عجّلت جائحة كورونا بخطة الحكومة التونسية لتقليص التداول النقدي، وتعميم البطاقات المالية الذكية على نحو 5 ملايين مواطن، ظلوا خارج دائرة التعاملات المصرفية والبريدية، بسبب تمسك فئة كبيرة من التونسيين بالمعاملات النقدية المباشرة.
ويسيطرالاقتصاد الموازي (غير الرسمي) على العديد من الأنشطة في الدولة، ما جعل الكتلة الأكبر من النقود خارج القطاع المصرفي، بينما حاولت الحكومة والسلطات النقدية لسنوات ماضية، جذب هذه الأموال إلى القنوات الرسمية لتعزيز السيولة النقدية ودمج الكثير من الأعمال في الاقتصاد الرسمي.
وساهم الازدحام الكبير أمام مراكز البريد إبان صرف رواتب المتقاعدين والمساعدات الاجتماعية، في تعرية حجم التعامل النقدي في البلاد، وضعف تعاملات التونسيين بالبطاقات البنكية أو البريدية، ما استدعى البحث عن حلول سريعة بحسب رئيس شركة نقديات تونس خالد بالطيب.
وقال بالطيب لـ"العربي الجديد" إن أزمة كورونا دفعت نحو بحث حلول سريعة لتداول الأموال رقمياً، مشيرا إلى أن هذه الخطوة ستمكن 5 ملايين شخص إضافيين من التعامل بالتقنيات الحديثة.
وأضاف أن أليات الدفع الجديدة ستكون جاهزة في مايو/أيار المقبل، وسيتم استعمالها في صرف القسط الجديد من المساعدات المالية التي تنوي الحكومة صرفها للأسر الضعيفة (الفقيرة) ومن فقدوا وظائفهم.
وقرّرت الحكومة التونسية تخصيص 2.5 مليار دينار (850 مليون دولار)، لمواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لأزمة فيروس كورونا، الذي أصاب الاقتصاد العالمي بالشلل، وزحفت عدواه إلى تونس في الآونة الأخيرة.
ومن المرجح أن يلحق الفيروس واسع الانتشار الضرر بقطاع السياحة، الذي يمثل نحو 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وأظهرت رسالة وجّهتها الحكومة التونسية إلى صندوق النقد الدولي، قبل أيام، أن قطاع السياحة مهدد بخسائر قد تصل إلى أربعة مليارات دينار (1.4 مليار دولار)، وفقدان 400 ألف وظيفة بسبب تداعيات الوباء، متوقعة أن ينكمش الاقتصاد بأكثر من 4.3 في المائة خلال العام الجاري، 2020، في أسوأ ركود منذ استقلال البلاد في 1956.
وأشار بالطيب، إلى أن نحو 4 ملايين تونسي فقط يملكون معاملات مالية مع البنوك والبريد، جزء منهم لا يستعمل البطاقات البنكة، مؤكدا أن الحلول الجديدة ستساعد التونسيين على تلقي أموالهم بسهولة ودون أن تضطرهم للوقوف لمدة طويلة في الطوابير أمام أكشاك البريد.
وكشفت دراسة ميدانية حول الاندماج المالي نهاية مايو/ أيار 2018 ، أجراها مكتب دراسات مختص لصالح البنك المركزي التونسي ووزارة المالية، تحت إدارة بنك الاستثمار الأوروبي، عن ضعف تعاملات التونسيين مع الأجهزة المالية الرسمية، من مصارف ومؤسسات القروض والتأمينات والبريد، مشيرة إلى أن 33 في المائة فقط من التونسيين لديهم معاملات مع المؤسسات المالية الرسمية.
وكان محافظ البنك المركزي، مروان العباسي قد قال في يناير/كانون الثاني الماضي في كلمة أمام البرلمان، إن العمليات البنكية في تونس ما تزال ضعيفة، وإن نحو 50 في المائة من التونسيين ليس لهم أي تعامل مباشر مع القطاع البنكي والعديد منهم تقتصر هذه العلاقة لديه على سحب الأجور من البنوك في مطلع الشهر لا غير، مشيرا إلى ضرورة تغيير هذه العقلية بجعل النفاذ إلى الخدمات البنكية أسهل وأيسر والتخلص من البيروقراطية المعقدة في القطاع المصرفي.
ويزيد التوجه من المعاملات الرسمية لتداول الأموال من إمكانية ضخ السيولة المالية الخارجية في القطاع المصرفي ما يقلص من إمكانية الأضرار المحتملة التي قد تتعرض لها البنوك في ظل تداعيات فيروس كورونا ، وفق مسؤول مصرفي.
ووفق بيانات البنك المركزي، فإن حجم الكتلة النقدية المتداولة خارج البنوك تضاعف ثلاث مرات منذ عام 2011، ليصل إلى أكثر من 16 مليار دينار (5.53 مليارات دولار)، مقابل نحو 5 مليارات دينار في 2010 .
ويرجع خبراء ارتفاع الكتلة النقدية خارج البنوك، إلى تفاقم ظاهرة الاقتصاد الموازي والتوجه نحو التعامل نقداً بسبب الأزمة الاقتصادية وانعدام الثقة في المنظومة البنكية.
ووفق المحلل المالي مراد سعدالله، فإن الاقتصاد الموازي يشكل بحسب دراسات أجرتها جمعية الاقتصاديين التونسيين مؤخرا، نحو 35 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل 35 مليار دينار، مشيرا إلى أن استيعاب ثلث هذه المعاملات سيوفر للدولة المليارات من العملات المحلية والأجنبية.
وفي يناير/ كانون الثاني 2018، سمحت تونس لأول مرة في تاريخها بممارسة نشاط صرافة العملة خارج الإطار المصرفي، وذلك عقب إقرار نص قانوني لشروط ممارسة الصرف اليدوي من قبل أشخاص طبيعيين.
لكن تداعيات كورونا قد تعرقل الكثير من جهود التحكم في السوق الموازية وفق محللين. وقبل أيام، قالت وكالة موديز للتصنيف الائتماني العالمية، إنها وضعت تصنيف تونس "قيد المراجعة"، مشيرة إلى إمكانية خفض التصنيف في ضوء ما وصفته بصدمة غير مسبوقة للاقتصاد جراء تداعيات فيروس كورونا الجديد.
وأشارت الوكالة في بيان، إلى أن المراجعة ستركز على تقييم قدرة السلطات التونسية على إدارة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والمالية الناجمة عن تداعيات كورونا.
وحصلت تونس في وقت سابق من إبريل/نيسان الجاري على قرض بقيمة 745 مليون دولار من صندوق النقد الدولي بهدف احتواء آثار فيروس كورونا، كما منحها الاتحاد الأوروبي نحو 275 مليون دولار.
وقال صندوق النقد الدولي، إن برنامج تمويل جديدا مع تونس قد يبدأ في النصف الثاني من 2020. وينتهي خط التمويل السابق الموقع في 2016 بقيمة 2.8 مليار دولار الشهر الجاري.