تتزايد تداعيات فيروس كورونا، على الدول المنتجة للنفط، مثل الجزائر التي تتصدر قائمة الدول الأكثر تضرراً، وسط سيناريوهات تشاؤمية للأشهر المقبلة.
تطورات خلطت حسابات حكومة الرئيس عبد المجيد تبون الأولى، التي تعاني أصلاً من شحّ الموارد لترجمة برنامجه الانتخابي، لتكون بذلك حكومة عبد العزيز جراد، ضحية "حرب الأسعار" التي أشعلتها السعودية، ولا تملك إلا الوقوف كمتفرج على تطور الأحداث في الأسواق العالمية.
أحدث الاضطراب الشديد في سوق النفط، انشقاقا داخل تحالف استمر نحو عامين بين منظمة أوبك والمنتجين من خارجها، وعلى رأسهم روسيا، ما يدفع نحو دخول الدول المصدرة في حرب أسعار لجذب الزبائن، الذين يتراجع طلبهم بالأساس، في ظل تباطؤ الاقتصاد العالمي، بفعل الشلل الذي تسبب فيه فيروس كورونا، للكثير من القطاعات الإنتاجية والخدمية الحيوية في مناطق متفرقة من العالم.
وهوت أسعار النفط نحو 30%، أمس الاثنين، لتجد الجزائر نفسها ضحية وسط حرب أسعار، بين عمالقة الإنتاج، السعودية وروسيا، وتقف تتفرج على حرب لا حول ولا قوةً لها فيها، إلا أن تتحمل الخسائر.
فالاقتصاد الجزائري الهش يعتمد على عائدات النفط التي تمثل أكثر من 93% من إيرادات البلاد من العملة الصعبة، ما يعني تراجعاً مرتقباً لمداخيل النفط، وسيزداد حجم الضغط على احتياطي الصرف، المُتبخر بسرعة فاقت توقعات الحكومة، بعدما هوى إلى 62 مليار دولار.
إرث بوتفليقة
وبالحديث عن توقعات الحكومة، وبالضبط حكومة جراد التي تعاني من الإرث الذي تركته حكومات الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، التي بنت ميزانية الدولة على سعر مرجعي لبرميل النفط عند 50 دولاراً، ما يعني أن جراد ووزراءه، مضطرون إلى مراجعة حساباتهم المالية، وخصوصاً أن الميزانية ستعاني من ضغط، في وقت تحتاج فيه الحكومة لأموال ضخمة لتطبيق برنامج عملها الخماسي المقدرة فاتورة ترجمته بأكثر من 250 مليار دولار.
وقال الخبير الاقتصادي جمال نور الدين إن "السيناريو يتكرر كل مرة، كما حدث سنة 2015، أسعار النفط تتهاوى، وتخلط حسابات الحكومة، بالتأكيد هامش تحرك حكومة جراد ضيق، حتى لا نقول إنه منعدم، ولا ندري إلى أي مدى ستتواصل أزمة النفط، وفيروس كورونا".
وكانت الجزائر قد خسرت السنة الماضية 6 مليارات دولار، في فاتورة الصادرات، بعدما تراجعت إلى 35 مليار دولار مقابل 41 مليار دولار في 2018، بانخفاض نحو 25%، حسب إحصائيات رسمية، وذلك بعد تواصل انهيار إيرادات النفط، الذي هوت صادراته من 38.87 مليار دولار في 2018، إلى 33.24 مليار دولار في 2019 بتراجع 14%، ما ينذر بسنة مالية صعبة في انتظار البلاد، إذا استمر تهاوي أسعار النفط تحت 50 دولار للبرميل.
وأضاف نور الدين لـ"العربي الجديد" أن "الجزائر لا تزال رهينة النفط، بعد قرابة 60 سنة من الاستقلال، وما زلنا لا نحفظ الدروس، للأسف أزمات 1986 و1996 و2014 لم نستخلص منها العبر".
وإذا كان الشق الداخلي من أزمة النفط، يمكن الحكومة مسايرته، يبقى الشق الخارجي الذي لا تملك الجزائر فيه حولاً ولا قوة، ويتعلق بتأثير البلاد في الأسواق العالمية، فطاقة إنتاجها تجعلها في دول الصف الثاني، سواء داخل منظمة "أوبك" أو خارجها.
وعن ذلك، يقول الخبير في شؤون الطاقة، مهماه بوزيان، إن "الجزائر لا تؤثر في الأسواق العالمية، بإنتاج لا يتجاوز مليون برميل يومياً، مقارنة بالسعودية وروسيا بأكثر من 10 ملايين برميل يومياً لكل منهما".
