اجتياح "السترات الصفراء"...المتظاهرون الغاضبون يعودون إلى الشانزيليزيه والحراك يتجاوز الحدود
اجتاحت تظاهرات "السترات الصفراء" أغلب المدن الفرنسية من جديد، اليوم السبت، للتنديد بزيادة أسعار الوقود وغلاء المعيشة، ليشهد شارع الشانزيليزيه في قلب العاصمة باريس مواجهات عنيفة بين من وصفتهم وزارة الداخلية بـ"مئات المخرّبين" وقوات الأمن.
وخيّمت سحابة من الضباب فوق نصب قوس النصر في إحدى أشهر الجادات السياحية في العالم، بعد أن رشقت قوات الأمن المتظاهرين بوابل من قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع، فضلا عن استخدام مدافع المياه لإجبار المتظاهرين على التراجع، والذين قام بعضهم، بتكديس كمية كبيرة من ألواح الخشب والمواد الأخرى في وسط الشارع بالقرب من قوس النصر، وأضرموا فيها النيران ورشقوا قوات الأمن بالحجارة الكبيرة.
وقام آخرون بإزالة الحواجز التي تحمي قبر الجندي المجهول الذي يعود إلى الحرب العالمية الأولى، تحت النصب التذكاري، ليقفوا بالقرب من الشعلة الأبدية ويغنوا النشيد الوطني وليطالبوا باستقالة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وكتب غرافيتي على قوس النصر يقول "السترات الصفراء ستنتصر" في إشارة إلى السترات المضيئة التي يرتديها المحتجون.
وبينما كانت الشرطة قد نجحت في ساعات الصباح في إخلاء المنطقة حول قوس النصر، عاد المحتجون السلميون ومثيرو الشغب. واندلعت اشتباكات في شوارع متاخمة، حيث جرى تهشيم نوافذ سيارات وتم إشعال النيران في عدة سيارات، وفق رويترز.
وتم إغلاق جميع محطات المترو في جادة الشانزيليزيه والمناطق المحيطة بها لأسباب أمنية، حسبما ذكرت شركة النقل العام في باريس، فيما تناقض الوضع في باريس مع الاحتجاجات في مناطق فرنسية أخرى، حيث كانت المظاهرات وعمليات غلق الطرق سلمية إلى حد كبير.
وقالت الشرطة إن المتظاهرين وضعوا نحو 582 من المتاريس في مختلف أنحاء فرنسا، وتم إغلاق مطار نانت في غرب البلاد لفترة قصيرة، بعد أن وصل المحتجون إلى مدرج إقلاع وهبوط الطائرات. كما سيطر متظاهرون على مركز تسديد رسم المرور في بيرتوس عند الحدود بين فرنسا وإسبانيا.
وفاجأت احتجاجات السترات الصفراء التي بدأت في السابع عشر من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يحاول زيادة شعبيته التي انخفضت إلى نحو 30%. ويشير اسم السترات الصفراء إلى السترات الصفراء الفوسفورية التي يتعين على جميع السائقين في فرنسا تزويد سياراتهم بها.
وبالإضافة إلى ارتفاع الضرائب، فإن المتظاهرين غاضبون من الطريقة التي يقود بها ماكرون البلاد. وقال راباه مينديز، المحتج القادم من ضاحية جنوبية لينضم إلى مسيرة سلمية في باريس "الناس يقولون إنه من الصعب الوصول إلى نهاية الشهر.. الناس يعملون ويسددون الكثير من الضرائب، وقد سئمنا الوضع".
كما ذكرت هيدفيغه لوبرون، التي تقطن باريس لوكالة أسوشيتدبرس أن "القوة الشرائية تتقلص بشدة يوميا. ثم هناك: الضرائب والضرائب والضرائب، والدولة تطالبنا بشد الأحزمة، لكنهم على العكس يعيشون في مستوى مرتفع بأموالنا".
وفي مقابل الغضب الشعبي، تحاول الحكومة التقليل من الاحتجاجات. وقال رئيس الوزراء إدوار فيليب للصحافيين إنه "في أنحاء فرنسا هناك نحو 36 ألف محتج وفي باريس هناك 5500 محتج"، مضيفا من مقر شرطة باريس أن بعض المتظاهرين هاجموا الشرطة "بعنف يندر أن يشاهد".
وفي تغريدة على تويتر قال وزير الداخلية كريستوف كاستانير إن "1500 مخرّب وصلوا لافتعال مشاكل". وجرى اعتقال أكثر من 100 شخص، فيما أصيب أكثر من 60 خلال الاشتباكات.
