لم تمر سوى أياما قليلة على طرح الحكومة الجزائرية المؤقتة، مشروع قانون المحروقات الجديد، حتى تصاعدت الأصوات الرافضة للمشروع، الذي يستميل الأجانب من أجل الاستثمار في قطاع النفط، الذي ظل لعقود طويلة محمياً من سطوة الشركات الأجنبية.
ودفع شح الموارد المالية الذي فرضه تهاوي مداخيل النفط، بالإضافة إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية، الحكومة المؤقتة، إلى تقديم إغراءات للشركات الأجنبية تتمثل في تسهيل بيع حصصها في المشاريع المقامة ومنحها إعفاءات جمركية وضريبية، بينما ترى نقابات مهنية أن التسهيلات المقدمة تعد "تسليما لثروات البلاد للأجانب".
وفي مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، عرضت الحكومة المؤقتة مشروع قانون المحروقات الجديد، على الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، قبل إرساله للبرلمان للتصويت عليه.
ووفق مشروع القانون، الذي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، فإن الحكومة قدمت حوافز ضريبية، حيث أعفت نشاط المنبع (البحث والاستكشاف والتنقيب) من الرسم على القيم المضافة، بما فيها عمليات استيراد السلع والخدمات المرتبطة مباشرة بهذا النشاط، بالإضافة إلى إعفاء الشركات من الرسوم المفروضة على النشاط المهني.
ورفعت الحكومة آجال تراخيص البحث والاستكشاف من عامين إلى 7 أعوام، يمكن تمديدها لعامين إضافيين، على أن تكون المدة القصوى لاستغلال حقول النفط والغاز 32 عاماً.
وفيما يتعلق بحالات بيع وتنازل الشركات الأجنبية عن حصصها في المشاريع المقامة، فقد أعطى مشروع القانون الجديد الأولية لشركة سوناطراك الجزائرية في الحصول على الحصص ضمن ما يعرف بحق "الشفعة"، حيث يمنحها الحق في تقديم عرض الشراء خلال فترة لا تتجاوز 60 يوماً من تاريخ إخطارها من طرف وكالة تثمين موارد المحروقات الجزائرية.
ويتزامن طرح مشروع قانون المحروقات الجديد، مع تفاوض سوناطراك مع شركات النفط العالمية من أجل تجديد عقود اكتشاف وإنتاج النفط، حيث توالت زيارات وفود من شركات عالمية كبرى إلى الجزائر في الأسابيع الأخيرة للاستفسار عن فحوى القانون والحوافز التي يقدمها، منها إكسون موبيل وشيفرون الأميركيتان.
لكن التسهيلات التي تطرحها الحكومة في مشروع القانون الجديد تقلق العديد من النقابات المهنية ومكونات للمعارضة، حيث دعا اتحاد (نقابة) المحامين الجزائريين، في بيان يوم السبت الماضي، الحكومة إلى سحب مشروع القانون إلى حين تعيين "حكومة شرعية".
كما رفض آلاف الجزائريين المشاركين في الجمعة 34 للحراك الشعبي، مساعي إقرار تعديلات على قانون المحروقات الحالي، واعتبروا التسهيلات الواردة فيه لفائدة الشركاء الأجانب، "تسليما لثروات البلاد للأجانب"، فيما تلتزم حكومة نور الدين بدوي، الصمت إزاء دعوات سحب القانون المثير للجدل.
وأرجع عبد المجيد سليني، عميد المحامين في الجزائر العاصمة، دعوة اتحاد المحامين إلى سحب مشروع القانون إلى "غياب النقاش العام حول القانون الذي يمس بطريقة مباشرة قوت الجزائريين، نحن دولة تعيش بعائدات النفط ولا يمكن أن يمرر قانون بهذا الحجم دون فتح نقاش عام".
وقال سليني لـ"العربي الجديد" : "من الأولى تأجيل المصادقة على القانون إلى غاية انتخاب رئيس شرعي يمثل الشعب ويتحمل مسؤولية مثل هذه القوانين، وبوجود حكومة وبرلمان شرعيين تكون لهما المسؤولية السياسية أمام الشعب".
وفي مقابل الاعتراضات، اعتبر خبراء في قطاع الطاقة أن التسهيلات التي تقدمها الحكومة للأجانب في مشروع قانون المحروقات الجديد، لا تمس ملكية الثروات.
