بدخول صفقة تصدير الغاز الإسرائيلي لمصر حيز التنفيذ اليوم الخميس، بات أمن الطاقة المصري في خطر، خاصة أن وزير البترول، طارق الملا، اعترف صراحة، منتصف شهر أغسطس/ آب الماضي، بأن جزءا من الغاز الإسرائيلي المستورد سيوجه لتلبية احتياجات السوق المحلية.
كما تفتح الصفقة المرفوضة شعبيا في مصر الباب واسعا أمام إتمام عملية تطبيع اقتصادي تاريخية بين مصر ودولة الإحتلال، تطبيع بالإكراه مفروض على جموع المصريين، حيث أن الغاز الإسرائيلي سيتم استخدامه في طهي طعام ملايين المصريين.
كما أن الصفقة ستربط مصالح مصر الاقتصادية بإسرائيل عبر الدخول في شراكة طويلة الأجل لإسالة الغاز المستورد في مصانع مصرية وإعادة تصديره للخارج أو توجيهها للسوق المحلية في مصر.
ولم تكتف سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالسطو على 3 حقول ضخمة لإنتاج الغاز تقع بالقرب من المياه الإقليمية المصرية بشهادة خبراء طاقة، من بين خمسة حقول كبرى تقع شرق البحر المتوسط، بل إنها نجحت في أن يعرف الغاز المنهوب طريقه لبيوت ومصانع ومزارع ومتاجر المصريين، وهو ما يجعل جزءا من أمن الطاقة المصري بيد دولة الاحتلال، وأن أي خلاف بين البلدين يمكن أن ينعكس سلبا على الصناعة المصرية، خاصة الاستراتيجية المعتمدة كليا على الغاز كمصدر للطاقة، مثل مصانع الحديد والإسمنت والأسمدة والألمنيوم.
مصالح إسرائيل الاقتصادية
بإتمام صفقة اليوم، يصبح الباب مفتوحا على مصراعيه أمام إسرائيل لتصدير غازها المنهوب لأسواق العالم والمنطقة العربية، وتخطو الدولة العبرية خطوات سريعة لتصدير غازها كذلك لمصر، أكبر مستهلك للطاقة في منطقة الشرق الأوسط.
فقد تمت إزالة آخر عقبة أمام تصدير الغاز الإسرائيلي للقاهرة عبر إعلان شركات: ديليك دريلينج الإسرائيلية وإنرجي الأميركية وغاز الشرق المصرية عن شراء حصة رئيسية من أسهم الشركة المالكة لخط أنابيب غاز شرق المتوسط مقابل سداد 518 مليون دولار، وهو الخط الذي سيتم استخدامه في نقل الغاز الإسرائيلي لمصر ثم لأوروبا، علما أن هذا هو الخط الذي كان يتم من خلاله تصدير الغاز المصري للكيان الصهيوني حسب اتفاق أبرمه نظام مبارك مع إسرائيل في العام 2005 وكان يقضى بتصدير 1.7 مليار متر مكعب سنويا من الغاز ولمدة 20 عاماً.
واستمر تصدير الغاز المصري حتى العام 2012، لكن قيام الثورة المصرية وضغط الثوار على المجلس العسكري الحاكم حينئذ وتفجير خط نقل الغاز المملوك لرجل الأعمال حسين سالم ومستثمرين إسرائيليين مرات عديدة عجل بايقاف صفقة تصدير الغاز المصري لإسرائيل.
وبإتمام صفقة اليوم واستحواذ شركات مصرية وإسرائيلية على خط نقل الغاز، يتعزز موقف إسرائيل المالي والاقتصادي بقطف ثمار استخراج الغاز المنهوب من حقول البحر المتوسط القريبة من لبنان وقبرص ومصر، ويتحقق حلم إسرائيل التاريخي في أن تصبح المصدر الأول لإنتاج وتصدير الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط، كما تفرض الدولة العبرية نفسها على دول المنطقة باعتبارها منتجا رئيسيا للطاقة، وربما لاحقا مساهما رئيسيا في رسم السياسات السعرية للغاز حول العالم.
كما تبعث دولة الإحتلال، بصفقة اليوم، رسالة للأسواق مفادها أنها حسمت التوتر والصراع على غاز شرق البحر المتوسط لصالحها، وأنها فرضت أمرا واقعا، بل وتؤكد أن هناك طلبا عالميا على غازها الذي نهبته من حقول مملوكة لدول عربية، منها مصر وفلسطين ولبنان، ودول غير عربية منها قبرص.
