تسعى الحكومة السودانية إلى البحث عن وسائل للخروج من أزمتها الاقتصادية الخانقة، فاتجهت هذه المرة إلى القارة العجوز، حيث نجحت في الحصول على مصادقة المفوضية الأوروبية على منح السودان ترخيص تسجيل لتصدير منتجاته إلى أوروبا بتعريفة جمركية صفرية وكوتات (حصص) حرة.
الأمر الذي اعتبره مصدرون سودانيون خطوة جيدة في سبيل ترقية وتحسين صادرات بلادهم، وطالبوا الحكومة بتسهيل الإجراءات وتخفيض الرسوم المحلية ودعم القطاع واستغلال الفرصة، من أجل تحقيق عوائد كبيرة تساعد البلد على المرور من أزمته الاقتصادية.
كما قال خبراء اقتصاد لـ"العربي الجديد" إن ما حدث مؤشر على قرب رفع العقوبات، وخاصة أن ذلك جاء متزامنا مع خطوة أخرى في اتجاه أوروبا ومنها تعزيز التعاون الاقتصادي بين السودان وألمانيا.
وقال وكيل وزارة الصناعة والتجارة السوداني، محمد علي عبد الله، في تصريحات صحافية، مؤخرا، إن تسجيل اسم السودان في المفوضية الأوروبية يأتي كإحدى الدول التي ستستفيد من المزايا التفضيلية بالإعفاء الجمركي عند التصدير، موضحا أن ذلك التسجيل سيسهم في زيادة الصادرات السودانية إلى الاتحاد الأوربي، خاصة منتجات السكر ومشتقاته. وأشارا إلى أن الاتحاد الأوروبي كان الشريك التجاري الأول سابقا للسودان قبل استيلاء النظام البائد على مقاليد السلطة.
وقال المصدر، محمد عثمان، لـ"العربي الجديد" إن هذه الخطوة جيدة، إلا أنها لا تحل مشكلة الاقتصاد، ولكنها تعطي السلع حافزا أكبر للتصدير، موضحا أن نظام الحصص يسمح بتصدير سلع محددة مثل السكر للاتحاد الأوروبي.
وأضاف: حينما تدخل المنتجات بتعرفة صفرية تزيد من منافسة السلع السودانية، ما يتطلب مواصفات عالمية وجودة وتخزينا جيدا.
وحسب مقرر شعبة المصدرين، خالد وافي، فإن مصادقة المفوضية الأوروبية جاء بعد اجتماعات مكثفة بين الجانبين تم من خلالها التوصل إلى عدم وجود مشكلة في الصادرات السودانية، التي تتطلب فقط الاهتمام بالبنيات التحتية، مبينا أن الهدف مساعدة السودان لوضع ترتيبات متكاملة للاستفادة من قطاع الصادرات وتقديم مساعدات لوجستية من قبل المفوضية الأوروبية.
ورغم التفاؤل في قطاع الصادرات إلا أن كثيرين يرون بوجود معوقات تعترض نفاذها إلى دول الاتحاد الأوروبي أهمها مسألة النقل عبر الطيران، مما يكلف المصدرين كثيراً، إلى جانب ضعف الإنتاج.
وحسب تقارير رسمية، تمثلت صادرات السودان إلى دول الاتحاد الأوروبي في المحاصيل الزراعية كالسمسم والذرة والصمغ العربي.
وسبق أن قالت بعثة الاتحاد الأوروبي قبل شهور إنها ستدعم قطاع الثروة الحيوانية بـ9 ملايين يورو لتطوير تجارة وتصدير الماشية لصالح نصف مليون راع لتخفيف وطأة حظر بعض الدول لصادرات السودان.
وأكد الاقتصادي، عادل عبد المنعم، أن سماح التصدير بلا تعرفة جمركية له فوائد كثيرة، مشيرا إلى أن بعض من الصادرات السودانية تعبر إلى العالم عبر شركات إماراتية ومصرية ما يقلل من العائدات المالية للسودان.
واعتبر الأمر مؤشرا لقرب رفع العقوبات لأنه يتطلب فتح قنوات مصرفية مباشرة وهو مكسب كبير، مطالبا المصدرين بتنظيم أنفسهم حتى لا تضيع الفرصة.
