قصة المشروعات المتعثرة في الجزائر.. أبرزها أكبر مسجد في أفريقيا والمترو والترام

19 نوفمبر 2017
تأخر المشروعات يكبد الدولة خسائر بالغة (باسكال/باروت)
+ الخط -

تحولت المشروعات الكبرى التي أطلقتها الجزائر قبل سنوات وخُطط لأن تكون مفخرة للبلاد، بل وكثيرا ما وصفت بـ "مشاريع القرن"، إلى صداع بات يؤرق حكومة رئيس الوزراء أحمد أويحيى، التي طلبت من البرلمان تحرير ميزانية إضافية لإكمالها، وسط صعوبة تأمين أموال.

وكشفت الوثيقة الأولية من مشروع قانون موازنة العام المقبل، والمنتظر عرضها على البرلمان الجزائري خلال الأسبوع المقبل، طلب الحكومة من البرلمان السماح لها بتخصيص ميزانية إضافية لإكمال مشروع "جامع الجزائر الأكبر"، وذلك تحت عنوان "باب إعادة تقييم المشاريع".

وتبلغ الميزانية الإضافية التي طلبتها حكومة أويحيى 300 مليون دولار تضخ في رصيد الوكالة الوطنية لإنجاز جامع الجزائر.

وبذلك تقفز فاتورة بناء "أكبر مسجد في أفريقيا" وثالث أكبر مسجد عالميا، إلى قرابة 3 مليارات دولار، بعد أن كانت الدراسة الأولى التي قام بها مكتب دراسات ألماني حددت تكلفة بناء المسجد بنحو 1.4 مليار دولار، لبناء صرح ديني يمتد على مساحة تفوق 25 هكتارا، وبمئذنة ذات ارتفاع يفوق 265 مترا، وقاعة صلاة رئيسية تتسع لنحو 120 ألف شخص.

المسجد الأكبر

في السياق، كشف جمال شرفي العضو السابق في مجلس إدارة مشروع مسجد الجزائر الأكبر، أن الحكومة خصصت قرابة 25 مليون دولار من الميزانية الإضافية لإعداد دراسات جديدة، فيما تحول 275 مليون دولار الباقية إلى إكمال المشروع.

وأضاف شرفي في حديث مع "العربي الجديد"، أن مسجد الجزائر الأكبر يعرف تأخرا كبيرا في الأشغال، ما تسبب في تأجيل موعد الاستلام أربع مرات، أخرها كان مقررا في 31 ديسمبر/كانون الأول المقبل، متوقعا أن يتم تأجيل الموعد إلى عام 2019.

وأرجع شرفي، تأخر المشروع والتهامه لأموال ضخمة إلى "البداية الخاطئة" حين تم إسناد بناء جامع الجزائر الأكبر إلى غير أهله، قائلا: "وزارة الشؤون الدينية والأوقاف لا تمتلك كوادر ذات كفاءة عالية في التقنية، والمشروع بحاجة إلى خبرة تقنية كبيرة، ما جعلها تقع في أخطاء كارثية ما زلنا ندفع ثمنها لغاية اليوم".

وحسب شرفي " أثناء عملية التحديث اكتشفنا أن مركز الدراسة الألماني الذي غادر الورشة في وقت لاحق، لم يكن يمتلك لا إمكانيات ولا قدرات بحجم المشروع، وطرحنا وقتها السؤال كيف تم اختيار متعامل ضعيف مقارنة بحجم المسجد، للأسف الخطأ في مشروع بهذا الحجم بمليون خطأ".

استثمارات النقل

لا تزال مشاريع النقل التي أطلقتها الحكومات السابقة تكلف الخزينة العامة. وبالرغم من تعديها الآجال الزمنية لتسليمها بسنوات كثيرة، ستضطر الحكومة مجددا لضخ ميزانيات إضافية قدرت بـ 400 مليون دولار لإكمال بعض الأعمال، منها ما أطلق قبل 30 سنة كما هو حال مشروع مترو الجزائر، الذي خصصت له حكومة أويحيى 60 مليون دولار، تضاف إلى 1.3 مليار دولار التي كلفها إنجاز "قطار الأنفاق" الممتد على طول 9.5 كيلومترات، وذلك لإكمال الخط الثاني (5 كيلومترات) والثالث (3 كيلومترات) والتي بلغت الأعمال بهما 90%.

