السوريون ينشدون المساعدة وسط ارتفاع الأسعار المضاعف بسبب كورونا

03 ابريل 2020
السوريون متروكون والنظام يستغل كورونا (Getty)
+ الخط -
يزداد الوضع المعيشي للسوريين تدهوراً، بعد منع التجول والسفر وتوقف المنشآت والأعمال اليومية ولزوم السوريين منازلهم، لتضاف المعاناة اليومية بتأمين الرغيف في مجتمع تزيد نسبة البطالة فيه عن 83% والفقر عن 90%، إلى مخاطر الموت التي يحملها "فيروس كورونا" بعدما اعترف النظام بتفشيه وإعلان أول وفاة لسيدة من ريف دمشق أخيرا.
وفي حين ناشد المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية غير بيدرسن، مجلس الأمن، أول من أمس، مساعدة المانحين التقليديين لسورية، يصبح السؤال الأكثر إلحاحاً: أين رجال الأعمال السوريين من حاجة الشعب الذي لزم البيوت؟ وارتفعت أسعار السلع والمنتجات الاستهلاكية، بحسب مصادر من دمشق، بأكثر من 35% خلال شهر مارس/ آذار الماضي، ليزيد سعر كيلوغرام البطاطا عن ألف ليرة والبندورة عن 700 ليرة (نحو 1.3 دولار أميركي)، ويصل سعر كيلوغرام الأرز إلى 1300 ليرة ولحم الفروج إلى 1500 ليرة والضأن إلى أكثر من 10 آلاف ليرة سورية (الدولار = 1205 ليرات سورية).
وتضيف المصادر: ربما يمكن الاستغناء عن كل شيء عدا الخبز، الذي زاد سعر "الربطة" أقل من 2 كلغ منه عن 350 ليرة، مع شح الخبز بالأفران، ما يجعل الطوابير تمتد لمئات الأمتار أمامها، "فكيف تمنع الدولة التجول والسفر كي لا يختلط الناس وتدفع الآلاف إلى أبواب الأفران لتأمين قوت أولادهم أو إلى المصارف لاستلام الأجور، كما حدث مع المتقاعدين قبل أيام؟".

وتفيد المصادر بأن "السوق صارت غابة اليوم، والكل يبحث عن مصالحه"، داعية إلى تدخل رجال الأعمال الوطنيين لمساعدة الشعب والتجار لوقف الجشع، ومطالبة الحكومة بتقديم بدائل كقروض أو رفع الرواتب التي لا تصل إلى خمسين ألف ليرة، في حين أن مصروف الأسرة اليوم بواقع الغلاء يزيد عن 400 ألف ليرة.

وتلفت المصادر، من العاصمة السورية دمشق، إلى أن القطاع الخاص تخلى عن معظم عمالته، عبر إجازات بلا راتب، ولم تقدم الحكومة سوى الوعود، سواء على صعيد تقديم قروض مصرفية أو مراقبة الأسواق وتأمين السلع وضبط الأسعار.
وكانت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل بحكومة بشار الأسد، ريما القادري، قد أشارت بعد اجتماع مجلس الوزراء الأخير، إلى أن الحكومة وافقت على إعداد قاعدة بيانات حول عدد العمال المتوقفة أعمالهم بسبب الإجراءات الاحترازية لمواجهة كورونا، بهدف منحهم معونة تعطل من "الصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية".

ودرس مجلس الوزراء خطة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لتوجيه صندوق الدعم ‏الاجتماعي نحو تعويض العمال الأكثر تضرراً من الإجراءات الاحترازية.

وتقرر تشكيل فريق متخصص من وزارات "الشؤون الاجتماعية والعمل" و"التجارة الداخلية وحماية المستهلك" و"المالية" و"الصناعة" و"الاقتصاد والتجارة الخارجية"، لدراسة المقترحات الخاصة بتعويض العمال المتضررين. ولكن لم يصدر شيء حتى اليوم، بحسب ما تؤكد المصادر.