ودعا عبد المنعم المصدر السوداني إلى رفع المستوى في الجودة، مبينا أنه يمكن تصدير سلع متنوعة وعديدة إلى أوروبا وخاصة الزراعية.
وفي نفس السياق، أكد اقتصاديون أن زيارة الرئيس الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، إلى الخرطوم، نهاية الأسبوع الماضي وهي الأولى على هذا المستوى منذ 35 عاما، جاءت في وضع يحتاج فيه السودان إلى كسر عزلته الدولية جراء الحظر الأميركي، بعد حكم نظام الرئيس السابق، عمر البشير، الذي دام ثلاثين عاما شهدت فيها البلاد تدهورا اقتصاديا وأوضاعا معيشية صعبة.
وعقد الرئيس الألماني بالعاصمة الخرطوم برفقة 70 مسؤولا ومستثمرا جلسة مباحثات مشتركة مع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، تناولت المساندة الألمانية لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ومساعدة ألمانيا من خلال أصدقاء السودان ودعمها للخرطوم اقتصاديا.
يذكر أنه تم في اجتماعات ستوكهولم الشهر الماضي، الاتفاق على إعداد مؤتمر المانحين (للسودان) في منتصف يونيو/ حزيران من العام الجاري، عقب انعقاد الحوار المجتمعي الاقتصادي في مارس/ آذار الجاري.
وأبدى رئيس ألمانيا استعداد بلاده لدعم السودان خاصة في مجال التدريب المهني والتقني اعتمادا على الخبرات الجيدة في هذا المجال يمكن أن يستفيد منها السودان. وأشار في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، أن هناك موارد مالية متوفرة لدعم هذا المشروع، وقال سوف نبحث عن مجالات أخرى للتعاون بين البلدين.
وبلغ التبادل التجاري بين السودان وألمانيا خلال السنوات الأخيرة، 250 مليون يورو، في وقت كشف فيه وزارة الخارجية عن وجود 250 شركة ألمانية بالبلاد تعمل في مجالات الطاقة والكهرباء والصناعة والتجارة.
وتوقع الخبير الاقتصادي، حسن عيسى، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن تتجه ألمانيا إلى مشاريع في مجال النفط والزراعة والصناعة، ورفع جودة المنتجات السودانية للزيادة من منافستها عالمياً، من أجل ضخ النقد الأجنبي للبنك المركزي، لإنعاش اقتصاد البلاد الذي يعاني من التدهور المريع، بالتالي يؤدي ذلك إلى تحسين مستوى المعيشة للمواطنين. ودعا إلى تكوين مجلس مشترك بين القطاع الخاص في البلدين.
ويعاني السودان من أزمات اقتصادية ومالية خانقة، تمثلت أبرز ملامحها في تهاوي سعر العملة المحلية ليصل إلى أكثر من 100 جنيه مقابل الدولار في السوق السوداء، في حين يبلغ رسميا نحو 55 جنيه، حسب وكالة الأنباء السودانية (سونا)، كما تشهد الأسواق موجة غلاء متصاعدة فاقمت من معيشة السودانيين.
ويقول الخبير الاقتصادي، طارق إسماعيل، لـ"العربي الجديد" إنه من الواضح أن زيارة الرئيس الألماني اقتصادية في المقام الأول، نظراً إلى أن الوفد المرافق ضم عدداً كبيراً من الشركات المهتمة بالطاقة المتجددة.
ويضيف أن ألمانيا يمكن أن تلعب دوراً محورياً في تطبيع علاقات السودان الاقتصادية مع دول الاتحاد الأوروبي ورفع اسم السودان من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، كما أتاحت الزيارة استعراض المشروعات السودانية المراد تمويلها خاصة أن ألمانيا لها مساهمات مقدرة في دفع مسيرة التنمية الاقتصادية بالبلاد.
وأوضح الخبير الاقتصادي، الفاتح عز الدين، أن الزيارة تمثل بداية لإنهاء العزلة السودانية وكسر جمود العلاقات الخارجية مع المجتمع الغربي، خاصة أن ألمانيا لها وزنها أوروبيا وعالميا.
وأشار إلى أن الاستثمار الألماني سيساهم في إدخال تقنية جديدة متطورة للسودان، خاصة في مجال التعدين والتصنيع.