كما خصصت الحكومة ميزانية تفوق 50 مليونا لإكمال مشاريع "ترام الجزائر" و100 مليون دولار لإكمال مشروع الطريق السيار "شرق غرب" الذي كلف الخزينة العامة 19 مليار دولار، بعدما كانت ميزانيته لا تتعدى 9 مليارات دولار عند انطلاق الأشغال سنة 2002، وهو المشروع الذي أدخل العديد من المسؤولين في الجزائر إلى أروقة المحاكم، منهم وزير الأشغال العمومية والنقل السابق عمار غول، بعد اكتشاف عمليات اختلاس وتضخيم للفواتير في المشروع.

وترفض وزارة الأشغال العمومية والنقل الحديث عن "دراسات خاطئة" أو "تأخر للأشغال"، ما كلف الخزينة العمومية أموالا إضافية، حيث قال مدير الدراسات والتقييم بالوزارة مداني جعفر شريف، إن "الأشغال فيما يتعلق بمترو الجزائر تسير وفق ما تم الاتفاق عليه مع الشركتين الجزائرية والفرنسية المكلفتين بإنجاز المشروع".

وأضاف لـ "العربي الجديد" أن "الميزانية الإضافية طلبت لسد ثغرة في ميزانية المشروع أحدثها تراجع قيمة الدينار مقابل الدولار، حيث كان سعر الصرف 80 دينارا للدولار الواحد عند إنجاز دراسة توسعة "مترو الجزائر" سنة 2009، واليوم نجد أن السعر هو 112 دينارا مقابل الدولار الواحد أي بفارق 32 دينارا".


مشروعات متأخرة

ليست هذه المرة الأولى التي تلجأ فيها الحكومة الجزائرية إلى طلب ميزانيات إضافية لإكمال المشاريع الضخمة، حيث سبق وأن طلبت سنة 2013 على سبيل المثال من البرلمان الجزائري أن يسمح لها بتحويل 3 مليارات دولار في مشروع الموازنة التكميلية لتلك السنة إلى مشروع "الطريق السيار شرق-غرب" الممتد من الحدود الجزائرية التونسية إلى الحدود الجزائرية المغربية على طول 1720 كيلومترا، وذلك لبناء محطات الوقود وأماكن الاستراحة وإعادة تهيئة بعض المقاطع المهترئة.

وإلى ذلك، يقول أحمد شريفي عضو لجنة المالية بالبرلمان الجزائري إن 70% من الميزانية المخصصة للمشاريع والاستثمارات العمومية لسنة 2018 خصصت لإعادة تقييم المشاريع القديمة، في حين أن 30% فقط خصص لإطلاق مشاريع جديدة".

وأضاف لـ "العربي الجديد" أن الحكومة تجد في كل مرة الأعذار لطلب ميزانية إضافية للمشاريع، هذه المرة كانت الذريعة انهيار قيمة الدينار من جهة وتجميد الأعمال ببعض المشاريع مع بداية الأزمة المالية، إلا أن الحقيقة هي وجود سوء تسيير وجلي للمشاريع وغياب تام للرقابة، إذ لا يعقل أن تكون هناك عقوبات للشركات الأجنبية التي لم تلتزم بدفاتر الشروط الموقعة بينها وبين الجزائر، فبعض المشاريع تعرف تأخرا فاق 4 سنوات وهو أمر غير مبرر.

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي فرحات علي لـ "العربي الجديد"، إن هذه الميزانيات الإضافية التي تحول في كل مرة إلى المشاريع الكبرى تترجم حجم فشل الحكومات المتعاقبة في مراقبة صرف الأموال، وتكشف أيضا حجم الفساد الذي طاول البلاد، فالكل يعلم أن هذه المشاريع تحولت إلى مصدر نهب ممنهج، والكل يتذكر الأرقام الخيالية التي تم اختلاسها في مشروع الطريق السيار "شرق-غرب" والتي كشفتها تحقيقات الأجهزة الأمنية الجزائرية، وفق تعبيره.

وأضاف أن بعض المشاريع تحمل أبعادا سياسية أكثر منها اقتصادية أو حضارية، كما هو عليه الحال مع جامع الجزائر الأكبر الذي يعد حلم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وبالتالي لا تدخر الحكومة أي جهد لإكماله ولو التهم كامل ميزانية الدولة، ونفس الشيء لـ "مترو الجزائر" الذي كان الرئيس يفتخر أنه صاحب الفضل في إكماله بعد أن انطلقت الأعمال فيه عام 1980.


المساهمون