أعادت الحكومة المغربية ملف أرباح شركات الوقود إلى الواجهة مجددا، بعد أن أشارت إلى سعيها للاتفاق مع الشركات حول وضع سقف للأرباح، بينما وضع مجلس المنافسة الاستشاري، الدولة في مأزق، بعد أن رأى في منتصف فبراير/شباط الماضي أن وضع سقف للأرباح لا يتوافق مع قانون حرية الأسعار والمنافسة في المملكة.
ولطالما سعت الحكومة إلى وضع سقف لأرباح شركات الوقود، بعد تزايد الشكاوى من رفع الأسعار دون مبرر مقنع، لا سيما أن عدة زيادات جاءت في وقت تشهد أسعار النفط العالمية تراجعا ملحوظا.
لكن رأي مجلس المنافسة، أضعف موقف الحكومة ودفعها إلى البحث عن مخرج لمأزقها مع الشركات، حيث رأى مسؤول في قطاع الطاقة، أن أيدي الحكومة غُلت بعد رأي المجلس رغم أن هذا الرأي استشاري وغير ملزم للحكومة.
ورفعت شركات توزيع الوقود سعر السولار إلى 8.99 دراهم للتر (10 دراهم تساوي 1.1 دولار) في فبراير/شباط الماضي، في أول زيادة منذ مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وسعى وزير الشؤون العامة والحكامة، لحسن الداودي، إلى توضيح موقف الحكومة من هذا المأزق، حينما أكد يوم الجمعة الماضي، أنه بعد رأي مجلس المنافسة، ارتأت الحكومة التوصل إلى اتفاق مع شركات توزيع المحروقات ومحطات الوقود.
ولمّح الداودي، في المقابل، إلى أنه يمكن للحكومة اللجوء إلى وضع سقف لأرباح الشركات، في حال عدم التوصل إلى اتفاق مع المهنيين (الشركات)، وهو اتفاق يمكن أن يسري ستة أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة.
ورأى أنه بعد تحرير أسعار المحروقات في نهاية 2015، توسعت هوامش أرباح شركات المحروقات، حيث لم تتمكن الدولة من التدخل، خاصة بعدما وصلت الأرباح إلى حوالي 2.33 درهم (0.24 دولار) في اللتر الواحد، بينما كانت في حدود 0.65 درهم للسولار و0.75 سنتيم للبنزين.
ولفت الوزير إلى أن إعلان الحكومة أخيرا عن مساعيها لوضْع سقف للأرباح، دفع الشركات إلى خفض الأسعار في الفترة السابقة، غير أنه يتجلى أن تلك الشركات عادت لترفع الأسعار منذ منتصف فبراير/شباط الماضي.
وينصّ البند الرابع من قانون حرية الأسعار والمنافسة، على العودة لمجلس المنافسة، من أجل استشارته، وخاصة أن هناك من يرى أن فكرة تحديد سقف للأسعار منافية لقرار تحرير سعر السولار والبنزين الذي اتخذته الحكومة نهاية عام 2015.
ويمكن للحكومة بعد استشارة مجلس المنافسة وهو مؤسسة دستورية "اتخاذ تدابير مؤقتة ضد ارتفاع أو انخفاض فاحش في الأسعار، تعلله ظروف استثنائية أو كارثة عامة أو وضعية غير عادية بشكل واضح في السوق بقطاع معين، ولا يجوز أن تزيد مدة تطبيق التدابير المذكورة على ستة أشهر قابلة للتمديد مرة واحدة من طرف الإدارة".
وكان تحقيق أنجزه البرلمان خلص إلى أن المستهلك لم يستفد من تحرير أسعار السولار والبنزين، بينما استفادت شركات توزيع المحروقات والدولة، التي تمكنت من خفض مخصصات الدعم، التي أضحت مقتصرة بالنسبة للمحروقات على غاز الطهو.
وأكد سفيان الحسني، مستشار الفيدرالية الوطنية لمالكي محطات توزيع الوقود لـ"العربي الجديد"، أن شركات توزيع المحروقات استفادت كثيرا من تحرير الأسعار، كما أن الضرائب التي تجنيها الدولة تمثل حوالي 40% من قيمة السعر النهائي.
ووسط التجاذب الحالي، أشار الخبير في قطاع الطاقة، عمر الفطواكي، إلى ضرورة إلزام الشركات بتأمين مخزون استراتيجي، لتأمين إمدادات الطاقة.
وفي مقابل الاتهامات الحكومية بمغالاة الشركات في الأرباح، تقول شركات توزيع الوقود، إنّ الوقود المبيع في المغرب يرتبط بأسعار المنتجات المكررة في السوق الدولية لا سعر النفط الخام، بالإضافة إلى تكاليف النقل والتخزين، ما يؤثر في تحديد السعر النهائي في السوق المحلية.
ويشكو المواطنون من تزايد الأعباء المعيشية في ظل ارتفاع أسعار الكثير من السلع والخدمات. وشهد المغرب، في العشرين من فبراير/شباط الماضي، إضراباً عاماً في العديد من القطاعات العمومية، وانطلقت مسيرة حاشدة في العاصمة الرباط، للمطالبة بتحسين المعيشة، وذلك بالتزامن مع الذكرى الثامنة لتظاهرات حركة "20 فبراير" التي انطلقت في المملكة بموازاة الربيع العربي.
وتندد الاتحادات العمالية بعدم احترام الحكومة، ما أسفر عنه الحوار الاجتماعي، الذي تزامن مع احتجاجات الربيع العربي، بتحسين مستويات المعيشة، مشيرة إلى استمرار الارتفاعات المتوالية للأسعار، وعدم اتخاذ تدابير ذات طابع اجتماعي، من أجل تحسين ظروف العمل، وتبني إصلاحات فعالة في التعليم والصحة والنقل.