الدولار اللغز والمناكفة السياسية

12 مارس 2016
استمرار أزمة الدولار في مصر (فرانس برس)
+ الخط -

 

ما هي اتجاهات سعر الدولار في مصر خلال الفترة المقبلة، خاصة بعد تراجعه المفاجئ نهاية الأسبوع الماضي وفقدانه نحو جنيه واحد من قيمته خلال أيام وبما يعادل نحو 10%؟

لم يتوقف بريدي الإلكتروني وصفحتي على الفيسبوك وهاتفي المحمول عن استقبال هذا السؤال الذي بات يشغل بال شريحة كبيرة من المصريين، ومن هذا السؤال الكبير تتفرع أسئلة فرعية كثيرة يطرحها الشخص حسب اهتماماته وموقعه في معركة الدولار الأخيرة، مستورد وتاجر، مضارب وتاجر عملة، مستثمر وصاحب مال، مدّخر، مهتم بالشأن العام، مواطن عادي.

من بين الأسئلة الفرعية التي تلقيتها: هل سيواصل سعر الدولار هبوطه أمام الجنيه خلال الفترة المقبلة؟ أم سيصعد مرة أخرى؟ ما هي الأسباب الذي أدت الى تراجع الدولار بهذه الحدة وخلال أيام، بعد أن راهن كثيرون على مواصلة موجة ارتفاعه التي بدأها منذ شهر تقريباً؟ هل التحسن الأخير في سعر الجنيه المصري يعني أن موجة ارتفاع الدولار توقفت ولن تعود مرة أخرى؟

ومن بين الأسلة كذلك: ما دور الإجراءات الأخيرة التي قام بها البنك المركزي المصري وإطلاقه الحد الأدنى والأقصى في عمليات السحب من البنوك في تهدئة مخاوف سوق الصرف ووقف موجة ارتفاعات الدولار الجنونية؟ ما دقة ما تردد من أن هناك تحسنا في مؤشرات الاقتصاد المصري وسيولة طازجة بالنقد الأجنبي تم ضخها بالأسواق هو من دعم قوة الجنيه؟ هل سيتبع هبوط الدولار الأخير تراجع في أسعار السلع التي زادت بمعدلات قياسية خلال الفترة الماضية؟

بل إن السؤالين الأكثر أهمية بالنسبة للكثير هما: متى موعد الموجة القادمة لارتفاع الدولار وسقفها، وهل نبيع الدولارات التي في حوزتنا حالياً أم نبقي عليها لحين تحسن أسعار العملة الأميركية أو الورقة الخضراء كما يطلق عليها المصريون؟

وقبل الإجابة عن الأسئلة السابقة، دعونا هنا نؤكد أن التذبذبات العنيفة في أسعار الدولار التي جرت خلال الأيام الماضية أصابت الكثيرين بالذهول والحيرة وربما الخوف على مستقبل البلاد، وفي المقابل أصابت آخرين بسعادة بالغة لتحقيقهم أرباحاً سريعة بلا تعب وفي وقت قياسي.

اقرأ أيضاً: مصر تواجه مأزقا اقتصاديا مع أوروبا

وإزاء هذه القضية الخطيرة، دعنا هنا من رصد العواطف وردود الفعل السريعة تجاه أزمة اقتصادية ومالية حادة تكاد تعصف بالاقتصاد من حين لآخر، ولنبحث في توقعات المرحلة القادمة، مع رصد المواقف الأخيرة المتباينة تجاه تحركات سعر الدولار لنبني عليها مستقبلاً.

وسأكتفي هنا برصد مواقف 3 قطاعات بالمجتمع يجب على صانع القرار وضعها في الاعتبار عند بحث أزمة الدولار، وهذه المواقف هي:

* القطاع الأول من الجمهور راهن على استمرار ارتفاع الدولار، بل وتمنى ذلك انطلاقا من مبدأ المناكفة السياسية والمكايدة للنظام الحاكم، والتأكيد على فشل النظام في إدارة شؤون البلاد، وعدم قدرته على ضبط أوضاع البلاد الاقتصادية، وهذا الفريق قد تدفعه حالة المناكفة إلى تجاهل حقيقة مهمة وهي أننا إزاء قضية اقتصادية خطيرة لا بد أن يتكاتف الجميع للبحث لها عن مخرج، لأن المواطن، وليس النظام الحاكم، هو المتضرر الأكبر منها، فالمواطن هو من يكتوي بنيران الأسعار، أما الحكومة والنظام فلن يجوعا مثلاً، ولن يجدا صعوبة في الحصول على سلع وأنبوبة غاز مجانية أو بسعر مخفض.

* القطاع الثاني من المصريين تمنى استمرار ارتفاع الدولار، بل ووصول سعره إلى 15 جنيها للدولار، وهؤلاء هم فئة المنتفعين مادياً من الأزمة وهم كثر حيث زاد عددهم في الفترة الأخيرة: المصدّرون، المضاربون وتجار العملة سواء كانوا تجار ذهب أو أصحاب بازارات سياحية أو شركات صرافة وسياحة وحتى أفراد عاديون، والربح السريع هو ما يحرك كل هؤلاء، وهؤلاء لا يعنوني عند مناقشة تداعيات أزمة الدولار الأخيرة.

* القطاع الثالث هو الذي وضع يده على قلبه خوفا من تعرّض الاقتصاد المصري للانهيار، لا قدّر الله، بسبب انهيار العملة المحلية، وخروج مستثمرين من السوق عقب تعرضهم للافلاس، وربما تعثر بعض وحدات القطاع المصرفي، وما يتبع ذلك من تداعيات خطيرة على المواطن العادي من حيث ارتفاع الأسعار والخدمات بفعل التضخم وسوء أحواله المعيشية وتآكل مدخراته بالبنوك وتفاقم مشكلة الدين الحكومي.

أما عن توقعات اتجاهات أسعار العملة الأميركية في مصر، فإن أزمة الدولار ستظل مستمرة لشهور قادمة ومصدر قلق لصانع القرار في البلاد، طالما استمرت أسبابها المتمثلة في تراجع إيرادات موارد النقد الأجنبي من أنشطة رئيسية، مثل السياحة والاستثمارات الأجنبية والصادرات وتحويلات العاملين بالخارج وقناة السويس، إضافة لضعف الإنتاج واستمرار إغلاق نحو 5 آلاف مصنع.





اقرأ أيضاً:
إحياء قانون يخفض رواتب موظفي مصر
تقرير أميركي: أزمة الدولار تهدد الاقتصاد المصري

المساهمون