قالت مصادر رسمية، أمس، إن الحكومة المصرية تتجه نحو بيع محطات توليد الكهرباء الحيوية لسداد ديون خارجية، وهو ما أثار مخاوف في الأوساط الاقتصادية والتجارية من أن تؤدي الخطوة إلى احتكار القطاع الحيوي من قبل شركات أجنبية ورفع أسعار الكهرباء مجدّداً وزيادة كلفة الإنتاج في القطاعات الاقتصادية، خاصة الصناعة.
وتأتي هذه الأنباء وسط فرض المسؤولين المصريين حالة غموض شديدة بشأن تفاصيل صفقة بيع محطات توليد الكهرباء، ففي الوقت الذي قال فيه وزير الكهرباء المصري محمد شاكر، أمس، إن مفاوضات مع مستثمرين أجانب يسعون لشراء محطات كهرباء مصرية "ما زالت في مهدها"، نقلت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية عن شاكر تأكيده أن الحكومة تلقت عروضا بالفعل من شركة تابعة لمجموعة بلاكستون العالمية، أكبر شركة لإدارة الأصول بالعالم، وشركة ماليزية أخرى، وهي "إدرا باور"، للاستحواذ على 3 محطات لتوليد الكهرباء اشتركت في تأسيسها شركة سيمنز الألمانية.
وحسب "بلومبيرغ"، فإن هذه الشركات سوف تتحمل الديون المستحقة والتي تم من خلالها تشييد تلك المحطات، حيث ينتظر أن تمهد أي صفقة محتملة مع "إدرا باور" أو "زارو" الطريق للشركة لتحمل أي مستحقات مالية على شركات توليد الكهرباء، وهو الأمر الذي لم يؤكده وزير الكهرباء.
وقال شاكر لـ"بلومبيرغ"، إن الوزارة بصدد مراجعة العرضين، وأنه في حال قبول أحدهما فإن مصر ستشتري الكهرباء من شركتي "إدرا باور" أو "زارو" التابعة لبلاكستون المنتجة من تلك المحطات عبر اتفاقية لشراء الطاقة، وسوف تبيع الشركة المشترية الكهرباء للحكومة وتعمل بجانب شركة سيمنز في إدارة المحطات.
وفي تصريحات غامضة أيضا، قال المتحدث الرسمي باسم الوزارة أيمن حمزة، إنه لم يتم اتخاذ أي قرار بشأن العروض المقدمة من شركات عالمية لشراء شركات توليد الكهرباء، مكتفيا بالقول إنه تُجرى دراستها لبيان مدى مناسبتها لمصر من عدمه. وقالت مصادر بوزارة الكهرباء، رفضت ذكر أسمائها، أن جميع العروض تحت الدراسة، وأن قانون الكهرباء الجديد يسمح للقطاع الخاص بمثل تلك الأنشطة.
وجرى افتتاح المحطات الثلاث، المرتقب بيعها، في يوليو/ تموز الماضي، وبلغت كلفة إنشائها 6 مليارات يورو (6.7 مليارات دولار)، تم تدبيرها من خلال مجموعة من المقرضين، أبرزهم بنوك دويتشيه بنك الألماني وإتش إس بي سي البريطاني وبنك كي إف دابليو إيبيكس، وهي القروض المدعومة بضمان سيادي.
وفي الوقت الذي تتخوف فيه أطرف مصرية من خطورة إتمام صفقة بيع محطات توليد الكهرباء لأجانب، وخاصة أنها تمس مرفقا استراتيجيا يرتبط بالمواطن وقطاعات اقتصادية مهمة مثل الصادرات والصناعة، دافعت مصادر في وزارة الكهرباء عن الصفقة قائلة إنها "ستكون حال تنفيذها بداية خطة لخفض الدين العام الخارجي والذي بلغ 96.6 مليار دولار بنهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، فيما تبلغ أقساط الدين الخارجي المستحقة في العام المالي الجاري 10.5 مليارات دولار".
ووفقاً لإحصائيات رسمية، بلغت الديون المضمونة من قبل وزارة المالية نحو 20.4% إلى الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام الماضي 2018، مع استحواذ شركات الكهرباء على نحو 25% من تلك الديون.
