أعلنت الإدارة الأميركية مطلع الأسبوع الماضي فرض أقصى العقوبات الاقتصادية على إيران، وقالت إن هذه العقوبات ستطبق أيضاً على كل الأفراد والشركات والبنوك والدول التي ستتعامل مع القطاعات الحيوية للاقتصاد الإيراني، كالنفط والمصارف والشحن.
وأشارت الإدارة الأميركية، التي قررت الانسحاب من الاتفاق النووي الذي وقعته مع إيران والدول الأوروبية في 2015، إلى أنها تهدف من وراء العقوبات إلى الضغط على إيران من أجل التوقف عن سلوكها التدميري في الشرق الأوسط.
ويتمثل الضغط الأميركي على إيران، ضمن أمور أخرى، في محاولة منع طهران من بيع نفطها والحصول على ثمنه، بصورة تفقد النظام الإيراني القدرة على التعامل في الأسواق العالمية، بيعاً وشراء للسلع.
لكن إيران أعلنت تحديها للقرار، وأكدت أنها مستمرة في تصدير نفطها، بينما منحت الإدارة الأميركية استثناء مؤقتاً من تلك العقوبات، يمتد لفترة ستة أشهرٍ فقط، لثماني دول، هي الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وإيطاليا واليونان وتركيا، وهي أكبر الدول المستوردة للنفط الإيراني، حيث تستورد مجتمعة ما يزيد عن ثلاثة أرباع صادرات النفط الإيراني، وطلبت منها أن تعمل على تقليل مشترياتها منه، الأمر الذي يتوقع أن يحد من تأثير العقوبات على الاقتصاد الإيراني في الوقت الحالي.
وسيكون التأثير الأكبر على الاقتصاد الإيراني المأزوم من جراء تهديد الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الشركات المتعاملة في النفط الإيراني، سواء عن طريق شرائه أو تمويله أو أي نشاط آخر يسهل لإيران بيع نفطها.
لكن على الجانب الآخر، يبدو أن الصين عازمة على استخدام النفط الإيراني، وهي أكبر مستورد له في العالم، كسلاح في حربها التجارية مع الولايات المتحدة، حيث تشير التقارير إلى أن الصين زادت من مشترياتها آخر شهرين من النفط الإيراني، وهو ما ساعدها على إيقاف مشترياتها تماماً من النفط الأميركي، بعدما كانت تستورد منه ما يقرب من عشرة ملايين برميل شهرياً.
كما أعلنت الهند، ثاني أكبر مستورد للنفط الإيراني، أنها ترفض العقوبات الأميركية، وأنها تعمل على إيجاد طريقة لتسوية قيمة ما تستورده الشركات الهندية من النفط الإيراني، بعيداً علن الدولار الأميركي وبنك الاحتياط الفيدرالي ونظام سويفت SWIFT، الذي أوقف تعاملاته مع البنوك الإيرانية، وهو ما قد يشجع دولاً أخرى على تسوية معاملاتها النفطية باستخدام عملات أخرى غير الدولار، الأمر الذي قد يتسبب في فقدان الولايات المتحدة لميزة كبرى، وقد يزيد من عزلتها.
وعلى نحو متصل، أعلن الاتحاد الأوروبي أنه بصدد الإعلان عن آلية تسمح له بمواصلة التعامل مع الشركات الإيرانية، دون الوقوع تحت طائلة العقوبات الأميركية.
أما روسيا، والتي تخضع حالياً لعقوبات اقتصادية أميركية، فمن الواضح أنها لا تبالي بالعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران، حيث شرعت أخيراً في زيادة مشترياتها من النفط الإيراني، وهي تستورد منه حالياً أكثر من مائة ألف برميل يومياً.
وأعلنت روسيا، التي تسوي تعاملاتها المالية من خلال نظام مالي مستقل نسبياً عن النظام المالي العالمي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة، أنها ستدفع مقابل مشترياتها من النفط الإيراني في صورة مواد غذائية ومعدات وتكنولوجيا تقدمها لطهران، في صورة من صور نظام المقايضة الذي ساد قبل اختراع النقود.
كما تنوي روسيا زيادة استثماراتها في قطاع النفط الإيراني، مستغلة انسحاب الشركات الأوروبية والأميركية، وتردد الشركات الصينية.
وأخيراً، زادت روسيا من إنتاجها النفطي تزامناً مع العقوبات الأميركية على طهران، حيث تشير التقارير إلى محاولة روسيا، التي أصبحت حالياً أكبر منتج للنفط في العالم (تنتج حوالي 11.4 مليون برميل يومياً)، الاستحواذ على عملاء إيران من أوروبا وآسيا ممن توقفوا عن استيراد النفط الإيراني خوفاً من التعرض للعقوبات الأميركية، مع توجيه النفط الإيراني للاستخدام المحلي الروسي.
وتعتمد روسيا في هذه التحركات الاستراتيجية على حقيقة أن النفط الإيراني والروسي متشابهان تماماً في المواصفات، ما يسهل من عملية الإحلال في المصافي والخطوط التي كانت تستخدم النفط الإيراني.
من الواضح إذاً أن إيران، التي عاشت فترات طويلة تحت وطأة العقوبات الاقتصادية الأميركية، لن تكون وحيدة هذه المرة، وخاصة أن العقوبات تأتي في ظرفٍ دولي جديد، تناصب الولايات المتحدة فيه مجموعة كبيرة من الدول العداء التجاري.
هذه الدول، بالإضافة إلى محاولاتها استغلال العقوبات للتربح، كما تفعل روسيا والصين والهند، ستكون مستعدة للتعاون مع إيران. وترى الدول الأوروبية المشاركة في التوقيع على الاتفاق النووي في 2015 أن إيران التزمت بما جاء فيه، وأنها لم تخرقه كما يدعي الطرف الأميركي.
لا أقول إن إيران ستشهد رخاء غير مسبوق، أو أنها مقدمة على انتعاش اقتصادي يمكنها من استعادة قوة عملتها وتخفيض معدلات التضخم التي سادت في الفترة الأخيرة وتسببت في انخفاض مستوى المعيشة للمواطن الإيراني.
فالاقتصاد الإيراني يعاني بالفعل، وكل الدلائل تشير إلى حدوث ركود في 2019، وربما سلسلة أخرى من الانخفاض في قيمة عملتها، لكن من المستبعد أن ينهار الاقتصاد الإيراني بفعل العقوبات الأميركية هذه المرة.