تواصل دولة قطر مشاريعها التطويرية في قطاع الغاز الطبيعي المسال، بالتزامن مع إعلان رفع إنتاجها للحفاظ على حصتها السوقية العالمية وزيادة هذه الحصة في السنوات المقبلة.
وقال الخبراء إن إعلان قطر زيادة إنتاجها من الغاز إلى 100 مليون طن سنوياً، برهانٌ لا يدع مجالاً للشك أن العنصر الأبرز والركيزة الكبرى للاقتصاد القطري، بمنأى عن أية آثار سلبية، قد يخلفها الحصار المفروض على قطر من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر، منذ الخامس من يونيو/ حزيران الماضي، والذي طاول المنافذ البحرية والبرية والمجال الجوي.
وشرح اقتصاديون وخبراء طاقة، أن توقيت الإعلان عن رفع إنتاج قطر من الغاز الطبيعي المسال يعطي طمأنة للأسواق العالمية، لافتين إلى أن الإعلان يؤكد أن قطر ماضية في خططها الاستثمارية، وأن مشاريعها المبرمجة تسير وفق ما هو مخطط له سابقاً، ولا أثر للحصار على النشاط الاقتصادي القطري.
لا تداعيات للحصار
وتضاعف قطر أصولها الرئيسية، معلنة عن خطط لزيادة الإنتاج في أكبر مخزن للغاز في العالم، وهو حقل الشمال، وسيصل الإنتاج إلى ستة ملايين برميل نفط مكافئ يومياً بعد خمس أو سبع سنوات، وفقاً للرئيس التنفيذي لشركة قطر للبترول سعد شريدة الكعبي.
ورداً عن سؤال بشأن الضغوط التي يمكن أن تمارسها الدول المحاصرة لدولة قطر على شركاء قطر للبترول لوقف نشاطها أكد الكعبي، في مؤتمر صحافي عقده مؤخراً، على أن قطر للبترول مستمرة في أعمالها تحت أي ظرف وأن الحصار لن يؤثر عليها بأي شكل من الأشكال.
وأضاف أنه في حال انسحاب أي من الشركاء أو الشركات التي تعمل مع قطر للبترول فإن هناك بديلاً لها وأنه حتى في أحلك الظروف تستطيع قطر للبترول العمل كشركة وطنية والقيام بكافة المهام المطلوبة بنسبة 100% من أجل ضمان استمرار عملها دون توقف.
وبدوره، قال وزير الطاقة والصناعة القطري، محمد بن صالح السادة، إن الحصار المفروض على قطر أظهر مقدار ما يتمتع به الاقتصاد المحلي من صلابة وتنوع.
وأضاف أمام مؤتمر النفط العالمي الذي عقد بمدينة إسطنبول التركية في العاشر من الشهر الحالي، أن صادرات قطر من الغاز المسال إلى اليابان والهند وكوريا الجنوبية والصين تشكل قرابة ثلاثة أرباع إجمالي صادرات الدولة، وأن تلك الصادرات لم تتأثر بالحصار. وأشار إلى أن الصادرات إلى الإمارات والسعودية والبحرين تشكل أقل من 8% من إجمالي الصادرات.
طمأنة الأسواق العالمية
ودخلت شركة ناقلات القطرية، وشركة هوغ النرويجية للشحن، مؤخراً في مشروع مشترك لفتح أسواق جديدة لقطر لبيع الغاز الطبيعي المسال من إنتاجها عبر محطات استيراد عائمة. وقال الرئيس التنفيذي لهوغ سفينون ستولي إن "هوغ " التي تطور محطات استيراد الغاز الطبيعي المسال تتوقع بدء العمل في مشروع محطات الاستيراد في غضون شهور.
وأضاف أن "هوغ " و"ناقلات"، التي تشغل أسطولاً ضخماً من ناقلات الغاز، تقيّمان الدول التي يمكنهما إنشاء محطة عائمة فيها وإنهما اختارتا أميركا الجنوبية وجنوب شرق آسيا كأفقين جاذبين. في حين قال المدير العام لشركة ناقلات، عبد الله بن فضاله السليطي، إن الاتفاقية مع شركة هوغ للغاز النرويجية تأتي كنقطة انطلاق محورية وهامة لتحقيق المزيد من النمو والتقدم والتطور في مجال الخدمات والحلول البحرية.
وأكد أن الاتفاقية تمهد الطريق لموردي الغاز الطبيعي المسال للاستفادة من هذه التقنية التي ستساهم في زيادة مصادر توفير الطاقة النظيفة عالمياً، وتعزز من مكانة دولة قطر كمركز متميز للصناعة البحرية في المنطقة.
وناقلات هي شركة مساهمة مدرجة في بورصة قطر لنقل الغاز الطبيعي المسال، وتشكل حلقة نقل مهمة ورئيسية في سلسلة الإمداد والتوريد الخاصة بالغاز الطبيعي المسال بدولة قطر، ويعتبر أسطولها الذي يتألف من 63 سفينة أكبر أسطول لنقل الغاز الطبيعي المسال على مستوى العالم، كما تدير الشركة وتشغل 4 سفن كبيرة لنقل غاز البترول المسال.