وحسب عبد النبي عبد المطلب الخبير الاقتصادي المصري، فإن بيع محطات توليد الكهرباء هو خطأ كبير بكل المقاييس. بل ويذهب إلى القول " اعتقد أن هذا التصريح الصادر عن وزير الكهرباء قد يكون من قبيل احداث البلبلة لا أكثر، خاصة في ظل حالة الاحتقان التي يشهدها الشارع المصري بعد الإعلان عن نية الحكومة رفع أسعار الكهرباء.
ويضيف قائلا " تابعت بالكثير من الدهشة تصريحات بيع محطات توليد الكهرباء. وأعتقد أن هناك خطأ ما في هذا التصريح، فقد سعت مصر جاهدة للحصول على استثمارات من شركة سيمنز لإنشاء محطات لتوليد الكهرباء، وبالفعل ساهمت هذه المحطات في تحقيق فائض في إنتاج الكهرباء".
وعلق الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي على اتجاه الحكومة نحو بيع شركات توليد الكهرباء قائلا، لـ"العربي الجديد"، إن الخطوة تعكس أكثر من دلالة، منها أن مصر تتجه نحو تحرير أسعار السلع والخدمات بشكل كبير، لا يتناسب مع إمكانيات المنتجين أو المستهلكين في مصر، فكون محطات توليد الكهرباء تباع لمستثمر أجنبي، فستكون أسعار الطاقة المتولدة رهن أسعار السوق الدولية.
وحسب الصاوي، فإن بيع محطات الكهرباء يتعلق باحتمالات التخفيف من أعباء الديون التي تراكمت خلال الفترة الماضية، في فترة ما بعد الانقلاب العسكري عام 2013، حيث إن قطاع الكهرباء أسرع القطاعات في الاعتماد على التمويل عبر الديون الخارجية، وبخاصة من ألمانيا وفرنسا، وبالتالي سيكون البيع من أجل سداد ديون قطاع الكهرباء. ولكن الأمر يحتاج إلى شفافية في ما يتعلق بإدارة الأمر ماليا.
ويتخوف مراقبون من أن تؤدي السياسة الجديدة في إدارة ملف الكهرباء إلى حدوث مزيد من الارتفاعات في سعر فاتورة الكهرباء، الأمر الذي يفاقم معيشة المصريين، خاصة مع الزيادات الأخيرة البالغ نسبتها 38% والمقرر تطبيقها بداية يوليو.
المستشار الاقتصادي السابق لوزير التموين المصري عبد التواب بركات يحذر من نقطة أخرى، حيث يؤكد لـ"العربي الجديد"، أن خصخصة وبيع محطات توليد الكهرباء لشركات دولية يعنيان حرمان المواطن وقطاع الصناعة من أي دعم لهذه السلعة الاستراتيجية، وهو ما تسعى الحكومة للتخفيف من أعبائه في خلال العامين المقبلين تحت ضغوط صندوق النقد الدولي، مع احتمال زيادة جديدة لأسعار الكهرباء على المدى القصير، وبالتالي زيادة تكاليف المعيشة على المواطن، ورفع تكاليف الإنتاج وغلاء السلع الأخرى.
وأضاف بركات أن استحواذ شركات عابرة للحدود تسعى لتعظيم أرباحها، "يعني احتكار هذا المرفق الحيوي، وبالتالي تهديد الأمن القومي، ولا أرى داعيا لهذه المخاطرة، ولا سيما أن إنتاج الكهرباء من الاستثمارات المربحة مع تراكم الخبرات المصرية في هذا المجال".
بل ويذهب إلى نقطة أخرى، حيث يرى أن تدخل شركة إدرا، وهي شركة تابعة لشركة الصين العامة للطاقة النووية، ولها استثمارات ضخمة في مرفق الكهرباء الإثيوبية، يرجح أن تقوم الحكومة المصرية بالمشاركة في تسويق كهرباء سد النهضة ونقلها إلى أوروبا عبر الأراضي المصرية، وخاصة أن الحكومة لا تخفي خططها لأن تصبح مصر مركزًا إقليميًا للطاقة الكهربائية، وهذا يعني أن النظام المصري لا يمانع إتمام بناء سد النهضة الذي له آثار كارثية على كل مناحي الحياة في مصر.