دعا رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني، في حوار مع "العربي الجديد"، إلى ضرورة استبدال المصرف المركزي بمجلس نقد يتولى مهام السياسة النقدية بصلاحيات محددة للخروج من الأزمة وتثبيت سعر الصرف. وهنا نص المقابلة:
*يواجه لبنان أزمة اقتصادية غير مسبوقة، ما هي الحلول التي يمكن اعتمادها؟
في بلد مثل لبنان من الصعب بمكان طرح حلول مثل فرض مزيد من الضرائب نظرا لما تعاني منه البلاد من تراجع في البنية التحتية من إنترنت ومواصلات وكهرباء وبالتالي فقدان المميزات الجاذبة للاستثمار، ما يعني أنه بفرض مزيد من الضرائب ستفر المزيد من الشركات من السوق. إلا أنه يمكن اعتماد نظام الضريبة الثابتة على الشركات والدخل وغيرها، على أن تكون منخفضة من أجل جذب المزيد من الاستثمارات وتحفيز نشاط الشركات القائمة، وبالتالي يتسع الوعاء الضريبي، وهو ما يحسن من مالية الدولة وإيراداتها.
*ماذا عن النفقات التي تدور حولها إشكالية كبيرة؟
الدولة اللبنانية تنفق أموالاً كثيرة على الصفقات العمومية بشكل عام في مختلف القطاعات، كالاتصالات والإنترنت والطيران وشركة التبغ وغيرها من القطاعات التي تحتكرها الدولة. هذا الواقع يؤدي إلى مصاريف مرتفعة ويحدث حالة من عدم التوازن بين المصاريف والمداخيل ما يخلق عجزا بالموازنة.
وبالتالي من أجل تخفيض النفقات يجب نقل كلفة تلك الاستثمارات التي ذكرتها من الدولة إلى القطاع الخاص عن طريق تفكيك الاحتكارات في هذه القطاعات وفتح الباب أمام الاستثمار الخاص للمنافسة فيها، ما سيؤدي إلى تحسن الخدمات وتقليل الكلفة، كخدمة الإنترنت والكهرباء وانتعاش قطاع الصناعة الذي يعتمد بجزء كبير منه على الكهرباء، ما ينعكس إيجابا على القطاعات الإنتاجية كافة.
اقــرأ أيضاً
ما هو حجم النمو المتوقع للبنان في العام 2020؟
في حين تسعى الدولة اللبنانية نحو رفع عائداتها الضريبة، يسير الاقتصاد اللبناني نحو انكماش قد يصل إلى 12 في المائة خلال هذا العام. كما أنه من المتوقع أن يستمر الاقتصاد في الانكماش خلال العامين المقبلين، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى سرعة إغلاق الشركات وتتقلص الجباية على الرغم من رفع معدل الضرائب.
*أليست خيارات الحكومة واضحة بالاتجاه نحو الاقتراض؟
لا يوجد أحد الآن لديه الجرأة لإقراض لبنان نتيجة انعدام الثقة بالدولة اللبنانية والقطاع المصرفي، خاصة بعدما تم في الخطة المطروحة من الحكومة تداول إمكانية اقتطاع نحو 60 في المائة من أموال المودعين الذين يملكون ما فوق الـ500 ألف دولار. وبالتالي هذا الأمر يدفع رؤوس الأموال للهروب أو الامتناع عن القدوم إلى لبنان وذلك خوفا من مواجة المصير ذاته في المستقبل.
لذلك أنا أعتقد أنه من الصعب الاقتراض من الخارج، بالإضافة إلى أن الدولة أعلنت أنها لن تدفع ديونها المستحقة وبالتالي كيف لدولة لديها الرغبة في الاستدانة أن تعلن عن نيتها عدم دفع ديونها المستحقة؟
*ما يعني أن صندوق النقد الدولي هو الخيار المتاح الوحيد؟
الموارد الخارجية شحت والقطاع المصرفي المحلي لن يجد مودعين يضخون أموالهم فيه، فيبقى الحل الوحيد للاقتصادات المتعثرة مثل لبنان هو صندوق النقد الدولي الذي تأمل الحكومة أن تتوصل معه لاتفاق، وهو ما يخلق نوعا من الثقة لدى الدول المانحة لتقدم الأموال إلى لبنان. ولكي تحصل الدولة على قرض من الصندوق لا بد أن تقوم ببعض الإصلاحات، التي يمكن اعتبارها صعبة وقاسية على بلد يواجه أزمة اقتصادية كبيرة.
