مصطفى النابلي: تنوع الموارد حال دون انهيار الاقتصاد التونسي

03 ابريل 2016
محافظ البنك المركزي التونسي السابق، مصطفى النابلي (فرانس برس)
+ الخط -



قال محافظ البنك المركزي التونسي السابق، مصطفى كمال النابلي، في مقابلة مع »العربي الجديد«، إن الاقتصاد التونسي لا يزال يعاني من الركود الذي يخيم على أدائه منذ سنوات، على الرغم من الاستقرار السياسي الذي شهدته تونس، مقارنة بغيرها من دول الربيع العربي

* بعد مرور خمس سنوات. ما تقييمك للتجربة التونسية مقارنة بغيرها في دول الربيع العربي؟

 

التجربة التونسية مقارنة بالتجارب الأخرى، يمكن القول إنها ناجحة نسبياً من الناحية السياسية، رغم ما واجهته من صعوبات كبيرة، لكن هذه الصعوبات أمكن التغلب عليها والوصول إلى نظام سياسي وقع الاتفاق عليه، والكلفة للوصول إلى هذا كانت كبيرة، ومن الصعب الحكم على التجربة التونسية بالنجاح التام في الوقت الحالي.

 

*ومتى يتم الحكم عليها بالنجاح؟

بعد أن تثبت الهياكل السياسية التي تم اختيارها نجاحَها في تحقيق استقرار سياسي وتحسين الاقتصاد والوضع الاجتماعي وتحقيق كافة مطالب الثورة. من المتوقع أن تصل الثورة إلى مرحلة النضج بعد دورتين أو ثلاث دورات انتخابية أخرى، ومسؤولية ذلك تقع في الأساس على عاتق الأحزاب السياسية والمجتمع المدني.

 

*بتقديرك ماهي كلفة تلك الصعوبات؟

الكلفة لها عدة جوانب، فنسبة النمو تراجعت إلى أقل من 1% مقابل 4.5 % قبل الثورة، ولذلك هناك خسارة اقتصادية كبيرة وزيادة في البطالة وتوازنات مالية صعبة ووضع اجتماعي متأزم وتراجع في الخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطن، خاصة وأن التجربة التونسية مرت بمراحل تصاعدت فيها حدة التجاذبات بين الطرف الإسلامي وما يُسمى بالطرف الديمقراطي، وضيعنا وقتاً طويلاً في النقاش حول الهوية وغير ذلك، لكن بعد مدة وصلنا أنه من الأحسن أن نصل إلى توافق حتى لا يضيع البلد، وهذا لا يعني انتهاء الصراع السياسي، لكن الجميع يعلم أنه ليس من صالحه التمسك بوجهة نظره، وأدركوا جميعاً بعد تجارب مريرة أنه ليس أمامهم سوى التعايش السلمي واحترام الآخر.

 

*إذا كانت التجربة التونسية أفضل من غيرها. لماذا لم ينعكس ذلك على الوضع الاقتصادي؟

الاقتصاد التونسي، لا شك، يواجه صعوبات جدية وكبيرة، وكل المؤشرات تؤكد ذلك، فنسبة النمو تراجعت، ونسبة البطالة تجاوزت 15%، والتوازنات المالية بها صعوبات كبيرة خاصة مع تدهور سعر الصرف. صحيح أن التجربة على المستوى السياسي ناجحة نسبياً مقارنة بالتجارب الأخرى، لكن الوضع في تونس يحتاج إلى تغييرات عميقة وإصلاحات هيكلية أهمها حماية مؤسسات الدولة وهياكلها بتطبيق القانون وتسهيل دور الدولة للقيام بواجباتها في أحسن الظروف، والحكومة للأسف غير واعية بخطورة الوضع وتعمل بمنطق رجل الإطفاء ولا تقدم أية مبادرات، ولا توجد إشارات إيجابية تنم عن وجود رؤى اقتصادية مستقبلية.

