الجزائر: خطط حكومية لتحرير الأسعار تنذر بغضب الشارع

16 يونيو 2020
تراجع القدرات الشرائية للمواطنين (رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -

يتصاعد قلق الشارع الجزائري من إقدام الحكومة على تحرير أسعار السلع الأساسية خلال الفترة المقبلة، في محاولة لتقليص العجز المالي الناجم عن تراجع عائدات النفط والتداعيات الاقتصادية لجائحة فيروس كورونا، ما يهدد بتعرض الطبقة الوسطى إلى المزيد من الانحسار في ظل الغلاء المستمر منذ نحو خمس سنوات.

وخصصت الحكومة نحو 15 مليار دولار لبنود الدعم لدى إقرار موازنة العام الجاري في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلا أنها أعادت النظر في هذه المخصصات بعد جائحة كورونا، حيث كشف وزير المالية، عبد الرحمان راوية، لدى مناقشة الموازنة التكميلية التي أقرها البرلمان مطلع يونيو/حزيران الجاري، عن توجه الدولة نحو رفع الدعم عن المواد الأساسية وتحرير الأسعار قريبا.

وتتوزع مخصصات الدعم بنحو 1.9 مليار دولار لتثبيت سعر المواد الاستهلاكية كالحليب والسكر وزيت الطعام، و5.1 مليارات دولار لدعم الخدمات العلاجية و2.5 مليار دولار لدعم أسعار النقل الجوي والبري والسكك الحديدية، والقيمة المتبقية البالغة 5.5 مليارات دولار موزعة على باقي الخدمات.

وتشير البيانات الرسمية إلى أن هناك نحو 2.2 شخص يصنفون ضمن الفئات المحتاجة، الأمر الذي دعا خبراء اقتصاد وناشطين في جمعيات لحقوق المستهلك إلى المطالبة بسياسات واضحة لحماية هؤلاء مع تحرير الأسعار، التي يتوقع ألا تقل نسبتها عن 20%.

وقال كاتب الدولة السابق المكلف بالتخطيط والاستشراف، بشير مصيطفى، إنه ينبغي رفع الدعم تدريجياً لتجنب إثقال كاهل المواطن، الذي يعاني من دفع ثمن تراجع الإيرادات من جيبه رغم محدودية دخله.

وأشار مصيطفى في حديث مع "العربي الجديد" إلى إمكانية تحديد الدعم من خلال استحداث بطاقة مخصصة لذلك، بناء على دخل الأسر.

لكن جمعية حماية المستهلك، اعترضت على تحرير الأسعار، مشيرة إلى أنها تفضل إعادة توجيه الدعم، للحفاظ على مبدأ التكافل الذي تعتمده الدولة منذ عشرات السنين.

وقال رئيس الجمعية، مصطفى زبدي لـ "العربي الجديد"، إن الدولة بإمكانها اعتماد خبرات دول سبقتنا في التجربة، واقترح التبليغ الذاتي عن الحاجة من قبل الراغبين في الدعم، كون الجزائر لا تملك بطاقة خاصة بالمحتاجين، ويكون ذلك كمرحلة أولى، لبدء التنفيذ في غضون ستة أشهر، على أن يتم تنقيح القائمة تدريجيا إلى حين التوصل إلى بطاقة للمستحقين الفعليين بعد ثلاث سنوات على الأكثر.

في هذه الأثناء، أعرب الخبير في السياسات الاجتماعية، نور الدين بودربة، عن مخاوفه من أن يؤدي تحرير الأسعار ورفع الدعم عن المواد الأساسية إلى زيادة الأسعار ويؤدي إلى تآكل أجور الطبقة المتوسطة بنسبة 20%، مقابل نحو 1% فقط لأصحاب الدخول المرتفعة، فضلا عن أن أسعار الكثير من السلع لن تكون في متناول الجميع.

وقال بودربة لـ "العربي الجديد" إنه من غير المنطقي اعتماد السعر الحقيقي لمختلف السلع بناء على أسعار السوق الدولية، بالنظر إلى أن دخل الجزائريين لا يساوي تلك المطبقة في أوروبا على سبيل المثال.


ويبدأ الحد الأدنى للرواتب في الجزائر، من 20 ألف دينار (155 دولارا) شهريا بموجب ما تضمنه قانون المالية التكميلي للعام 2020، بينما لم يطرأ عليه تغيير منذ 2007، ويتدرج الأجر وفق الشهادة والخبرة والقطاع الوظيفي.

واقترح بودربة أن تفرض الحكومة ضرائب حقيقية على الأثرياء، بدلا من إثقال جيب المواطن البسيط الذي يدفع ما نسبته 26% من قيمة الضرائب المحصلة للخزينة العمومية من رواتب العمال والموظفين البسطاء، بينما لا تدفع المؤسسات والمهن الحرة النصف من هذه النسبة.