*هل يستطيع اللبنانيون تحمل "روشتة" صندوق النقد القاسية؟
من المعلوم أن صندوق النقد يطلب رفع الضرائب، وأنا ذكرت سلبيات هذا الأمر سلفا، كما أنه يطلب تعويم سعر صرف العملة والذي، برأيي، سيؤدي إلى انحدار متواصل لسعر صرف العملة، لأن في لبنان لا يوجد فصل واضح بين السلطة النقدية والسلطة المالية.
اليوم المصرف المركزي لديه خسائر كبيرة نتيجة اقتراضه أموالا من المصارف المحلية بفوائد مرتفعة ومن ثم إقراض الحكومة تلك الأموال بفوائد منخفضة. كما أن المصرف منح تلك الأموال للحكومة بالدولار والليرة اللبنانية، ما أدى إلى تدهور سعر صرف العملة، وبالتالي المصرف المركزي كان يقوم بزيادة حجم الكتلة النقدية من أجل أن يكون قادرا على تمويل الحكومة من دون الفصل بين السياسة النقدية والسياسة المالية. أما التبعات، فهي ستكون على الشعب اللبناني الذي لن يستطيع تحمل "روشتة" صندوق النقد أو غير الصندوق.
*هل تعتبر الخصخصة في هذه الأزمة من الحلول المجدية؟
بداية لا بد من التذكير بأن تعويم سعر صرف الليرة سيئ جدا في بلد مثل لبنان، فيما ثاني شروط الصندوق هو الاتجاه نحو خصخصة المرافق العامة. لكن لا بد أن يرافق الخصخصة دخول شركات جديدة في السوق لخلق حالة من المنافسة التي تدفع بالاقتصاد إلى الأمام. حيث إنه في حال الاتجاه نحو الخصخصة دون منافسة فهذا يعني الانتقال من احتكار حكومي إلى احتكار خاص، وهو ما سيحدث حالة من التحاصص بين الأحزاب السياسية لصالح رجال أعمالهم، وبالتالي تكون النتيجة كارثية على الاقتصاد اللبناني.
*ما رأيك في اقتراح الحكومة اقتطاع جزء من الودائع؟ وما أثر ذلك على القطاع المصرفي ومستوى الثقة به؟
اقتطاع الحكومة جزءا من الودائع يقود إلى فقدان الثقة في المصارف اللبنانية وبالتالي لا أحد سيقوم بتحويل دولارات إلى لبنان في وقت يعيش فيه الاقتصاد اللبناني على التحويلات الخارجية، ما يعني انقطاع أهم مورد في حياة الشعب اللبناني. لذا أعتقد أن هذا الأمر ستكون تداعياته خطيرة، وبخاصة أن تلك التحويلات تستعملها الدولة لتمويل معاشات الموظفين بالدولة والجزء الأكبر منها يذهب كدين للدولة، سواء كدين مباشر عن طريق المصارف من خلال شراء سندات الخزينة أو غير مباشر من خلال شراء المصارف لشهادات الإيداع من المصرف المركزي ومن ثم يقوم المصرف المركزي باستخدام تلك الأموال في شراء سندات الخزينة من الدولة.
*هل الليرة اللبنانية تتجه نحو التعويم؟ وما الذي يضمن استقرارها في حال عدم ضخ سيولة جديدة؟
خطة الحكومة تقترح تعويما موجها في محاولة للميل نحو رغبات صندوق النقد الدولي، وبالتالي في حال تعويم الليرة ستسير نحو سلسلة من التدهورات، لأن السلطات النقدية بلبنان ستستمر بتمويل عجز الدولة، وهو ما سيخلق تضخما وانحدارا متواصلا بسعر صرف العملة.