متانة الاقتصاد
واستناداً إلى هذه المعطيات، أكد خبراء اقتصاديون، أن الحصار زاد من متانة وصلابة الاقتصاد القطري، ونفوا بالوقت نفسه أية آثار تذكر للحصار على إنتاج الغاز والنفط القطري.
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي والمصرفي، قاسم محمد قاسم، لـ "العربي الجديد"، الإنتاج يتأثر نتيجة لعوامل هامة، في مقدمتها الأعمال الحربية، وأعمال العنف في مناطق الإنتاج، وانقطاع طرق الإمداد، وكذلك فرض الحصار الشامل بقرارات من مجلس الأمن أو لجان العقوبات والمنظمات الدولية، إضافة إلى ضعف المناعة لدى الدولة المصدرة، أمام تهديدات دول قوية مجاورة أو مشاطئة... وإذا قرأنا المشهد الحالي الذي تعيشه دولة قطر، لا نجد أياً من هذه العوامل في الطريق ليعرقل الصادرات والإمدادات النفطية القطرية.
وتابع قاسم، يضاف إلى ذلك، أن عقود الغاز طويلة الأجل، والمصالح الاستراتيجية للدول المستهلكة مع قطر تدفعها إلى التصرف بموضوعية لحماية هذه المصالح.
اللاعب الأساسي
ووفقاً لبنك قطر الوطني، فإن دولة قطر ستحافظ على هيمنتها على السوق العالمي للغاز الطبيعي، فهي ما تزال اللاعب رقم واحد في السوق العالمي للغاز الطبيعي المسال، بالرغم من الزيادة في إمدادات أستراليا والولايات المتحدة الأميركية.
وأوضح البنك في تحليله الأسبوعي، أن حصة قطر من إمدادات الغاز الطبيعي المسال العالمية بلغت 30.1%، إذ استحوذت على نحو 70% من الطلب الجديد في أفريقيا، وهو ما يعوض وبزيادة عن التراجع في شحنات الغاز إلى اليابان. ويُرجح أن يتعزز موقف دولة قطر أكثر بقرارها الأخير بشأن زيادة الإنتاج بنسبة 30% على مدى السنوات الخمس إلى السبع المقبلة.
وفي خضم تحولات بالسوق، حافظت قطر على مكانتها كأكبر منتج في العالم، وأكثر منتج فعالية من حيث التكلفة، فقد أسهمت بنسبة 30.1% من العرض العالمي واستحوذت على جزء من نمو الطلب الجديد وسيعزز التزام قطر برفع الإنتاج طويل الأمد مكانتها كمنتج رائد للغاز الطبيعي المسال على مستوى العالم.
وأكدت شركة ترافيغورا العالمية للتجارة، أن الحصار لم يؤثر على صادرات قطر من الغاز. وقال المدير المالي للشركة، كريستوف سالمون "لم تؤثر التطورات في قطر على أنشطتنا التجارية نهائياً"، وفقاً لوكالة رويترز. وأضاف، "بشكل عام نرى أن أي حدث جيوسياسي فرصة للتجارة وليس للتهديد".
وفي السياق ذاته، قال رئيس وودسايد بتروليوم الأسترالية، التي تدير أكبر محطة للغاز الطبيعي المسال في البلاد، بيتر كولمان، إن خطة قطر أكبر بلد مصدر للغاز المسال في العالم لزيادة الإنتاج ستعرقل النمو المتوقع في صادرات الولايات المتحدة منه. وأكد كولمان في مقابلة مع رويترز الخميس الماضي أن التوسع القطري "سيكبح التوسعات الأميركية لأن تلك التوسعات تواجه تحديات تتعلق بالنقل".
تعزيز الموارد المالية
وعملت الأزمة الخليجية على تسريع نمو الإنتاج القطري في كل مجالات الاقتصاد، والدولة بدورها لا تترك جهداً في رفد هذا القطاع بالدعم والخبرة والمشورة والمساندة المالية.
ورأى قاسم، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن إنتاج وتصدير الغاز يعزز من الموارد المالية لدولة قطر، في وقت تشتد فيه الضغوط على هذه الموارد بسبب ارتفاع التكاليف الناتجة عن الحصار، ما يهم في هذه المرحلة هو تعزيز الموارد التي بدورها تعزز من قدرة البلاد على تجاوز الأزمات المرتدة الناتجة عن الحصار.
وتابع قاسم، رأينا أواخر رمضان الماضي وإجازة العيد الطويلة، حجم الضغوط على الريال القطري، وعلى احتياطيات الدولة من النقد الأجنبي، وكان لسلامة تخطيط السياسات النقدية وكفاية الاحتياطيات واستمرار الصادرات الدور الأكبر في التعامل مع هذه الضغوط وحماية سعر صرف الريال القطري، وحماية مدخرات من يحمل أو يستثمر بالريال.