تفوّقت تحويلات المغتربين على الكثير من مصادر الإيرادات في تونس من العملة الصعبة رقم الظرف الصحي العالمي، إذ يواصل التونسيون في المهجر تحويل الأموال إلى بلادهم، لتبلغ، وفق آخر تقرير رسمي للبنك المركزي التونسي، 1778 مليون دينار (628 مليون دولار) منذ بداية العام وحتى 10 يونيو/حزيران الجاري، مقابل 1891 مليون دينار (668 مليون دولار) في ذات الفترة من العام الماضي.
وتراجعت تحويلات المغتربين بنسبة بسيطة بلغت 5.9 بالمائة فقط رغم الجائحة، مقابل تراجع بـ38 بالمائة في مداخيل القطاع السياحي التي لم تتجاوز 1055 مليون دينار (372 مليون دولار) خلال العام الجاري وحتى منتصف يونيو، وفق آخر رقم رسمي، مقابل 1702 مليون دينار (601 مليون دولار) في نفس الفترة من العام الماضي.
وأكد تونسيون في المهجر لـ"العربي الجيد" أنهم يسعون إلى الحفاظ على التحويل المنتظم للأموال إلى بلادهم، سواء في شكل ادخارات أو لمواجهة مصاريف عائلية أو للاستثمار في قطاع البناء والعقارات بدرجة أولى.
وقال التونسي المقيم في دولة عربية، صابر الخليفي (38 عاما)، إن تحويلاته إلى بلاده لم تتوقف رغم جائحة كورونا وعدم وضوح الرؤية فيما يخص علاقة العمل مع الشركة التي يعمل بها في دولة الإقامة، مؤكدا أن تحويلاته الشهرية تمثل تقريبا 50 بالمائة من مرتبه الشهري.
وأفاد الخليفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، بأن التحويل مهم جدا لعائلته التي تحتاج إلى مساعدة مالية، خاصة أن أفرادا منها تضرروا بسبب فقدان العمل أثناء فترة الحجر الصحي الشامل.
المغترب غازي عبد الرزاق، قال لـ"العربي الجديد" إنه اضطر إلى تقليص مبلغ التحويل الشهري الذي يرسله إلى تونس بعد تراجع دخله في دولة الإقامة بنحو 10 بالمائة، نتيجة سياسة تقشفية قررتها الشركة التي يعمل فيها.
وأكد عبد الرزاق أن تحويل الأموال إلى بلاده ظل مسترسلا منذ التحاقه بعمله في دولة الإقامة قبل 14 عاما بمعدل 5 آلاف دينار شهريا، لكن هذا المبلغ تراجع إلى 3500 دينار بعد جائحة كورونا، مع المحافظة على استمرار عادة التحويل التي يراها مهمة لمساعدة عائلته وتحسين مدخراته في بلده الأم.
وتعد تحويلات التونسيين في الخارج مصدرا مهما للعملة الصعبة في تونس وتمثل نحو 11 بالمائة من مجموع القطاع الخارجي الذي يتشكل من عائدات القطاع السياحي وتحويلات التونسيين في المهجر وإيرادات التصدير والاستثمار الأجنبي المباشر.
ورغم غياب التحفيزات المالية لتحسين نسب التحويل وتشتت المصالح الإدارية التي تهتم بشأن التونسيين في المهجر، إلا أن المبادرات الذاتية لنحو مليون ونصف المليون تونسي يعيشون في الغربة تحافظ على استقرار التحويلات نحو بلدهم، بما يغذي رصيد البنك المركزي من العملة الصعبة حتى في الفترات الصعبة.
وقال مصدر مسؤول في البنك المركزي التونسي إن مجموع مداخيل الشغل المتراكمة لم تتأثر كثيرا بجائحة كورونا، حيث لم يتجاوز التراجع في نسبة التحويلات 5.9 بالمائة، وهي مرجحة للارتفاع مجددا مع انقضاء الحجر الصحي الشامل في أغلب الدول التي تحتضن أعدادا كبيرة من الجالية التونسية.
وأكد ذات المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، أن عائدات تحويلات التونسيين في الخارج تتفوق على عائدات قطاعات اقتصادية مهيكلة، على غرار السياحة، ما يبرز دورها في الاقتصاد المحلي، وفق تصريحه لـ"العربي الجديد".
وأضاف أن تونس مطالبة بالاستفادة من كل إمكانيات التحويلات المتوفرة للمغتربين، بتشجيعهم على ضخ الأموال في الاقتصاد المحلي، خاصة في فترات الأزمة.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، أقر برلمان تونس إعفاء تحويلات التونسيين في الخارج من رسوم التحويل التي كانت تفرضها عليهم البنوك، وبدأ المغتربون في الانتفاع بالإجراء الجديد مفتتح العام الجاري.
ويعد إعفاء التحويلات من الرسوم البنكية، استجابة لمطلب نحو 1.5 مليون تونسي يقيمون خارج بلادهم ويساهمون في تحويلاتهم بـ20 بالمائة من الادخار الوطني.
ووافق البرلمان على إعفاء التحويلات من الضرائب بعد ضغط من نواب دوائر الخارج الذين رفعوا شكاوى عديدة للتونسيين في المهجر من ارتفاع رسوم التحويل التي تفرض عليهم، ما أدى إلى تراجع في قيمة الأموال التي يحولها تونسيو الخارج إلى بلادهم.
وتحتل تحويلات المهاجرين التونسيين المرتبة الرابعة في مصادر توفير العملة الصعبة، وفقاً لبيانات رسمية كشف عنها وزير الشؤون الاجتماعية السابق، محمد الطرابلسي.
وقال الخبير المالي، حافظ النوري، إن تحويلات التونسيين في المهجر لم تتراجع بشكل كبير، متوقعا أن يستقر التراجع في مستوياته الحالية إلى حدود شهر ديسمبر/كانون الأول القادم.
وأضاف النوري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن التحويلات تأتي أساسا من التونسيين الذين يعملون في إطار القطاع الفني، وهم يبقون على جزء من مداخيلهم في دول الإقامة، وأيضا التونسيين المقيمين في فرنسا وإيطاليا، وهم الأكثر تضررا من أزمة كورونا، نظرا لاشتغال عدد كبير منهم في القطاعات الخدماتية التي تضررت بأزمة كوفيد-19.
وأضاف أن الجيلين الثاني والثالث للهجرة لا يحولون أموالا إلى تونس، وأن أغلب التحويلات تأتي ممن هاجروا في العشرية الأخيرة، مشددا على أهمية توفير مناخات مالية وإجراءات جبائية محفزة لتشجيعهم على مواصلة إرسال الأموال إلى بلادهم.