*ما هو الحل برأيك لتحقيق استقرار في سعر صرف الليرة؟
أعتقد أن الحل للوصول لاستقرار سعر صرف العملة هو أن الدولة لا بد أن تنتقل من نظام المصرف المركزي إلى نظام مجلس النقد، حيث إنه الضمانة الوحيدة لاستقرار سعر صرف العملة، ومجلس النقد هو سلطة مالية ليست لديها صلاحية لضخ عملة لبنانية بالسوق إلا في حال توافر دولار كاحتياطي في مقابلها، وهو ما سيساهم في استعادة ثقة الشعب اللبناني في العملة المحلية لثقته بأن كل ليرة لبنانية يمتلكها يوجد في مقابلها دولار.
*هل تعتقد أن لبنان يتجه نحو فوضى اقتصادية أو ثورة جياع؟
أعتقد أن لبنان يسير نحو الأمرين، فمن المؤكد أن هناك المزيد من الفقر والانكماش الاقتصادي وإغلاق الشركات وتسريح الموظفين، كما أن المصارف لديها أزمة، وبالتالي مداخيل اللبنانيين ستتراجع، بالإضافة إلى أنهم سيخسرون مقدراتهم ومدخراتهم، سواء كانت بالليرة اللبنانية أو بالدولار فإنه على الأرجح خضعت للاقتطاع من قبل الحكومة. وبالتالي فإن أصحاب الأعمال بالبلاد تتآكل مدخراتهم بالبنوك، ما يدفعهم لإلغاء أعمالهم والخروج النهائي من لبنان، وهو ما يعني المزيد من الركود والانكماش الذي قد يقود إلى ثورة جياع.
*ما هو تقييمك لقرار الحكومة بالتوقف عن سداد الديون الخارجية؟
الحكومة لم تتوقف فقط عن دفع الديون الخارجية بل والديون المحلية أيضا. ما سدده لبنان هو فقط ملياري دولار مستحقة للمنظمات الدولية ذات الفوائد المنخفضة، وبالتالي تداعيات التوقف عن سداد الديون هو توقف التدفقات المالية إلى البلاد، لذلك أعتقد أن الدولة اللبنانية أصبحت غير قادرة على تمويل النفقات المرتفعة التي كانت تقوم بها من قبل، كدعم الكهرباء، التي تمثل نحو نصف الدين العام، وبالتالي لبنان بحاجة إلى إعادة هيكلة من خلال تخفيض نفقاته.
*ما هي فاتورة فساد النخب الحاكمة والأموال المنهوبة والمهربة؟
أرى أن هناك تضخيما كبيرا حول قضية الأموال المهربة، وخاصة في ما يخص الحديث عن أن الأموال المنهوبة تبلغ قيمتها نحو 800 مليار دولار، فأنا قمت بجمع كل نفقات الدولة اللبنانية منذ عام 1999 إلى يومنا فوجدتها لم تتجاوز الـ200 مليار دولار، فكيف ستتم سرقة 800 مليار دولار من أصل 200 مليار دولار؟ إلا أن هذا لا يمنع أن هناك هدرا وسرقة، ولكن من المتوقع أن لا تزيد تلك الأموال عن 20 إلى 40 مليار دولار.
اقــرأ أيضاً
*ألا تساهم استعادة الأموال المنهوبة بحل جزء من الأزمة؟
مهما بلغت قيمة الأموال المنهوبة فإنها لا بد أن تكون أقل من حجم الدين العام، إن لم تكن أقل من نصفه، وبالتالي لا يمكن التعويل على تلك الأموال في حل الأزمة، وبخاصة أن عملية استعادة تلك الأموال تأخذ الكثير من الوقت. لكن هذا لا يمنع ضرورة ملاحقة تلك الأموال حتى يرتدع المذنب فتتوقف تلك الممارسات في المستقبل. وتعد أبرز الطرق التي يسير من خلالها الفساد هي الصفقات العمومية لشركات الكهرباء والاتصالات والطيران وغيرها من المؤسسات التابعة للدولة، وبالتالي يمكن تحجيم هذا الهدر من خلال فتح تلك القطاعات للمنافسة.
