وسبق أن أعلنت الحكومة أنها أعدّت برنامجاً استثمارياً تصل قيمة مشاريعه الإجمالية إلى 16 مليار دولار، وستعرض مرحلته الأولى على المانحين، غدا الجمعة، في باريس، بقيمة 10.8 مليارات دولار، في حين تتراوح توقعات المراقبين بين 3 مليارات دولار حداً أدنى و7 مليارات حداً أقصى.
لكن في الإجمال، فإن أي قروض يحصل عليها لبنان اليوم من مؤتمر المانحين، مهما كانت تسهيلاتها لناحية الفوائد وآجال السداد، ما هي إلا قروض إضافية ستعمّق أعباء دينه العام الهائل الذي تجاوز، حتى الآن، عتبة 80 مليار دولار، ما ينذر لاحقاً باتباع سياسات تقشف، وفرض مزيد من الضرائب على المواطنين والشركات العاملة في لبنان.
ونقلت وكالة "الأناضول"، اليوم الخميس، عن عضو لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه البرلمانية، النائب سامر سعادة، قوله، إن "البنك الدولي" سيعرض على لبنان قروضاً بقيمة تزيد على 3 مليارات دولار، تشمل توسيع الطرق الرئيسة وتأهيلها، لحل أزمة السير الخانقة التي يعانيها".
في السياق، يشرح الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة في حديث إلى "العربي الجديد" أن لبنان ذاهب إلى باريس للاستدانة، وليس للحصول على هبات، وهو ما يميز هذا المؤتمر عن مؤتمرات باريس 1 و2 و3، ولكن الاستدانة ستكون بمستويات فائدة منخفضة تصل إلى 1.5% على 30 سنة، وهي مستويات أقل من معدلات فائدة الاستدانة الداخلية التي تصل إلى 7%.
ودافع عجاقة عن انعقاد المؤتمر، خصوصاً أنه سيساهم في دعم الاقتصاد اللبناني، مشيراً إلى أن كل مليار دولار يخصص للاستثمار يعمل على رفع معدلات النمو 1%، ما يعني أن من مصلحة الدولة اللبنانية وخصوصاً حكومة ما بعد الانتخابات النيابية، إنجاز هذه المشاريع لدعم الاقتصاد.
وأشار إلى أن هناك مشاريع تزيد قيمتها على 20 مليار دولار مقدمة، لافتاً إلى أن الكلفة لن تقف عند هذا الحد، إذ يمكن أن يرتفع عدد المشاريع المقدمة، أو تزيد كلفتها عن القيمة المقدرة لها، خصوصاً في ظل عدم وجود دقة كبيرة في الطرح، إذ يفتقر معظمها إلى كل الدراسات اللازمة.
وكشف أن المشاريع التي تخص قطاع النقل تصل قيمتها إلى 6.9 مليارات دولار، في حين أن قيمة مشاريع قطاع المياه والري 4.3 مليارات دولار، وقيمة مشاريع قطاع الصرف الصحي 2.6 مليار دولار، والكهرباء 5.6 مليارات دولار، والاتصالات 0.7 مليار دولار، والنفايات 1.4 مليار دولار، في حين أن قيمة المشاريع الثقافية والسياحية والصناعية مجتمعة 500 مليون دولار.
ولكن الحصول على 20 مليار، لن يحصل دفعة واحدة برأي عجاقة، إذ اعتبر أن المجتمع الدولي لن يضخ الأموال الموعودة من دون الإشراف على إنجاز هذه المشاريع، مشدداً على ضرورة التزام الدولة اللبنانية بالمشاريع التي تعد بتنفيذها، إذ أي تقاعس أو تأجيل سيؤدي إلى توقف الأموال.
ولعل أبرز الانتقادات التي ترد بشأن المؤتمر أنه سيزيد الدين العام، خصوصاً أن لبنان يحتل المرتبة الثالثة كأكثر البلدان استدانة في العالم، إذ ارتفع الدين العام من 52.6 مليار دولار عام 2011 إلى 80.4 مليار دولار في نهاية كانون الثاني الماضي وفقاً لوكالة "رويترز"، فيما كان 40.7 مليار دولار عشية انعقاد مؤتمر "باريس 3" لدعم لبنان مطلع عام 2007.
وأكد عجاقة أن المؤتمر سيفاقم الدين العام وهو ما اتفق عليه كل خبراء الاقتصاد الذين تحدثوا إلى "العربي الجديد"، لكنه طالب برؤية النقاط الإيجابية من هذا المؤتمر، إذ بدأ المجتمع الدولي بالضغط على السلطة السياسية لمكافحة الفساد، وهو ما بدى واضحاً خلال مناقشة موازنة 2018 في المجلس النيابي، حيث تبنت كل الكتل من دون استثناء شعار مكافحة الفساد، كما تم إقرار موازنة 2017 و2018 في ومن قياسي.