وحول تسريح عمالة القطاع الخاص، قال رئيس مجلس الوزراء بحكومة الأسد، عماد خميس، إنه على اتحادات غرف الصناعة والتجارة والزراعة والسياحة والحرفيين وكل الاتحادات الاقتصادية والمهنية التقيد المسؤول بتطبيق أحكام قانون العمل رقم 17 لعام 2010، وخاصة ما يتعلق منها بالحفاظ على حقوق ومكتسبات العاملين في ظل توقف بعض المنشآت الخاصة.
وقدّم رجل الأعمال السوري رضوان المصري، بتاريخ 19 مارس/آذار الماضي، وقبل أن تعلن حكومة بشار الأسد عن أي إصابة بفيروس كورونا، فندق "مطار دمشق الدولي" الذي يستثمره إلى وزارة الصحة بحضور مندوب عن وزارة السياحة، بحسب وثيقة اطلع عليها "العربي الجديد".

ويقول المصري، في تصريح خاص لـ"العربي الجديد": قدمت الفندق المصنف 4 نجوم "بلاس" وأستثمره وفق عقد "B.O.T" منذ عام 2006 عبر سوق الاستثمار السياحي الأول، ولمدة 30 سنة، لوزارة الصحة، ليكون بديلاً عن مركز الحجز "الدويّر" أو إلى جانبه، تفادياً لأي تطور في الإصابات.

ويضيف المصري أن الفندق المهمل منذ 27 سنة، تبدلت جميع معالمه منذ استثمرته، وزاد عدد الغرف من 40 إلى 80 غرفة بتكاليف وصلت إلى نحو 5 ملايين دولار، وهو جاهز لاستقبال المصابين أو المشتبه بإصابتهم.

وحول ما تناقلته بعض وسائل الإعلام بدمشق عن أن العقد منتهٍ ويحق لوزارة السياحة استخدام الفندق خلال الطوارئ، يؤكد المصري أن العقد ساري المفعول وأنه قدم الفندق "لأهل بلده"، مشيراً إلى أن محافظ مدينة دمشق اتصل ليتأكد من تقديم الفندق لوزارة الصحة، وذلك بعدما تقدم بكتاب لرئيس حكومة بشار الأسد ليكون الفندق بديلاً مؤقتاً عن مركز الحجر (الدوير).

ويكشف المصري لـ"العربي الجديد"، أنه تقدم بمشروع، أول من أمس، لتجميع وتصنيع وتقديم أول 100 آلة تنفس طبية سورية مجاناً، داعياً من يمتلك خبرة من المهندسين والتجار والفنيين، لاستيراد القطع ويتعهد بتقديم المال والمكان اللازم لتصنيع هذه الآلات.

وتكشف مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، أن رجل الاعمال السوري، محمد حمشو، وضع جميع إمكانيات مجموعة حمشو الدولية في خدمة محافظة دمشق لتعزيز الإجراءات الاحترازية في مواجهة وباء كورونا.

وتشير المصادر إلى أن المجموعة قدمت ما تحتاجه محافظة دمشق من الإمكانات اللوجستية والبشرية والمادية في خدمة المجتمع السوري، والبدء سيكون بتوزيع المواد الغذائية والأولية والمعقمات ووسائل الحماية، عبر موظفي المجموعة وعلى نفقتها، ولكن تحت إشراف المحافظة وعبر لجان تشكلها.

كما جاءت مبادرة من رجل الأعمال فادي محمد عيسى، في مدينة طرطوس الساحلية، عبر تبرعه بمبلغ 100 مليون ليرة سورية لتوزيعها على المحتاجين والفقراء، سواء على شكل أموال نقدية أو سلال غذائية.

وتم تشكيل لجان، بحسب مصادر إعلامية، لتوزيع ما تبرع به رجل الأعمال عيسى، الذي أكد خلال تصريحات صحافية، أن "المبادرة ليست فقط اليوم بل ستكون مستمرة لمدة شهر".

كما أعلن لاعب المنتخب السوري لكرة القدم، حمود المواس، عن مساعدة 500 عائلة محتاجة في مدينة حماة. وكتب "المواس" عبر صحفته على فيسبوك: "أنا اللاعب محمود المواس، أعلن مساندتي لبلدي سورية بكافة الإجراءات المتخذة لتفادي انتشار فيروس كورونا، وبِظل هذه الظروف الاستثنائية أعلن مساندتي ومساعدتي لـ500 عائلة محتاجه في مدينه حماة".
ويكشف رجل أعمال سوري طلب عدم ذكر اسمه، أن الصناعيين والتجار التقوا مراراً لتشكيل مبادرات وتقديم المساعدات للشعب السوري، ولكن تدخل النظام وفرضه تشكيل لجان تستلم وتوزع المساعدات، جعل الكثيرين يحجمون ويبادرون بشكل شخصي ومباشر "لأن اللجان ستميّع المبادرات وتشارك الفقراء فيها".