في بلد مثل لبنان من الصعب بمكان طرح حلول مثل فرض مزيد من الضرائب نظرا لما تعاني منه البلاد من تراجع في البنية التحتية من إنترنت ومواصلات وكهرباء وبالتالي فقدان المميزات الجاذبة للاستثمار، ما يعني أنه بفرض مزيد من الضرائب ستفر المزيد من الشركات من السوق. إلا أنه يمكن اعتماد نظام الضريبة الثابتة على الشركات والدخل وغيرها، على أن تكون منخفضة من أجل جذب المزيد من الاستثمارات وتحفيز نشاط الشركات القائمة، وبالتالي يتسع الوعاء الضريبي، وهو ما يحسن من مالية الدولة وإيراداتها.
*ماذا عن النفقات التي تدور حولها إشكالية كبيرة؟
الدولة اللبنانية تنفق أموالاً كثيرة على الصفقات العمومية بشكل عام في مختلف القطاعات، كالاتصالات والإنترنت والطيران وشركة التبغ وغيرها من القطاعات التي تحتكرها الدولة. هذا الواقع يؤدي إلى مصاريف مرتفعة ويحدث حالة من عدم التوازن بين المصاريف والمداخيل ما يخلق عجزا بالموازنة.
وبالتالي من أجل تخفيض النفقات يجب نقل كلفة تلك الاستثمارات التي ذكرتها من الدولة إلى القطاع الخاص عن طريق تفكيك الاحتكارات في هذه القطاعات وفتح الباب أمام الاستثمار الخاص للمنافسة فيها، ما سيؤدي إلى تحسن الخدمات وتقليل الكلفة، كخدمة الإنترنت والكهرباء وانتعاش قطاع الصناعة الذي يعتمد بجزء كبير منه على الكهرباء، ما ينعكس إيجابا على القطاعات الإنتاجية كافة.
ما هو حجم النمو المتوقع للبنان في العام 2020؟
في حين تسعى الدولة اللبنانية نحو رفع عائداتها الضريبة، يسير الاقتصاد اللبناني نحو انكماش قد يصل إلى 12 في المائة خلال هذا العام. كما أنه من المتوقع أن يستمر الاقتصاد في الانكماش خلال العامين المقبلين، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى سرعة إغلاق الشركات وتتقلص الجباية على الرغم من رفع معدل الضرائب.
*أليست خيارات الحكومة واضحة بالاتجاه نحو الاقتراض؟
لا يوجد أحد الآن لديه الجرأة لإقراض لبنان نتيجة انعدام الثقة بالدولة اللبنانية والقطاع المصرفي، خاصة بعدما تم في الخطة المطروحة من الحكومة تداول إمكانية اقتطاع نحو 60 في المائة من أموال المودعين الذين يملكون ما فوق الـ500 ألف دولار. وبالتالي هذا الأمر يدفع رؤوس الأموال للهروب أو الامتناع عن القدوم إلى لبنان وذلك خوفا من مواجة المصير ذاته في المستقبل.
لذلك أنا أعتقد أنه من الصعب الاقتراض من الخارج، بالإضافة إلى أن الدولة أعلنت أنها لن تدفع ديونها المستحقة وبالتالي كيف لدولة لديها الرغبة في الاستدانة أن تعلن عن نيتها عدم دفع ديونها المستحقة؟
*ما يعني أن صندوق النقد الدولي هو الخيار المتاح الوحيد؟
الموارد الخارجية شحت والقطاع المصرفي المحلي لن يجد مودعين يضخون أموالهم فيه، فيبقى الحل الوحيد للاقتصادات المتعثرة مثل لبنان هو صندوق النقد الدولي الذي تأمل الحكومة أن تتوصل معه لاتفاق، وهو ما يخلق نوعا من الثقة لدى الدول المانحة لتقدم الأموال إلى لبنان. ولكي تحصل الدولة على قرض من الصندوق لا بد أن تقوم ببعض الإصلاحات، التي يمكن اعتبارها صعبة وقاسية على بلد يواجه أزمة اقتصادية كبيرة.