وإضافة إلى مكافحة الفساد، يضغط المجتمع الدولي نحو إقرار إصلاحات قطاعية وهيكلية وإدارية في المؤسسات العامة، ناهيك عن تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
لكن الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي لا يرى أن هذا المؤتمر سيجلب الخير على لبنان، فهذا ليس المؤتمر الأول الذي ينعقد لدعم الاقتصاد اللبناني، كما أنها ليست المرة الأولى التي يحصل لبنان فيها على قروض ميسرة.
ولفت في حديث إلى"العربي الجديد" إلى أن المجتمعين ملمون في القضايا المالية ويعملون في المجال الاقتصادي ويستطيعون تحليل الموقف المالي اللبناني، بالتالي فإن لبنان لديه وضع مالي لا يسمح له بمزيد من الاقتراض، وإضافة مزيد من الديون على الدين العام.
ولفت يشوعي إلى أن الطريقة التي سيتم تخصيص الأموال من خلالها تلعب دوراً مهماً في تقييم نتائج المؤتمر، سواء كانت قروض ميسّرة أو عمليات شراكة بين الجهات المانحة والقطاع الخاص اللبناني.
ولفت إلى أن إقرار قروض ميسرة جديدة هي من أخطر الطرق لمساعدة لبنان، ويفتح الأنظار على هدف خفي يلوح في الأفق، خصوصاً أن في عجز البلد عن التسديد يعني وقوعه في قبضة الأقوياء.
وحسب الخبير الاقتصادي فإن الحل الأمثل يكمن في الشراكة بين القطاع الخاص اللبناني والجهات المانحة، من خلال تأسيس شركات برأسمال مشترك، تعمل على إنهاء ملفات اقتصادية عالقة على غرار الكهرباء أو المياه أو قطاع النقل، من دون أن يستنزف المال العام، ومن دون تضييع هذه الأموال هباءً كما حدث في الأموال التي حصل عليها لبنان في مؤتمرات أخرى.
ونبه يشوعي إلى طريقة ثالثة قد تؤدي إلى المساعدة في تحسين الوضع الاقتصادي من خلال "حسن استعمال المدخرات الوطنية"، معتبراً أن لدينا قدرات مالية ذاتية معطلة نسيء استخدامها".
وانتقد يشوعي تثبيت سعر صرف الليرة، وفصل العملة عن الاقتصاد، لافتاً إلى أن العملة مرآة تعكس حالة الاقتصاد، وهي وسيلة للنهوض بالاقتصاد وتنشيط الاستثمار فيه.
وشكك الخبير الاقتصادي جهاد الحكيّم في حديث إلى "العربي الجديد"، بإمكانية حصول لبنان على 21 مليار دولار، مضيفاً أن الأزمة الرئيسية في لبنان هي أزمة ثقة، خصوصاً أنه جرب على مدار السنوات الكثيرة التي مضت.
ولفت إلى أن الاستدانة من المجتمع الدولي ستزيد من الدين الخارجي، والذي يعتبر سداده تصعب السيطرة عليه، إذ تشترط هذه العملية توافر العملات الأجنبية للسداد، ما يمس استقلالية البلد في حال عدم التمكن من السداد.
ولكن الأكثر أهمية من المؤتمر والدين برأي الحكيّم، أن لبنان يفتقر إلى الشفافية والإدارة والاستراتيجية الاقتصادية الواضحة، ما يطرح علامات استفهام عن كيفية التوجه نحو الاستدانة، لافتاً إلى ضرورة القيام بإجراءات عملية على أرض الواقع لتعزيز الشفافية والإدارة.
وشدد أن الاستثمار في لبنان تشوبه عقبات عدة، أبرزها أن السلطة السياسية تضرب بالقواعد الاقتصادية عرض الحائط، فتارة تتعامل مع الاقتصاد بوصفه اقتصاداً حراً، وطوراً تسن قوانين لمنع السوق من التحكم بالأسعار، وهو ما حدث في أزمة العقارات، كما أنها عمدت إلى وضع ضرائب في حالات الركود بعكس كل النصائح الاقتصادية.
والحال، أن الاقتصاد اللبناني يعاني من أزمة لا مفر منها، ولعل "سيدر1" هو خشبة الخلاص للبنان، ولكن أي قروض أو هبات من دون إجراءات تصحيحية في البنية الاقتصادية اللبنانية، لا يعوّل عليه حسب المحللين.