ويضيف رجل الأعمال لـ"العربي الجديد": نحن الآن بصدد التواصل مع التجار والصناعيين والمقتدرين مادياً، لإنشاء حساب وطني لدى جميع المصارف العامة والخاصة، وتكون إدارته "بيد أمينة"، بهدف المساهمة في تخفيض أسعار المواد الطبية والغذائية، أو دفع تعويضات للمواطنين.

ويعتبر العديد من رجال الأعمال الذين تواصل معهم "العربي الجديد"، أن تدخل حكومة الأسد وتشكيل اللجان، كان السبب الأهم لإحجام كثيرين، كاشفين أن "الدولة فرضت على المحافظين إصدار أوامر إدارية لتشكيل لجان برئاسة نائب المحافظ وبعضوية أعضاء بحزب البعث الحاكم، لاستلام المعونات وتوزيعها، وتخالف كل من يتقدم بمبادرات وتوزيع مساعدات خارج تلك اللجان".

ويفيد هؤلاء بأن "الحس الوطني" تراجع لدى كثير من التجار والصناعيين، خاصة الجدد الذين كونوا ثرواتهم جراء الحرب والتشارك مع النظام "بل على العكس، هم يرفعون الأسعار ويحتكرون المواد اليوم وعلى مرأى الدولة".

بدوره، يقول رئيس مجموعة عمل اقتصاد سورية، أسامة القاضي: "من المستغرب أن طبقة التجار التي اجتمعت من أجل حملة (ليرتنا عزتنا) اختفت في زمن كورونا لمساعدة الشعب السوري، كما تخلت أصلاً عن الحملة وانتهت بانتهاء المؤتمر الصحافي الاستعراضي".
ويضيف رئيس المجموعة الاقتصادية المختصة بالأبحاث والدراسات الاقتصادية، أن إحجام وتواري رجال الأعمال، دلالة على أن معظم تلك الطبقة منقطعة أصلاً عن الشعب لأنها لم تنبت بشكل طبيعي من ذلك النسيج المجتمعي الوطني، ولا تعنيها جائحة ولا محنة.

ويشير القاضي إلى أن سورية وخلال أربعينيات القرن الماضي، نظمت فيها البرجوازية الوطنية من تجار سورية الأوائل، أمثال وهبي الحريري ومحمد سعيد الزعيم، حملة إنقاذ وطنية لتأمين ذهب يعادل كمية العملة السورية التي طبعها خالد العظم آنذاك، بينما يقف النافذون اليوم من أبناء "الشركات القابضة وشركاء النظام وتجار الحرب" ليتفرجوا على السوريين في محنتهم، بل على العكس، يرى بعضهم في الأزمة وفقر السوريين وعوزهم فرصة لتحقيق مصالح خاصة وزيادة الأرباح.

وحول مبادرات حكومة الأسد، يقول القاضي: لولا أن نظام الأسد موعود بالمساعدات الدولية والخليجية، لما أعلن أصلاً عن وصول الفيروس أو موت ثاني حالة، أمس الاثنين، "النظام يلعب على كورونا لأمرين، الأول لمّ التبرعات، والثاني إلغاء العقوبات، ولا يهمه ما عداهما".

ويرى الباحث السوري، ابراهيم الجبين، أن المبادرات القليلة التي تقدم بها رجال أعمال سوريون، لا ترقى لمستوى الوباء والحاجة ولا تعكس طبيعة وذهنية رجال الأعمال السوريين، فعلاقة التجار السوريين بالسلطة، بحسب الجبين، علاقة معقدة للغاية، وهي علاقة آتية من فهم تجار الشام القدامى لدور الاستقرار في إنعاش رأس المال والنمو الاقتصادي. 

وهذه المعادلة جنوا ثمارها الاقتصادية والاجتماعية على مر عقود، فكانت الأنساق الاجتماعية محكومة باستمرار بضرورة تدخل التجار في جميع مراحل حياة السوري، صبياً ثم شاباً ثم زميلاً في تجارته التي سيدعمه بها الكبار. غير أن هذا الدور انقطع مرات عدة خلال التاريخ الحديث.