*هل يستطيع اللبنانيون تحمل "روشتة" صندوق النقد القاسية؟
من المعلوم أن صندوق النقد يطلب رفع الضرائب، وأنا ذكرت سلبيات هذا الأمر سلفا، كما أنه يطلب تعويم سعر صرف العملة والذي، برأيي، سيؤدي إلى انحدار متواصل لسعر صرف العملة، لأن في لبنان لا يوجد فصل واضح بين السلطة النقدية والسلطة المالية.
اليوم المصرف المركزي لديه خسائر كبيرة نتيجة اقتراضه أموالا من المصارف المحلية بفوائد مرتفعة ومن ثم إقراض الحكومة تلك الأموال بفوائد منخفضة. كما أن المصرف منح تلك الأموال للحكومة بالدولار والليرة اللبنانية، ما أدى إلى تدهور سعر صرف العملة، وبالتالي المصرف المركزي كان يقوم بزيادة حجم الكتلة النقدية من أجل أن يكون قادرا على تمويل الحكومة من دون الفصل بين السياسة النقدية والسياسة المالية. أما التبعات، فهي ستكون على الشعب اللبناني الذي لن يستطيع تحمل "روشتة" صندوق النقد أو غير الصندوق.
*هل تعتبر الخصخصة في هذه الأزمة من الحلول المجدية؟
بداية لا بد من التذكير بأن تعويم سعر صرف الليرة سيئ جدا في بلد مثل لبنان، فيما ثاني شروط الصندوق هو الاتجاه نحو خصخصة المرافق العامة. لكن لا بد أن يرافق الخصخصة دخول شركات جديدة في السوق لخلق حالة من المنافسة التي تدفع بالاقتصاد إلى الأمام. حيث إنه في حال الاتجاه نحو الخصخصة دون منافسة فهذا يعني الانتقال من احتكار حكومي إلى احتكار خاص، وهو ما سيحدث حالة من التحاصص بين الأحزاب السياسية لصالح رجال أعمالهم، وبالتالي تكون النتيجة كارثية على الاقتصاد اللبناني.
*ما رأيك في اقتراح الحكومة اقتطاع جزء من الودائع؟ وما أثر ذلك على القطاع المصرفي ومستوى الثقة به؟
اقتطاع الحكومة جزءا من الودائع يقود إلى فقدان الثقة في المصارف اللبنانية وبالتالي لا أحد سيقوم بتحويل دولارات إلى لبنان في وقت يعيش فيه الاقتصاد اللبناني على التحويلات الخارجية، ما يعني انقطاع أهم مورد في حياة الشعب اللبناني. لذا أعتقد أن هذا الأمر ستكون تداعياته خطيرة، وبخاصة أن تلك التحويلات تستعملها الدولة لتمويل معاشات الموظفين بالدولة والجزء الأكبر منها يذهب كدين للدولة، سواء كدين مباشر عن طريق المصارف من خلال شراء سندات الخزينة أو غير مباشر من خلال شراء المصارف لشهادات الإيداع من المصرف المركزي ومن ثم يقوم المصرف المركزي باستخدام تلك الأموال في شراء سندات الخزينة من الدولة.
*هل الليرة اللبنانية تتجه نحو التعويم؟ وما الذي يضمن استقرارها في حال عدم ضخ سيولة جديدة؟
خطة الحكومة تقترح تعويما موجها في محاولة للميل نحو رغبات صندوق النقد الدولي، وبالتالي في حال تعويم الليرة ستسير نحو سلسلة من التدهورات، لأن السلطات النقدية بلبنان ستستمر بتمويل عجز الدولة، وهو ما سيخلق تضخما وانحدارا متواصلا بسعر صرف العملة.