وحشدت السلطات الفرنسية آلافا من أفراد الشرطة الإضافيين في باريس لردع المحتجين الغاضبين، فيما جرى إغلاق شارع الشانزيليزيه أمام السيارات، وخضع لرقابة مشددة من الشرطة.
وقالت المتظاهرة "شانتال" وهي متقاعدة تبلغ 61 عاما متفادية الاقتراب من موقع المواجهات في حديث مع فرانس برس "قالوا لنا إن هناك مشاغبين أمامنا". وأضافت أن على ماكرون "النزول من برجه لكي يفهم أن المشكلة ليست الضريبة بل القدرة الشرائية. أنا مضطرة للاستعانة بمدّخراتي طوال الشهر".
وتواجه إدارة ماكرون موجة من الغضب الشعبي بدأ على أثر زيادة الرسوم على الوقود، لكنها اتسعت لتشمل مطالب تتعلق بارتفاع تكاليف المعيشة بشكل عام. وتحاول الحكومة دون جدوى حتى الآن التحدث مع ممثلين عن حركة "السترات الصفراء".
ودعا رئيس الوزراء ثمانية ممثلين عن الحركة للقائه في مكتبه يوم الجمعة الماضي، لكن اثنين فقط حضرا خرج أحدهما بعد إخباره بأنه لا يستطيع أن يدعو كاميرات التلفزيون لبث اللقاء مباشرة.
وأعلنت الحكومة في وقت سابق أن 100 ألف شخص فقط شاركوا في احتجاجات يوم السبت من الأسبوع الماضي، ما أعطى انطباعا بأنّ الاحتجاجات تضاءلت. لكن كثيرين أشاروا إلى أن خطاب ماكرون يوم الثلاثاء أجج الاحتجاجات من جديد.
وسعى ماكرون لإخماد الغضب واعدا بإجراء محادثات على مدى ثلاثة أشهر حول الطريقة المثلى لتحويل فرنسا إلى اقتصاد قليل استخدام الكربون دون معاقبة الفقراء، كما تعهد بإبطاء معدل الزيادة في الضرائب على الوقود إذا ارتفعت أسعار النفط العالمية بشكل سريع للغاية، لكن فقط بعد إقرار زيادة الضرائب المقررة في يناير/كانون الثاني المقبل.
لكن هذه التصريحات أثارت غضب المحتجين ولم تقنعهم. ورد بعضهم بالقول "هراء" و"كلام فارغ" وبقوا متمركزين في بعض الطرق.
وتتواصل الحركة الاحتجاجية بعد خمسة عشر يوما على انطلاقها مدفوعة بتأييد أكثر من ثلثي الفرنسيين وبنجاح عريضة "لخفض أسعار المحروقات" وقّعها أكثر من مليون شخص.
وحشد اليوم الأول من احتجاج "السترات الصفراء" في 17 نوفمبر/تشرين الثاني حوالي 300 ألف شخص في جميع أرجاء البلاد، فيما استمرت احتجاجات متفرقة خلال الأسبوع.
واتسع نطاق احتجاج السترات الصفراء إلى خارج الحدود الفرنسية ليصل إلى بلجيكا، حيث استخدمت قوات مكافحة الشغب خراطيم المياه، أمس الجمعة، لتفريق محتجي "السترات الصفراء" الذين كانوا يرشقون الشرطة بالحجارة، وأحرقوا مركبتين للشرطة في وسط العاصمة بروكسل.
وكشف استطلاع للرأي أجراه معهد "بي في آ" في فرنسا مؤخرا، عن تأييد 72% من الفرنسيين مطالب "السترات الصفراء" الغاضبين.
وقد رفضت الحركة، بإصرار الانحياز إلى أي حزب سياسي أو نقابات عمّالية. وتضم "السترات الصفراء" العديد من المتقاعدين وتلقى زخما أكبر في المدن والمناطق الريفية الصغيرة.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الاحتجاجات لا تزال تجتذب دعم اثنين من كل ثلاثة فرنسيين. ووصل الغضب إلى الجزر الفرنسية في ما وراء البحار، خصوصا في جزيرة "لا ريونيون" الفرنسية في المحيط الهندي التي تشلها حركة الاحتجاج منذ أسبوعين.
واضطرت وزيرة الدولة الفرنسية لشؤون التنمية والفرانكوفونية أنيك جيراردان، التي أرسلت إلى الجزيرة للتحدث إلى المحتجين، إلى قطع الاجتماعات أمس الجمعة مع المتظاهرين، بعد أن رددوا هتافات استهجان منها "ماكرون استقل!".