تجتاح أسواق إيران موجة غلاء قبيل تفعيل العقوبات الأميركية المفترضة في بداية نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، يصفها البعض بأنها مسألة نفسية فيما يرى التجار أنها ترجع إلى تدهور سعر صرف الريال. ويحدث ذلك وسط حملة يقودها مواطنون لمقاطعة شراء بعض السلع.
ووصل الحظر الأميركي مبكراً إلى إيران على رغم أن العقوبات لم تفعّل بعد، حيث لاحظ الإيرانيون ارتفاع أسعار سلع عديدة ومن بينها بضائع غذائية رئيسة خلال الفترة الأخيرة، ويتزامن ذلك مع استمرار تدهور سعر صرف الريال أو التومان الإيراني مقابل الدولار الأميركي، رغم إجراءات الحكومة التي حاولت تثبيت سعر الصرف.
فقد حدد البنك المركزي سابقاً سعر 4200 تومان أي ما يعادل 42 ألف ريال، مقابل الدولار، لكن محال الصرافة والسوق السوداء مازالت غير قادرة على التعامل بهذا السعر الذي تصفه بأنه "غير حقيقي".
وترك هذا القرار تبعات يصفها الخبراء والمسؤولون بالنفسية، ورغم أن طهران قررت فتح حوار جديد مع الأطراف الباقية في الاتفاق وعلى رأسها الأوروبية منها، أي ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، علها تبقي على بعض المكتسبات الاقتصادية عقب الانسحاب الأميركي، إلا أن انتظار دخول إعادة فرض العقوبات الأميركية المجمدة بموجب الاتفاق لحيز التنفيذ العملي، وانسحاب عدد من الشركات الغربية من السوق الإيرانية وتعليق صفقات كثيرة، ترك تأثيرات مبكرة على البلاد.
كما أجرى في ذات التقرير مقارنة لأسعار ذات المواد مع ذات الفترة الزمنية في العام الفائت، فلوحظ الارتفاع بنسب أكبر بكثير، فسعر البيض مثلاً ارتفع 50%، واللحم الأحمر 22.7%، وأسعار الفاكهة ارتفعت 17.4%.
وبإجراء جولة بسيطة وسريعة في أحد الأسواق الشعبية الموجودة في العاصمة طهران، يبدو التذمر واضحاً على المواطنين المضطرين لشراء السلع الضرورية، وخاصة أنها غذائية ورئيسة ولا يمكن الاستغناء عنها.
ويقول السيد فضلي وهو صاحب محل لبيع الخضار، إنه مضطر لتغيير لوائح وقوائم الأسعار بشكل شبه يومي تقريباً، ولا يرى أنه يتحمل المسؤولية، فهو يشتري هذه المواد بأسعار أعلى مما كانت عليه، ويضطر لعرضها بهذه الأسعار.
وأكدت السيدة رحماندوست التي كانت تتبضع في ذات المكان، أن أسعار الفواكه وخاصة المستوردة منها تتجه نحو أرقام خيالية، فأصبحت مضطرة لتقليل الكميات التي تشتريها عادة، كما بدأت بالاستغناء عن بعض الأنواع، وذكرت لـ"العربي الجديد"، أنها لا تشتري من محال الخضار الموجودة بالقرب من منزلها، فهؤلاء يبيعون الخضار والفاكهة بأسعار أعلى بكثير من تلك الموجودة في السوق الشعبية والتي تصنف كحكومية وتراقبها البلدية.
ويتفق كثر على ذات وجهة النظر هذه، ويرون أن التجار أنفسهم يساهمون برفع الأسعار، ولكن هذا لا يبعد اللوم عن الحكومة والتي وضعت في موقف لا تحسد عليه.
وفي مكان آخر، لكن هذه المرة على مواقع التواصل الاجتماعي، شارك مواطنون إيرانيون في حملة تدعى "أنا لن اشتري" أطلقها لاعب كرة القدم الإيراني علي كريمي، والذي دعا ومن أيده من شخصيات مشهورة لمقاطعة البضائع التي ارتفعت أسعارها، من قبيل السيارات والذهب وما إلى ذلك من سلع غير رئيسة. ورأى البعض أن ذلك قد يؤثر بالفعل، فالحملة تعتبر أن على الإيرانيين القيام بخطوات مؤثرة كما شعوب ثانية، ليجبروا التجار وكل من يرفع الأسعار على عدم القيام بذلك.
وعن هذه الأمور، يقول الخبير في الشأن الاقتصادي الإيراني والمستشار الرئاسي الأسبق سعيد ليلاز، إن الوضع الاقتصادي في الوقت الراهن متخبط لكن نمو النقد في السنوات الأخيرة ما زال يعتبر جيداً مقارنة بالدورة الرئاسية للمحافظ محمود أحمدي نجاد.
ورأى أن ذلك لا يقف بالكامل بوجه ارتفاع الأسعار حين تطرأ متغيرات وظروف سياسية جديدة من قبيل ما فعله الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أو حين يتكرر الحديث عن عودة شبح العقوبات أو احتمال انخفاض العائدات النفطية، فهذا كله يساهم برفع الأسعار.
ورأى أيضاً أن ارتفاع أسعار العقارات بشدة قبل فترة ناجم عن ذات الأسباب، لكنها عادت واستقرت نسبياً في الوقت الحالي، ولم يتخوف ليلاز من تبعات اقتصادية ثقيلة، ولكنه رأى أن النتائج الحقيقية الخطرة قد تكون سياسية واجتماعية، ففي إيران شريحة فقيرة واسعة، وأكثر من 30% من أبناء المجتمع الإيراني مصنفون تحت خط الفقر، وأي ارتفاع في الأسعار قد يترك تبعات اجتماعية جدية، واصفاً ذلك بالأمر المقلق.
أما الصحافي الاقتصادي في صحيفة "شرق"، مهدي رحمانيان، فأيد هو الآخر مسألة أن ارتفاع الأسعار بهذه الطريقة سيكون مؤقتاً ولن يستمر طويلاً، شرط أن تتعامل الحكومة مع الأمر.