*ما هو الحل برأيك لتحقيق استقرار في سعر صرف الليرة؟
أعتقد أن الحل للوصول لاستقرار سعر صرف العملة هو أن الدولة لا بد أن تنتقل من نظام المصرف المركزي إلى نظام مجلس النقد، حيث إنه الضمانة الوحيدة لاستقرار سعر صرف العملة، ومجلس النقد هو سلطة مالية ليست لديها صلاحية لضخ عملة لبنانية بالسوق إلا في حال توافر دولار كاحتياطي في مقابلها، وهو ما سيساهم في استعادة ثقة الشعب اللبناني في العملة المحلية لثقته بأن كل ليرة لبنانية يمتلكها يوجد في مقابلها دولار.
*هل تعتقد أن لبنان يتجه نحو فوضى اقتصادية أو ثورة جياع؟
أعتقد أن لبنان يسير نحو الأمرين، فمن المؤكد أن هناك المزيد من الفقر والانكماش الاقتصادي وإغلاق الشركات وتسريح الموظفين، كما أن المصارف لديها أزمة، وبالتالي مداخيل اللبنانيين ستتراجع، بالإضافة إلى أنهم سيخسرون مقدراتهم ومدخراتهم، سواء كانت بالليرة اللبنانية أو بالدولار فإنه على الأرجح خضعت للاقتطاع من قبل الحكومة. وبالتالي فإن أصحاب الأعمال بالبلاد تتآكل مدخراتهم بالبنوك، ما يدفعهم لإلغاء أعمالهم والخروج النهائي من لبنان، وهو ما يعني المزيد من الركود والانكماش الذي قد يقود إلى ثورة جياع.
*ما هو تقييمك لقرار الحكومة بالتوقف عن سداد الديون الخارجية؟
الحكومة لم تتوقف فقط عن دفع الديون الخارجية بل والديون المحلية أيضا. ما سدده لبنان هو فقط ملياري دولار مستحقة للمنظمات الدولية ذات الفوائد المنخفضة، وبالتالي تداعيات التوقف عن سداد الديون هو توقف التدفقات المالية إلى البلاد، لذلك أعتقد أن الدولة اللبنانية أصبحت غير قادرة على تمويل النفقات المرتفعة التي كانت تقوم بها من قبل، كدعم الكهرباء، التي تمثل نحو نصف الدين العام، وبالتالي لبنان بحاجة إلى إعادة هيكلة من خلال تخفيض نفقاته.
*ما هي فاتورة فساد النخب الحاكمة والأموال المنهوبة والمهربة؟
أرى أن هناك تضخيما كبيرا حول قضية الأموال المهربة، وخاصة في ما يخص الحديث عن أن الأموال المنهوبة تبلغ قيمتها نحو 800 مليار دولار، فأنا قمت بجمع كل نفقات الدولة اللبنانية منذ عام 1999 إلى يومنا فوجدتها لم تتجاوز الـ200 مليار دولار، فكيف ستتم سرقة 800 مليار دولار من أصل 200 مليار دولار؟ إلا أن هذا لا يمنع أن هناك هدرا وسرقة، ولكن من المتوقع أن لا تزيد تلك الأموال عن 20 إلى 40 مليار دولار.
*ألا تساهم استعادة الأموال المنهوبة بحل جزء من الأزمة؟
مهما بلغت قيمة الأموال المنهوبة فإنها لا بد أن تكون أقل من حجم الدين العام، إن لم تكن أقل من نصفه، وبالتالي لا يمكن التعويل على تلك الأموال في حل الأزمة، وبخاصة أن عملية استعادة تلك الأموال تأخذ الكثير من الوقت. لكن هذا لا يمنع ضرورة ملاحقة تلك الأموال حتى يرتدع المذنب فتتوقف تلك الممارسات في المستقبل. وتعد أبرز الطرق التي يسير من خلالها الفساد هي الصفقات العمومية لشركات الكهرباء والاتصالات والطيران وغيرها من المؤسسات التابعة للدولة، وبالتالي يمكن تحجيم هذا الهدر من خلال فتح تلك القطاعات للمنافسة.