مخاوف من الغزو الأوروبي لحقول الزيتون التونسية

20 نوفمبر 2019
توقعات بمحصول قياسي العام الجاري (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

تواجه تونس زحفا للشتلات الأوروبية على كروم الزيتون المحلية، ما يهدد بتراجع الإنتاج والتأثير سلبا على إنتاج الزيوت المحلية.
ويتخوف عاملون في القطاع من تغيير الزيتون التونسي الأصيل بشتلات إسبانية وإيطالية ذات مردودية سريعة مقابل عمر أقل للأشجار.
ويمثل الحفاظ على شتلات الزيتون التونسية القديمة وتطوير مردوديتها اختبارا صعبا لمخابر البحث الزراعي، وسط إصرار عديد من المزارعين والمهتمين بالشأن الزراعي على ضرورة الحفاظ على نوعية شتول الزيتون القديمة والتصدي لزحف المشاتل القادمة من الضفة الشمالية للبحر المتوسط بهدف الحفاظ على نوعية متميزة للزيت المحلي ذو القدرة التنافسية العالية إقليميا وعالميا.
وتقر وزارة الزراعة بانفتاح المستثمرين على الشتلات الإسبانية واليونانية في إطار تجديد الكروم، غير أنها تؤكد حرص مخابرها على تطوير إنتاجية الشتلات المحلية والعمل على المحافظة عليها في إطار استراتيجية وطنية لتنمية قطاع الزيتون تتواصل إلى عام 2030.

ويقول مدير الإنتاج الفلاحي في وزارة الزراعة، عز الدين شلغاف، لـ"العربي الجديد"، إن الوزارة تسعى إلى تجاوز مشاكل ضعف إنتاج الزيوت المحلية بتكثيف البحوث العلمية لتطويرها، مؤكدا إصرار السلطات على الحفاظ على خصوصية الغابات التونسية.
وأفاد شلغاف بأن 9 في المائة فقط من حقول الزيتون تصنف بـ"الهرمة"، من جملة المساحة المزروعة البالغة 1.3 مليون هكتار، مشيرا إلى أن "الوزارة بصدد العناية بغرسات الشمال التي تعتبر المنطقة الأفضل للزيتون على خلفية ما تشهده من تغيرات مناخية، لضمان مردودية سنوية متقاربة من محاصيل الزيت والزيتون".
وحول الخيارات الزراعية الجديدة بتوجه المستثمرين نحو الشتلات الإسبانية واليونانية من أصناف "الارباكونيا" و"كورونيكي" ذات المردودية العالية والسريعة، أوضح المسؤول في وزارة الزراعة الحرص على توفير مشاتل تلبي الطلب والدعم للفلاح التونسي من أجل الحفاظ على الشتلات التونسية، لافتا إلى أن تأصيلها بند مهم ضمن الاستراتيجية الاستشرافية للقطاع.

وأوضح شلغاف أن توسع زراعة الأصناف الأوروبية من الزيتون في السنوات الأخيرة، يأتي في إطار برنامج الفلاحة الصناعية الذي جاء في سياق فتح الدولة متنفسا للمستثمرين لتوفير مشاتل تضمن مردودية عالية وسريعة. ووفق بيانات رسمية لوزارة الزراعة، تترقب تونس هذا العام محصولا قياسيا من الزيتون تحققه للمرة الأولى في تاريخها، إذ تصل تقديرات الإنتاج إلى 1.75 مليون طن من الزيتون، أي ما يعادل 350 ألف طن من الزيت. ومن المتوقع أن تستأثر السوق المحلية بـ20 بالمائة فقط من إنتاج تونس للزيت، فيما توجه بقية الإنتاج نحو السوق العالمية.

ويفسر المستثمر والخبير في غرسات الزيتون، ماهر بن إسماعيل، الاتجاه المكثف نحو تجديد الحقول بالشتلات الأوروبية على حساب المحلية بحرص المستثمرين على تحقيق الربح السريع، مؤكدا أن الزيتون الأوروبي ذو مردودية سريعة ومكثفة. وأفاد بن إسماعيل بأن شجرة الزيتون الإسبانية تدخل في دورة الإنتاج بعد غراستها بـ3 سنوات، في حين تحتاج الشتلات المحلية إلى 8 سنوات لتصبح منتجة، لافتا إلى بحث المستثمرين الزراعيين عن المردودية السريعة، ما يهدد بتلاشي الحقول المحلية.

ونبه بن إسماعيل إلى خطر تأثير الزراعات الجديدة على جودة الزيت التونسي، موضحاً أن الشتلات الأوروبية لا تتأقلم بشكل كاف مع المناخ والتربة التونسية، ما يؤثر على نوعية الزيت المستخرج من ثمار هذه الغرسات. وأفاد في السياق ذاته بأن الزيت التونسي المنتج من الشتلات القديمة ذو جودة متفردة في العالم، وهو مهدد بالتلاشي إذا لم يتم تأصيله والعمل على تثبيت الصورة الذهنية لجودة المنتج المحلي في الأسواق العالمية، وفق قوله.

وبسبب موقعها العالمي المتقدم إنتاجاً وتصديراً، تواجه تونس منافسة شرسة من قبل الدول الأخرى، في ظل الشروط المشددة لتمكين المصدرين من النفاذ إلى السوق الأوروبية التي تستأثر بحوالي 77% من صادرات البلاد من هذه المادة الحيوية.

ويؤكد المهندس الزراعي، مدير الاستراتيجيات بمنبت "مبروكة" لبيع المشاتل، نبيل المزوغي، أن الغايات الربحية السريعة شجّعت المستثمرين نحو التوجه المكثف لتغيير الشتلات المحلية بأخرى متوسطية، مرجحا أن يصطدم المستثمرون على المدى المتوسط بنتائج مخيبة لخياراتهم نتيجة عدم قدرتهم على تسويق الزيوت المستخرجة من أشجار الزيتون الموردة. وأضاف المزوغي في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الزيتون المحلي له خصوصيات وقدرات على مقاومة التقلبات المناخية فريدة من نوعها في المتوسط، مشيرا إلى أن وزارة الزراعة تشددت في السنوات الأخيرة مع الشركات الأجنبية التي تتولى ترويج الشتلات الأوروبية في تونس لإخضاعها لكراس شروط صارمة.
وأفاد المزوغي بأنه من خلال عمله الميداني لمس وعيا لدى المستثمرين بأهمية المحافظة على الحقول المحلية وتأصيلها. ولم يخف وجود شبهات لتبييض الأموال في توجه البعض نحو الاستثمار في غرسات الزيتون الأوروبي.

المساهمون