وكأن الحكومات العربية لا تعرف سوى الاقتراض الخارجي طريقاً وحيداً لحل الأزمات المالية والاقتصادية التي تمر بها بلدانهم بسبب فساد الأنظمة السابقة.
وكأن هذه الحكومات لم تستفد من تجارب الدول التي غرقت في وحل الديون والأزمات بسبب توسعها في الاستدانة خاصة من مؤسسات لا يهمها في النهاية سوى استرداد أموالها حتى ولو كان ذلك على حساب جثث ملايين الفقراء وتدمير الاقتصاديات الوطنية.
على خطى الحكومة المصرية فتحت الحكومة السودانية برئاسة عبد الله حمدوك قنوات اتصال مع أهم الدائنين الدوليين، وفي مقدمتهم صندوق النقد والبنك الدوليين، وذلك للحصول على قروض ضخمة توجه حصيلتها لمعالجة عجز الموازنة العامة، وإعادة بناء احتياطي البلد المنهار من النقد الأجنبي، وسداد الديون المستحقة على البلاد والتي تزيد عن 58 مليار دولار، وتمويل صفقات الأسلحة وواردات السلع الرئيسية، من أدوية وسكر وزيوت وأغذية وغيرها.
وفي حال العثور على هذا الضامن فإن السيناريو السوداني سيسير على النحو التالي:
1- إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي ينص على تعويم الجنيه السوداني وتحرير سعره مقابل العملات الأجنبية، وهو ما قد يقفز بسعر الدولار إلى مائة جنيه وربما أكثر.
2- زيادة أسعار الوقود عدة مرات وخلال سنوات قليلة من بنزين وسولار وغاز للوصول إلى مرحلة التحرير الكامل للأسعار وتركها للعرض والطلب، وهو ما سيؤدي إلى حدوث قفزات في الأسعار.
3- يواكب ذلك تحرير أسعار الخدمات العامة من مياه وكهرباء بعد زيادة أسعارهما عدة مرات.
4- زيادة الضرائب بشكل سنوي خاصة على موظفي الدولة والعاملين بالجهاز الإداري للدولة.
5- فرض ضريبة القيمة المضافة وزيادة الضرائب على السجائر والتبغ.
6- فرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات الخارجية للحد من تدفق السلع المستوردة إلى الداخل، وتخفيف الضغط عن النقد الأجنبي.
بالطبع لن نتوقع من صندوق النقد الدولي أن ينصح الحكومة السودانية بترشيد الإنفاق العام الحكومي، أو مكافحة الفساد داخل أجهزة الدولة، ومواجهة ظاهرة التهرب الضريبي والجمركي، والعمل على استرداد الأموال المنهوبة، ولن تجد نصيحة من الصندوق من عينة ضرورة رفع المؤسسة العسكرية يدها عن الأنشطة الاقتصادية خاصة المتعلقة بالتهريب والتنقيب عن الذهب، والتوقف عن مزاحمة القطاع الخاص.
وربما تبادر الحكومة السودانية باتخاذ خطوات مكملة لهذا السيناريو، منها مثلا بيع عدة جزر في البحر الأحمر للسعودية مقابل الحصول على عدة مليارات من الدولارات يخصص جزء منها في صورة واردات من الوقود، والجزء الآخر يعرف طريقه إلى بنوك سويسرا حيث حسابات بعض صناع القرار.
الاتفاق مع صندوق النقد الدولي سيغرق السودان في حل الأزمات المعيشية والتضخم وقفزات الأسعار، وسيغرق البلاد أيضا في وحل الديون وفوائدها وأقساطها.
والأخطر هو رهن القرار الاقتصادي والسياسي للبلاد بأوامر وإملاءات وشروط وتهديدات وابتزازات صندوق النقد الدولي، وفي حال حدوث ذلك فإن السودانيين سيضربون كفاً على كف قائلين بحسرة وندم: "وكأن ثورة ما قامت".