ولطالما ارتبط سؤال كيف ينفق المصريون رواتبهم بأذهان كثيرين في ظل الغلاء الفاحش، وهو ما دعا المقاول والفنان محمد علي إلى طرح السؤال ذاته في أحد تسجيلاته المصورة، التي أربكت نظام السيسي على مدار ما يقرب من شهر.
فقد وجه المقاول المصري سؤالاً للسيسي وحكومته والإعلاميين المؤيدين للنظام، حول كيف تعيش أسرة مصرية مكونة من 4 أفراد بالحد الأدنى للأجور الذي حددته الدولة بنحو 2000 جنيه شهرياً (123 دولاراً) وكيفية إنفاق هذا المبلغ على البنود المعيشية الرئيسية من طعام وسكن وعلاج وتعليم وتنقل وغيرها.
وحتى الآن لم يخرج مسؤول حكومي واحد، ليجيب عن السؤال الذي ظل ملازماً لملايين الأسر على مدار الشهر تلو الآخر خلال السنوات الست الأخيرة، قبل أن يوجهه المقاول المصري إلى النظام.
ويظهر رصد لـ"العربي الجديد" أن أسعار السلع الغذائية التي تستحوذ وحدها على ما يقرب من 40 في المائة من إنفاق المصريين، قفزت بنسبة تصل إلى 300 في المائة في العديد من السلع، كما قفزت أسعار المنتجات البترولية بما يقرب من 800 في المائة والكهرباء نحو 400 في المائة، فضلاً عن استبعاد ملايين المواطنين من دعم البطاقات التموينية.
وفي مقابل هذه الزيادات، خرجت الحكومة في يوليو/ تموز الماضي لتعلن زيادة الحد الأدنى للأجور من 1200 جنيه إلى 2000 جنيه شهرياً، وهو مبلغ يكفي بالكاد الاحتياجات الأساسية فقط لأسرة مكونة من فردين بالغين وفق البيانات الحكومية.
وفي تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي في يوليو/ تموز الماضي، حول الدخل والإنفاق والاستهلاك للعام المالي 2017/ 2018، اتضح أن الأسرة المكونة من فردين بالغين وطفلين تحتاج إلى 2691 جنيهاً، فيما تحتاج الأسرة المكونة من فردين بالغين وثلاثة أطفال إلى 3225 جنيها في الشهر.
وبحسب التقرير فإن النسبة الكبرى من رواتب المصريين تذهب في بند الطعام والشراب بمعدل متوسط 37.1 بالمائة، ثم 18.6 بالمائة إلى المسكن ومستلزماته، ثم الخدمة والرعاية الصحية بنسبة 9.9 في المائة، والتنقلات بنسبة 6.1 بالمائة، ثم الملابس بـ 4.8 بالمائة.
وأشار التقرير إلى أن نسبة الفقراء خلال ذلك العام هي الأعلى مقارنة بالأعوام العشرين السابقة، إذ بلغت معدل 32.5 بالمائة، مقابل 27.8 في المائة في تقرير 2015، بينما يشير خبراء اقتصاد إلى أن النسبة الحقيقية تتجاوز هذه المعدلات كثيراً.
ورغم أن بيانات الجهاز الحكومي أشارت إلى الصعوبات المعيشية التي يواجهها المصريون إلا أن محللين يؤكدون أنها لم تنقل الصورة بشكل كامل، إذ إن الحد الأدنى للأجور المقدر بألفي جنيه لا يكفي احتياجات فرد بالغ وليس أسرة مكونة من فردين بالغين.
وقال عادل محمود الذي يعمل محاسبا في إحدى المؤسسات الحكومية إن أسرته مكونة من 4 أفراد ومعدل إنفاقه الشهري لا يقل عن 4 آلاف جنيه، وذلك على الاحتياجات الأساسية فقط من طعام وتنقل، دون أي بند آخر، بما فيه العلاج حال مرض أي فرد من أفراد الأسرة، مشيرا إلى أن راتبه لا يصل إلى ثلاثة آلاف جنيه رغم أنه يشرف على التقاعد، وأنه يغطي احتياجاته بالعمل في دوام جزئي كمدقق مالي في إحدى شركات القطاع الخاص بعد انتهاء دوامه في العمل الحكومي.
ووفق البيانات الحكومية، ارتفع متوسط الإنفاق السنوي الكلي للأسرة في العام المالي 2017 /2018 إلى 51.4 ألف جنيه بواقع 4283 جنيها شهريا، مقابل 36.7 ألف جنيه في عام 2014 /2015.
ويزداد الوضع سوءا بالنسبة لأصحاب المعاشات (المتقاعدين)، الذين يقدر عددهم بنحو 9.8 ملايين شخص، حيث يصل الحد الأدنى لمعاش الفرد إلى 900 جنيه (55.3 دولارا)، بعد الزيادة التي جرى أقرت في يوليو/ تموز الماضي مقابل 750 جنيهاً سابقاً.
وفي دراسة للدكتورة هبة الليثي أستاذ الإحصاء بجامعة القاهرة، جرى استعراضها خلال ندوة للمركز المصري للدراسات الاقتصادية في 25 سبتمبر/ أيلول الماضي، تبين أن 52 في المائة من الفقراء في المناطق الريفية لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من الغذاء وغيره، مشيرة إلى أن ثلثي الفقراء في مصر يسكنون الريف.
ويعد الحد الأدنى للأجور في مصر من الأقل عربياً، وفق رصد لـ"العربي الجديد"، ففي لبنان يصل إلى 450 دولاراً شهرياً، وفي فلسطين 400 دولار، وليبيا 340 دولاراً، والمغرب 325 دولاراً، والأردن 311 دولاراً، والعراق 300 دولار، والجزائر 180 دولاراً.
وعلى المستوى الإقليمي، يبلغ الحد الأدنى للأجور في تركيا 375 دولاراً شهرياً، وإيران 360 دولاراً. أما عالمياً، فيصل في إسبانيا إلى 1180 دولاراً، وفرنسا 1796 دولاراً، والولايات المتحدة 2400 دولار.