وتوقع تأخر تنفيذ قرار تحرير الأسعار لأنه لا الظروف الاقتصادية ولا الاجتماعية تساعد في تنفيذ ذلك، لأنه سيخلق فوارق اجتماعية كبيرة، مضيفا أن المقترحات المطروحة باستحداث بطاقة للمستحقين الفعليين للدعم ستلاقي صعوبات منها أن نسبة كبيرة من الأشخاص يعملون في الاقتصاد الموازي الذي يمثل نحو 50% من الاقتصاد ولا تتوفر عنهم بيانات كافية فضلا عن ضعف الإمكانيات الحكومية لإنشاء هذه المنظومة.

ولا يقتصر الدعم على السلع الغذائية والوقود وخدمات النقل، وإنما يمتد أيضا إلى السكن، حيث خصصت الدولة نحو 50 مليار دولار لإنجاز مساكن من مختلف الفئات 50% منها للمساكن الاجتماعية خلال خمس سنوات في الفترة الممتدة بين 2010 و2014.

وفي المنتوجات الصناعية تدعم الدولة سعر الإسمنت، كما تدعم الكهرباء والغاز عند إنتاج الكهرباء والتوزيع العمومي، حيث حددت سعرها المقنن بـ 780 دينارا للألف متر مكعب، للمستهلكين الصناعيين، كما تدعم سعر الأدوية المستعملة في الطب البشري.

وبجانب المساعي الحكومية لإلغاء الدعم، بدأت أسعار بعض السلع بالفعل في الارتفاع، حيث دخلت الزيادات المقررة على بعض المواد واسعة الاستهلاك، منها الوقود، حيز التطبيق مطلع يونيو/حزيران الجاري.


وتراوحت زيادات أسعار الوقود بين 3 و5 دنانير للتر، ليرتفع سعر لتر البنزين الممتاز إلى 44.35 ديناراً بدلاً من 41.97 ديناراً، والبنزين العادي إلى 41.32 ديناراً للتر بدلاً من 38.94 ديناراً، والديزل من 25 ديناراً إلى 28 ديناراً.

وهذه المرة الرابعة التي تلجأ فيها الجزائر إلى رفع أسعار الوقود منذ بداية الأزمة المالية التي خلفها تهاوي أسعار النفط منذ منتصف عام 2014، إذ أقرت الحكومة زيادة راوحت بين 11% و18% مطلع أعوام 2016 و2017 و2018.

وأثارت الزيادة الأخيرة، انتقادات واسعة في أوساط المواطنين، فالتجارب التي عاشوها مع رفع الأسعار مطلع 2016 و2017 و2018، انعكست على أسعار السلع الغذائية ومواد البناء وخدمات النقل بكل أنواعها.

وقال المزارع الهواري تونسي من محافظة البويرة التي تبعد نحو 120 كيلومتر عن العاصمة إن " مصاريف النقل وتشغيل مضخات المياه ارتفعت بنحو 70% منذ بداية 2016"، مضيفا لـ"العربي الجديد أن "المزارعين أمام خيارين لا ثالث لهما، إما رفع الأسعار، وهو الوارد الآن، أو ترك الزراعة كما فعل الكثيرون في السنوات الأخيرة".

وفي السياق، قال رئيس نقابة الجمعية الجزائرية للبحارين (الصيادين)، حسين بلوط، إن رفع أسعار الوقود سيؤثر على أسعار الأسماك التي باتت بالأساس خارج القدرة الشرائية للجزائريين منذ شهور، بعد القفزات التي طاولت أسعارها.

وأوضح بلوط لـ "العربي الجديد" أن محركات سفن الصيد تعمل بالديزل، فقبطان السفينة سيضطر إلى رفع الأسعار، لإحداث التوازن بين مصاريف الرحلة واليد العاملة وقيمة ما يصطاده حتى لا يقع في الخسارة.

ولا يخفي المواطن طارق معتوق، الذي يعمل موظفا حكوميا، قلقه من إقدام المنتجين والتجار على رفع الأسعار، مؤكدا: "المواطن هو من سيدفع الثمن". كما قال محمد رضوان متقاعد من العاصمة الجزائرية :"كل شيء زاد سعره، إلا الرواتب والمعاشات فهي ثابتة، في حين تهوي القدرة الشرائية إلى القاع بسرعة".

وقال الخبير الاقتصادي، جمال نور الدين، إن "الحكومة توجهت منذ تشكيلها مطلع العام الجاري، نحو مزيد من إجراءات التقشف، لمجابهة الأعباء المالية، وهو ما سيتحمل المواطن تبعاته على شكل رسوم وضرائب جديدة، في حين أن هناك أموال منهوبة من سياسيين ومسؤولين محسوبين على النظام السابق ورجال أعمال، لا يزال مصير استرجاعها مجهولاً، وهو ما سيزيد من حالة الغضب الشعبي في الشارع تجاه السلطة الحاكمة".

وأضاف نور الدين أن" إرهاصات حدوث انتفاضة شعبية مماثلة لحراك السنة الماضية، قائمة بنسبٍ عالية، ومن الخطأ ربط حراك الشعب الجزائري سنة 2019، بالوضع السياسي فقط، بل إن تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي ساعد أيضا على الغضب الشعبي".

المساهمون