ووفق مشروع القانون أبقت الحكومة على القاعدة الاستثمارية التي تعطي الأجانب نسبة مشاركة لا تتخطى 49 في المائة بينما لا تقل حصة الدولة عن 51 في المائة، وذلك على اعتبار أن النفط من القطاعات الحساسة.
وقال عبد المجيد عطار، وزيرالنفط الأسبق لـ"العربي الجديد" إن "الاستثمارات في مجال النفط تراجعت عالمياً بقيمة تريليون دولار منذ 2014، وبالتالي يجب تقديم ضمانات كثيرة، حتى تغري المستثمرين في مجال النفط، وهو ما تفقده الجزائر".
وأضاف عطار أن "قاعدة 49/51 بالإضافة لحق الشفعة يعتبران عقبة كبيرة بالنسبة للأجانب في مختلف القطاعات، الجزائر ترفض إلى اليوم عقود تقاسم الإنتاج، كما أنه لا يمكن أن تشترط على شركات عملاقة مثل إكسون موبيل أو شيفرون أو غيرهما من العمالقة العالميين أن يدخلوا شركاء في حقول بنسبة 49 في المائة فقط، هذا تقويض للحريات الاستثمارية".
كما اعتبر مراد برور، مدير مكتب ايمرجي للدراسات النفطية في باريس، أن "الشركات الأجنبية تحتاج إلى ضمانات قانونية تحمي حقوقها والأموال التي ستستثمرها في الجزائر، بداية من التعويضات في حال اكتشاف حقول غير كبيرة وصولا إلى ضمانات حول إخراج الأموال وطريقة مغادرتها الجزائر".
وقال برور لـ"العربي الجديد" إن " حصة شركة أناداركو الأميركية التي تعادل نحو ربع الإنتاج الجزائري، لا تزال معلقة، بسبب استعمال الجزائر لحق الشفعة، واليوم كل شيء مجمد ولم تقدم الدولة عرضا لشراء هذه الحصة ولم تعط الضوء الأخضر لشركة توتال الفرنسية للحصول على هذه الحصة، رغم أن الشركة الفرنسية اشترت قبل أشهر كافة أصول أناداركو في أفريقيا مقابل 8.8 مليارات دولار بما فيها حصصها في الجزائر، وهذا الملف يجعل الشركات تتخوف من دخول الجزائر".
وكان وزير الطاقة الجزائري، محمد عرقاب، قد اعلن في مايو/ أيار الماضي، وقف صفقة استحواذ توتال على أصول أناداركو في حقول نفطية وغازية جنوبي البلاد، مشيرا إلى أن عدم رد الشركة الأميركية على تساؤلات وزارة الطاقة حول الاستحواذ يبطل صفقتها مع توتال، دون تقديم تفاصيل عن طبيعة التساؤلات آنذاك.
ولفت عرقاب، إلى أن سلطات بلاده ستعمل كل ما بوسعها، للحفاظ على المصالح الجزائرية؛ بما فيها استخدام حق الشفعة. وحق الشفعة في الجزائر، قانون أقر قبل عقد، يتيح للدولة التدخل ومنع بيع أصول شركات أجنبية أو محلية لجهات أخرى أجنبية أو محلية خاصة، ويمنح الحق للدولة بشرائها.
وتوجد "أناداركو" في الجزائر، منذ أكثر من عقدين (منذ 1998) وتدير حقولا نفطية وغازية جنوبي البلاد، بالشراكة مع سوناطراك الحكومية.
وبين التسهيلات الحكومية للشركات الأجنبية في قانون المحروقات الجديد، ومعارضة العديد من النقابات المهنية، يرى محللون في قطاع الطاقة أنه لا بد من إيجاد بنود شفافة تضمن حق الدولة في الحفاظ على ثرواتها دون الوقوع في الاستغلال من قبل الشركات الأجنبية، التي ينبغي أيضا أن تحصل على ضمانات بتحقيق منافع من وراء ضخ استثماراتها.
وتظهر البيانات الرسمية أن صادرات النفط والغاز، استحوذت على 94 في المائة من إجمالي صادرات الجزائر، البالغة 37 مليار دولار خلال العام الماضي، ما يمثل 60 في المائة من ميزانية الدولة.