ويتابع الجبين لـ"العربي الجديد"، أنه بعد الكارثة الاقتصادية التي سمّيت زوراً "طوشة النصارى" في عام 1863، حين تم تدمير المركز الاقتصادي العالمي "دمشق" والتي كانت نقطة مهمة في تجارة نفط ذلك الزمان "الحرير". وما نجم عن ذلك من تجريف الطبقة العليا لتجار دمشق بنفي أكثر من 2500 من الأعيان الدمشقيين خارج البلاد كعقاب جماعي للمدينة على الأحداث التي جرت فيها آنذاك. ما أدى لصعود نخبة تجار بديلة، سرعان ما حلت محلّ أصحاب التقاليد التي كانت تحفظ ميزان العلاقة الثلاثية ما بين "التجار والمجتمع والسلطة". ولكن خلال العقد الثاني من القرن العشرين، عادت وتشكلت الطبقة القديمة ومع اقترابنا من زمن الاستقلال كانت البرجوازية الدمشقية قد هيمنت على الحياة العامة، اقتصادياً وسياسياً. ولم يكن ذلك ببعيد عن المناطق السورية كافة، حين اختلط الإقطاع والاشتراكية في شخص واحد مثل أكرم الحوراني الذي تنازل عن أملاكه للفلاحين في حماة. 
ويضيف المتحدث، وبقي ذلك التوازن قائماً حتى انهار على يد العسكر في فرضهم الوحدة مع مصر عبدالناصر، وما تبعها من قرارات تأميم للمصانع والشركات وتدمير كامل للاقتصاد السوري ونفي جديد لرجال الأعمال الذين مثلوا الضمانة الاجتماعية الراسخة في عملهم السياسي سابقا.

ولم يكد السوريون يلتقطون أنفاسهم بعد الانفصال وعودة الحياة أو محاولة إعادتها للمشهد الاقتصادي والسياسي السوري، حتى وقع انقلاب البعث في عام 1963. وكانت تلك النهاية الحقيقية للبرجوازية في سورية، لتنتهي معها جميع أدوار رجال الأعمال التي لم تكن تنحصر في الربح من الناس فقط، بل في تأمين قدرتهم على الحياة والشراء من بضائع التجار ذاتها.
 
ومنذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، عمل نظام الأسد الأب والابن على تصنيع برجوازية بديلة، لتكون أحد أعمدة نظام الحكم. فظهرت شخصيات ورجال أعمال وظواهر اقتصادية قصيرة العمر، لم يكن يسمح لها بالنمو أكثر مما ينبغي، رغم محاولاتها التشبه بالنمط القديم، لكن من دون التفكير بالقيام بأي واجبات مجتمعية تساعد الناس في الظروف الصعبة والطارئة.
 
ويحسب الجبين، نشأ خلل كبير دفع السوريون ثمنه مضاعفاً، فهم محرومون من سقفهم الاقتصادي المستقل عن الدولة التي تحولت إلى "أكبر تاجر" في سورية، وفي غياب القانون، تحولت الدولة ذاتها واختصرت بالرئيس وأسرته وأقاربه، فغاب المجتمع السوري بالكامل. وبات دور رجال الأعمال التغطية على النظام، وشرعنة وجوده ونهبه لخيرات البلاد، وغسل أموال قادمة من التهريب ومن عمليات غير نظيفة ومن الفساد عموماً الذي ابتلع كل شيء. 

ولذلك، يعجز كثير من رجال الأعمال السوريين اليوم سواء كانوا في الداخل السوري من الموالين للأسد أو حتى من أولئك المعارضين له والذين يعيشون خارج سورية، عن فهم الدور المنوط بهم، فيذهبون إلى العمل الخيري بصورة غير منتجة، لا تعلم الفقراء صيد السمك، بل تلقمه لهم في أفواههم، حتى ينفد، وفق الباحث السوري. مضيفاً "حينها لا نحصل على ضمانة اجتماعية كافية ومستدامة. وفي أحيان أخرى يجدون أنفسهم في موضع السياسيين متوهمين أن قدراتهم المالية كفيلة بتعزيز مكانتهم في التاريخ السياسي السوري في هذه اللحظة. وكان هذا يفشل باستمرار لأن البرجوازية الحقيقية لم تبنِ ما بنته من حضور بفضل أموالها فقط، بل بفضل وعيها لدورها واستعدادها الكافي للقيام بذلك الدور".
المساهمون