وأضاف أن "السعودية مثلاً تعتمد على سياسة الحفاظ على الزبائن، بتخفيض السعر، عكس الجزائر التي تعتمد على سياسة رفع السعر، بالنظر لقدرتها الإنتاجية الضعيفة التي تجعلها تحاول أن تستفيد من أسعار مرتفعة إلى أبعد حد ممكن".
شح الموارد
وسيكون الامتحان الحقيقي للحكومة الجزائرية، إيجاد الموارد لتسيير الدولة، المتميز أصلاً بارتفاع الإنفاق العام، مع توفير موارد مالية أخرى تترجم بها سقف تحدياتها وتعهداتها المرتفع في برنامج عملها، سواء السياسية أو الاقتصادية وحتى الاجتماعية، من خلال مراجعة السياسة المالية، وانتهاج سياسة شد الحزام، مع تبني خطة الحكومات السابقة المتعلقة بالانتقال من الدعم العام للأسعار والخدمات، إلى الدعم الموجه للطبقات الهشة، من أجل إحداث عدالة اجتماعية.
وتمرّ عملية الانتقال عبر الإبقاء على الدعم بشكله الحالي، إلى حين إحصاء أصحاب الحق في الاستفادة من الدعم، وتعهدت الحكومة ببناء مليون مسكن في المخطط الخماسي 2020-2024.
وبقصد حماية احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي الذي يشهد تبخراً متسارعاً في الأشهر الأخيرة هوى به إلى 62 مليار دولار، تعتزم الحكومة إحداث توازن في كفتي الميزان التجاري، من خلال كبح الواردات، ودعم الصادرات خارج النفط.
وفي ما يتعلق بجيوب المواطنين المنهكة، تعهدت حكومة جراد برفع الأجر الوطني الأدنى، بما يضمن للجزائريين الدخل اللائق، بالموازاة مع إلغاء الضريبة على الدخل الإجمالي على أصحاب الرواتب التي تساوي أو تقلّ عن 30 ألف دينار (250 دولاراً).
وفي ظل شحّ الموارد المالية، ستجبر حكومة جراد على السير بخطى ثابتة نحو الاستدانة الخارجية، لمواجهة ارتفاع الإنفاق الداخلي المتوقع في السنوات الخمس القادمة، في وقت يستنزف فيه احتياطي الصرف بسرعة فاقت التوقعات، جراء تواصل تهاوي عائدات النفط للسنة السادسة على التوالي. تبخُّر زاد في سرعته ارتفاع العجز المالي في الموازنة والخزينة وحتى في الميزان التجاري.
وحسب مراقبين، ستجد الحكومة نفسها أمام امتحان صعب لإقناع المواطنين بالعودة إلى الاستدانة الخارجية بعد 16 سنة من القطيعة معها، في وقت يعيش فيه الشارع حراكاً غير مسبوق طوى عامه الأول في 22 فبراير/شباط الماضي، ويُطالب بتغيير النظام ومحاسبة رموز الفساد.
وقال عضو اللجنة المالية والاقتصادية في البرلمان الجزائري، أحمد شريفي، إن " الحكومة لم تشر إلى طريقة التمويل، فالحكومة تركت كل الأبواب مفتوحة بخصوص هذا المحور، سواء بحشد الموارد الداخلية أو اللجوء إلى التمويل التقليدي الخارجي أو غير التقليدي من طريق جلب استثمارات".
وأضاف النائب شريفي لـ"العربي الجديد" أن "موازنة 2020 رفعت القيود عن الاستدانة الخارجية، وحصرتها فقط في تمويل المشاريع الكبرى، وبالتالي وارد جداً أن تطلق الجزائر مناقصات دولية لتمويل المشاريع الكبرى، لكن أن تستدين الجزائر من أجل الإنفاق وليس الاستثمار، فهذا انتحار لا ننصح به".
ويقدر حجم العجز المُتوقع في تمويل نشاطات الدولة خلال السنوات الثلاث القادمة، بـ 55 مليار دولار حسب أرقام رئيس الحكومة عبد العزيز جراد، في وقت استقر فيه احتياطي الصرف عند 62 مليار دولار مطلع 2020، على أن يتهاوى حسب توقعات الحكومة إلى 52 مليار دولار نهاية السنة، إلا أن تقلبات أسعار النفط قد تُسرع بتآكل احتياطي الصرف بوتيرة أسرع من التوقعات الحكومية.