الاضطرابات التي تسود البلاد، يقول وليد اللافي، تاجر الجملة في سوق المتجدد، بإحدى ضواحي طرابلس لـ"العربي الجديد"، إن هناك سحبا غير طبيعي للسلع الغذائية، وهو ما يتسبب في ارتفاع الأسعار، خاصة أنه يتم استيرادها بالدولار الذي ارتفعت أسعاره، خاصة بعد فرض رسوم عليه.
وأشار اللافي إلى أن صندوق زيت الطعام الذي يحوي 12 عبوة كان قبل شهر يباع بنحو 53 ديناراً (37.8 دولارا)، إلا أنه قفز إلى 90 دينارا، بزيادة تصل إلى 70 في المائة، فيما اختفى السكر النقي من الأسواق والموجود حالياً قليل الجودة وأصبح سعر الكيلو منه بنحو 3.5 دنانير مقابل دينارين في السابق.
ولفت إلى أن رفوف المحل شبة فارغة ولا تتوفر سوى المعكرونة والأرز، بسبب عدم الحصول على الكثير من السلع الغذائية من قبل الموردين.
ويأتي الارتفاع الكبير في الأسعار بينما يظل نحو 1.85 مليون موظف حكومي من دون رواتب منذ شهرين، بسبب خلافات بين المصرف المركزي والمجلس الرئاسي بشأن صرف الأجور، بسبب تراجع الموارد المالية للدولة بشكل حاد، بعد غلق مليشيات تابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر حقولا نفطية رئيسية وموانئ لتصدير الخام منذ منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، في إطار تصعيد صراعه ضد حكومة الوفاق الوطني في طرابلس المعترف بها دولياً.
وفي وقت سابق من مارس/آذار الجاري، قال البنك المركزي في بيان، إن إيقاف إنتاج وتصدير النفط تسبب في خسائر مباشرة بقيمة 2.87 مليار دولار خلال شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط.
وخفض المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، الموازنة العامة أو ما يُعرف بالترتيبات المالية للعام الجاري 2020، بنحو 24 في المائة، لتصل إلى 38 مليار دينار (27.1 مليار دولار)، مقابل 50 مليار دينار في السابق.
وفي محاولة لمواجهة تداعيات فيروس كورونا على الأسواق، أعلن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني قبل أيام عن تخصيص نحو نصف مليار دينار (315 مليون دولار)، إلا أن خبراء اقتصاد قالوا إنه على الحكومة توفير مخزون سلعي لتحقيق الاستقرار للأسواق في ظل موجات الشراء الحالية.
وقال عطية الفيتوري، الخبير الاقتصادي، إن هناك نقصا كبيرا في المعروض من السلع الأساسية، بسبب عدم فتح اعتمادات مستندية من قبل المصارف (إجراءات مصرفية تتضمن توفير النقد الأجنبي اللازم للاستيراد).
وأضاف الفيتوري أن ارتفاع الطلب الحالي يأتي في ظل المخاوف المتصاعدة من تداعيات فيروس كرونا، بينما رب الأسرة الذي يتقاضى أقل من ألف دينار لا يستطيع الوفاء بالتزامات أسرته في ظل الغلاء الفاحش، بينما يتوقع استمرار الأسعار في الصعود خاصة مع قرب حلول شهر رمضان نهاية إبريل/نيسان المقبل.
وكانت ليبيا تنفق نحو ملياري دولار سنوياً لدعم الدقيق والأرز والسكر والشاي وبعض السلع الأخرى، لكنها ألغت الدعم السلعي مند عام 2015 من دون توفير دعم نقدي للمواطنين، بينما تستورد الدولة نحو 85 في المائة من احتياجاتها من الخارج.
وقال عبد الحميد علي، الخبير الاقتصادي لـ"العربي الجديد" إن "سماسرة الحروب يقومون بغلق مخازنهم لاستغلال حاجة الناس في ظل الظروف الحالية، حتى ترتفع الأسعار بشكل أكبر، بينما يبررون ذلك بارتفاع الدولار وشح الواردات".
في المقابل، قال وزير الاقتصاد في حكومة الوفاق، علي العيساوي، في تصريحات صحافية مؤخرا، إن هناك مخزونا سلعيا يكفي لأكثر من 3 أشهر، وهناك شحنات في طريقها إلى ليبيا.
ولا تقتصر المضاربات على السلع الغذائية في ليبيا، فقد تزايدت حدتها في الأيام الأخيرة في سوق صرف العملات الأجنبية، ليكسر سعر الدولار في السوق الموازي (السوداء) حاجز 5 دنانير، بينما يحدد رسميا بنحو 1.4 دينار، الأمر الذي أرجعه محللون إلى غلق حقول وموانئ النفط الرئيسية ولجوء الحكومة إلى سياسات تقشفية.
وقال مصدر في البنك المركزي لـ"العربي الجديد" إن ارتفاع سعر الدولار يرجع إلى السحب المتزايد من البطاقات المصرفية والتحويلات السريعة خلال فبراير/شباط الماضي، ما دعا المركزي إلى إيقافها مؤقتا، خاصة مع التراجع الحاد في موارد النقد الأجنبي بسبب تهاوي صادرات النفط.
ووفق مصرف ليبيا المركزي، في وقت سابق من الشهر الجاري، فإن مدفوعات النقد الأجنبي لشهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2020 بلغت 3.8 مليارات دولار.
ودفع الهلع من كورونا وخنق النفط من قبل جماعات مسلحة موالية لحفتر، مواطنين إلى شراء الدولار بغية تخزينه كملاذ للحفاظ على المدخرات، وفق حسن الطاهر، الذي يعمل في تجارة العملة بالعاصمة، مشيرا إلى أن هناك إقبالا شديدا على شراء العملة الأميركية في الأيام الأخيرة.
لكن رئيس الغرفة التجارية محمد الرعيض، قال إن البنك المركزي لديه من الاحتياطيات ما يكفي ثلاث سنوات مقبلة مع ترشيد الإنفاق والاستمرار في فرض رسوم على مبيعات النقد الأجنبي.
ووفق بيانات "المركزي"، بلغت إيرادات رسوم مبيعات النقد الأجنبي نحو 6.11 مليارات دينار خلال أول شهرين من العام الجاري.
وتعتمد الدولة على إيرادات النفط في تمويل أكثر من 95 في المائة من الخزانة العامة، فيما يتم تخصيص أكثر من نصف الميزانية لرواتب موظفي القطاع العام ودعم عدد من المنتجات.