*ما الفائدة إذا لم ينعكس هذا النجاح النسبي بالإيجاب على تحسن أحوال المواطنين المعيشية؟

كان يمكن أن ينعكس النجاح النسبي للتجربة على تحسن الاقتصاد، لكننا ضيعنا الكثير من الوقت، وتعرضنا لهزات وصراعات أبعدتنا عن طريق الازدهار الاقتصادي الذي يطمح إليه الشعب التونسي بعد الثورة، ولا تزال تونس حتى الآن في حاجة أكيدة للاتفاق على مشروع اجتماعي واقتصادي واضح الملامح، يستجيب إلى طلبات وآمال الشباب وكافة الشعب في مجال الكرامة والعدالة الاجتماعية والتشغيل وشتى المرافق الاجتماعية (صحة وتعليم ونقل وسكن... الخ).

 

*برأيكم، هل تمتلك الحكومة التونسية رؤية تنقذ الاقتصاد من كبوته الحالية؟

الحكومة لا تمتلك رؤية اقتصادية، وتؤكد ذلك الأرقام الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء في تونس، حيث شهدت نسبة البطالة ارتفاعاً في السنوات الخمس الماضية، من 13% خلال عام 2011، إلى 15% حتى نهاية الربع الثالث من العام الماضي، وتراجع القطاع السياحي بدرجة كبيرة، فضلاً عن تراجع معدلات النمو إلى 0.8%، وهو ما يعتبر الأسوأ خلال السنوات الخمس الأخيرة، كما بلغت نسبة الدين العام في عام 2010 نحو 40.3% من الناتج المحلي الإجمالي، لترتفع إلى حدود 52.7% في عام 2015، وفق إحصائيات وزارة المالية التونسية، وحتى لو الحكومة لديها رؤية اقتصادية فمن الصعب تحقيقها في ظل عدم وجود استقرار سياسي ومناخ مناسب يحقق التنمية والنمو ويوفر فرص عمل ويحسن من أحوال المواطنين المعيشية.

* ما الذي تحقق إذاً من مطالب الثورة التونسية؟ وهل فقد الشعب التونسي الأمل في تحقيق مطالب ثورته؟

ما تحقق من مطالب الثورة هو الحرية التي كانت على رأس المطالب، حرية الرأي والتعبير وحرية الاجتماع وحرية الفكر، ورغم الصعوبات لا يزال الأمل موجوداً، وليس صعباً أن يتم الاتفاق حول رؤية تنموية شاملة، تواجه الفقر، وتقضي على البطالة وتحارب الفساد بكل أشكاله وألوانه، تحت راية الاستقرار الأمني والسياسي.

*ما تقييمكم للسياسة النقدية في ظل تراجع سعر الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية؟

السياسة النقدية تطرح حلولاً ظرفية لأزمات وقتية، وتراجع سعر الصرف للدينار التونسي أمام العملات الأجنبية بالتأكيد يؤثر على الأسعار المحلية، ويرفع كلفة استيراد السلع بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة الديون الخارجية لتونس والتي يعادل حجمها حالياً نحو 55% من الناتج المحلي الإجمالي، كما أنه مؤشر على فقدان العملة التونسية لقيمتها في ظل غلاء الأسعار.

*بعد تفاقم الديون وزيادة عجز الموازنة وتردي القطاع السياحي، هل دخل الاقتصاد التونسي مرحلة التدهور؟

لا لم يصل الاقتصاد بعد إلى مرحلة التدهور، لكن الاضطرابات على المستويين الاجتماعي والأمني أثرت بشكل كبير على موارد الدخل القومي، وخاصة في قطاعات السياحة والفوسفات والبترول، التي تمثل ربع الاقتصاد الوطني، ولم تجد الحكومة بديلاً سوى اللجوء للاقتراض الخارجي لتدبير احتياجاتها، مما ساهم في تضاعف حجم الديون، وللأسف الشديد الديون كانت لتمويل الاستهلاك ومصاريف الرواتب، وهذا هو الخطر، لأنه لم يوجه للاستثمار.

وتواجه صعوبات في الاقتراض الخارجي عبر بيع سندات في الأسواق الدولية تصل قيمتها إلى مليار يورو (1.12 مليار دولار).

 

*ما هي المميزات التي يرتكز عليها الاقتصادي التونسي؟

من مميزات الاقتصاد التونسي أنه متنوع، زراعي، صناعي، فوسفات، سياحة، نقل. إلخ، وتأثر القطاع السياحي بسبب أعمال العنف والعلميات الإرهابية التي تشهدها تونس ضربة قوية وكلفة كبيرة للاقتصاد التونسي، وهذا التنوع ربما كان السبب الرئيسي في عدم انهيار الاقتصاد التونسي على الأقل حتى الآن، وإن شاء الله لن ينهار، والمستثمرون فقط ينتظرون الاستقرار.