وأخيراً، يتحقق حلم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي وصف الصفقة المبرمة بين مصر وبلاده في فبراير/ شباط الماضي بشأن استيراد الغاز بأنه يوم عيد للدولة العبرية، وأن "الاتفاقية ستُدخل المليارات إلى خزينة الدولة الإسرائيلية، وستصرف هذه الأموال لاحقاً على التعليم والخدمات الصحية والرفاهية لمصلحة المواطنين الإسرائيليين".
ألغاز صفقات الغاز
مع الإسراع في تنفيذ صفقة تصدير الغاز الإسرائيلي عبر خط بري مع مصر وآخر مع الأردن، باتت خريطة وتحركات صفقات الغاز في شرق المتوسط، خاصة بين مصر والأردن وإسرائيل، غير مفهومة لكثير من المراقبين، فمن سيصدر الغاز لمن، ولماذا الاستيراد رغم عدم حاجة بعض الدول للغاز؟ وهل القطاع الخاص الضعيف في مصر والأردن قادر على توفير 30 مليار دولار قيمة صفقتي غاز تم إبرامهما فعلا مع إسرائيل، أم أن جهات رسمية تقف وراء هاتين الصفقتين؟
وإذا كانت مصر مثلا لديها اكتفاء ذاتي من الغاز وتمتلك أكبر حقل لإنتاج الغاز في شرق البحر المتوسط بل وواحد من أكبر الحقول في العالم، فلماذا يتم إبرام صفقة استيراد طويل الأجل مع إسرائيل؟
وإذا كانت السوق المصرية تعاني حاليا من نقص في الغاز تجري تغطيته عبر الاستيراد من الخارج، بل وترفع الحكومة أسعار الغاز للمنازل والمحال التجارية والمصانع عدة مرات في إطار خطة تقليص الدعم المقدم للوقود، فلماذا تصدر في المقابل الغاز الطبيعي للأردن؟
وزير البترول المصري، طارق الملا، خرج عدة مرات، آخرها يوم 15 أغسطس الماضي، بتصريحات قال فيها إن مصر ستحقق الاكتفاء الذاتي من الغاز خلال الفترة القليلة المقبلة، على أن يتم تصدير الفائض منه مع بداية يناير/ كانون الثاني 2019.
كما أعلنت الحكومة المصرية مرات عدة عن تحقيق فائض في إنتاج الغاز بداية من نهاية العام الجاري أو على أقصى تقدير بداية 2019، وأنها ستتوقف عن الاستيراد، بل وستقوم بتصدير الغاز من حقل ظهر الواقع شمال شرق السواحل المصرية، وفي المقابل يبرم القطاع الخاص المصري بداية العام صفقة ضخمة يتم بموجبها استيراد الغاز الإسرائيلي لمدة 10 سنوات وبقيمة 15 مليار دولار.
ومع الهجوم الشديد على إبرام صفقة استيراد مصر للغاز الإسرائيلي، يتم تبريرها من قبل السلطات المصرية بأن الغاز المستورد من الدولة العبرية سيوجه للتصدير لدول أوروبا بعد معالجته في معامل تقع غرب مدينة الإسكندرية، وأن الصفقة ستحول مصر لمركز إقليمي لتداول وتوزيع الطاقة، وأن الصفقة تعد قيمة مضافة للاقتصاد المصري.
لكن لم تمر أسابيع على هذه التصريحات حتى خرج وزير البترول المصري، منتصف أغسطس الماضي، بتصريح لافت يقول فيه إن مصر ستستخدم جزءا من الغاز الإسرائيلي المستورد في السوق المحلية، وهو ما كانت تنفيه السلطات وبشدة في وقت سابق.
وفي الوقت الذي تستورد فيه مصر الغاز من إسرائيل، حسب الصفقة التي من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ خلال أسابيع، تعلن الأردن في المقابل أنها ستبدأ استيراد الغاز المصري. وحسب تصريحات وزيرة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية، هالة زواتي، يوم 26 سبتمبر/ أيلول، فإن مصر بدأت بالفعل بتزويد المملكة بكميات من الغاز بناء على تفاهمات تمت مع مصر خلال زيارتها إلى القاهرة مطلع أغسطس الماضي.
وبغض النظر عن أسرار صفقات الغاز في المنطقة التي لم يتم كشف النقاب عنها بعد، ولماذا تستورد مصر الغاز الإسرائيلي رغم إعلانها مرات أنها ستكتفي ذاتيا من الغاز خلال أسابيع، فإن إسرائيل باتت تسرق الغاز العربي في وضح النهار، وتعلن عن إبرام صفقات لتسويقه وبيعه لمصر والعالم في وضح النهار، أيضًا، دون رادع من أحد، وبدلاً من أن ترد الحكومات بحزم على عمليات النهب المستمرة من قبل الكيان الصهيوني خلال السنوات الماضية راحت تبرم صفقة لاستيراد غازها المسروق.