وتواجه تونس صعوبات مالية مع تراجع إيراداتها من السياحة، بعد 3 هجمات نفذها متشددون العام الماضي، واحتجاجات بسبب البطالة، وتباطؤ وتيرة التقدم في الإصلاحات الاقتصادية التي طلبها المقرضون الدوليون.

 

*أثير جدل واسع حول إقالتك من منصب محافظ البنك المركزي، هل من الممكن أن تطلعنا على الأسباب الحقيقية لإقالتك؟

إقالتي كانت لأسباب سياسية، لأنهم كانوا يرون أنني لست من الحقل الثوري الذي يتصورون أنهم جاءوا منه، وتم حينها تسويق مبررات واهية وإشاعات مغرضة روجتها صحافة صفراء بهدف الدفع نحو إقالتي.

*هل هذا الأمر ربما يكون مرتبطاً بكونك محسوباً على نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وقد كنت وزيراً للتخطيط في حكومته؟

غادرت تونس في عام 1995 لأني لم أكن راضياً عن نظام زين العابدين بن علي، وبقيت 14 سنة في المنفى، ولم تكن لي أية صلة بالنظام، ولم أحاول أبداً تلميع صورته، كما أني لم أقم باتخاذ أي موقف تجاهه (لا ضد ولا مع)، لأن مكانتي في البنك الدولي لم تكن تسمح لي بالتدخل في الشأن السياسي في تونس أو خارجها.

 

*كنت دائماً شديد التحفظ على تصريحاتك الصحافية حين كنت على رأس البنك المركزي، لماذا؟

في كل بلاد الدنيا للبنك المركزي ومحافظه وضع خاص، محافظ البنك المركزي ليس سياسياً، وتدخّله في المنابر الإعلامية لابد أن يكون بحساب، وطبيعة الوظيفة تفرض ألا يكثر من الكلام إلا عند الضرورة وبصفة دقيقة وواضحة، وأنا كنت حريصاً على الفصل بين الموقف الشخصي والموقف المؤسسي، وقد عبرت عن موقفي بكل صراحة في أكثر من مناسبة، والبيانات الدورية شهرياً التي كنا نصدرها عن البنك المركزي لم تحظ باستحسان عدة أطراف رأوا فيها تمايزاً غير محبذ عن مواقف الحكومة وتقديراتها.

 

*وما رأيك فيما روج له البعض إبان ترشحك للرئاسة التونسية حول تهريب طن ونصف الطن من الذهب من البنك المركزي التونسي بعد أيام من هروب بن علي؟

الموضوع لا أساس له من الصحة، منذ الأسابيع الأولى (لهروب زين العابدين بن علي) قمنا بتدقيق كامل في هذا الموضوع من طرف أخصائيين ومراقبي حسابات، ووقع الكشف الكلي على موجودات البنك المركزي من الذهب، والوثائق موجودة ولو تم تهريب غرام واحد من الذهب لكان الأمر أمام القضاء الآن.

 

*وهل تم بالفعل سحب مبالغ مالية كبيرة من حسابات البنوك التونسية في ظل أحداث الثورة التونسية، كما ذُكر من قبل أحد مرشحي الرئاسة التونسية؟

الأمر في مجمله هو عبارة عن هذيان بلا معنى، لأنه لا يمكن إخراج أي أموال من البنك المركزي التونسي إلا بطرق صحيحة وعبر وثائق نظامية، ومن لديه وثائق فليقدمها للقضاء.


سيرة ذاتية

مصطفى كمال النابلي، خبير اقتصادي، عمل محافظا للبنك المركزي التونسي بعد الثورة التونسية.

ترشح للانتخابات الرئاسية لسنة 2014 ثم انسحب قبل الدور الأول لصالح، الباجي قائد السبسي، الرئيس الحالي.

عمل أستاذا للاقتصاد بجامعات كبرى، منها تونس، جنوب كاليفورنيا، مونتريال بكندا، لوفان ببلجيكا، والسوربون بفرنسا.

مدير سابق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى البنك الدولي.

ترأس مجلس إدارة بورصة تونس في سنة 1988، وشغل منصب وزير التخطيط من 1990 إلى 1995.




المساهمون