مصر تشن حربا على الباعة الجائلين

02 مايو 2015
باعة جائلون في مصر (فرانس برس)
+ الخط -
في تصعيد هو الأكبر منذ سنوات، شنت السلطات في مصر حملات مكثفة لإجلاء الباعة الجائلين من شوارع ميادين العاصمة القاهرة، التي تعج بعشرات الآلاف منهم، وإجبارهم على التمركز في مناطق أخرى، في محاولة للسيطرة على الاقتصاد غير الرسمي، الذي يقدّر خبراء حجمه بنحو 2.2 ترليون جنيه (288.7 مليار دولار).
وبينما يقول المسؤولون الحكوميون إنهم يسعون إلى تقنين أوضاع هؤلاء الباعة، إلا أن ناشطين في نقابة الباعة الجائلين في القاهرة، يشككون في هذه المساعي، واصفين الإجراءات الحكومية ضد الباعة بالحرب على تجارة يعمل بها ملايين الأشخاص في مختلف أنحاء مصر.
وقال نقيب الباعة الجائلين في القاهرة، أحمد حسين، إن كل ما يهم الدولة هو نقل الباعة من الشوارع الرئيسية إلى المناطق التي تم تخصيصها لتجمعهم في منطقتي "الترجمان" و"أحمد حلمي" بالعاصمة، دون تقنين أوضاعهم.
وأضاف أن منطقة "الترجمان" التي تم نقل باعة منطقة "وسط البلد" إليها لا يوجد فيها زبائن، وكل الباعة الذين تم نقلهم إليها تركوا الأماكن المخصصة لهم وانتقلوا إلى مناطق أخرى، مثل العتبة والسيدة زينب وباقي الأحياء الشعبية في القاهرة.
وأشار إلى أن متوسط ربح البائع يومياً في منطقة وسط البلد يراوح بين 200 و250 جنيهاً (بين 26.2 و32.8 دولاراً) يومياً، بينما لا يحصل على 10% من هذا العائد في الأماكن المقرر الانتقال إليها.
وتابع أن عدد الباعة الجائلين على مستوى مصر يراوح بين 4.5 ملايين و5 ملايين بائع، يتاجرون في كل أنواع السلع سواء مواد غذائية أو ملابس أو أدوات منزلية ولعب أطفال وغيرها من السلع.
وكثيراً ما يؤرق الاقتصاد غير الرسمي المتنامي بشكل كبير الحكومة المصرية التي تسعى إلى دمجه في الاقتصاد الرسمي للبلاد وتحصيل ضرائب مفتقدة تقدّرها بنحو 10 مليارات جنيه (1.3 مليار دولار) سنوياً.
وقال رئيس لجنة الضرائب في اتحاد الصناعات المصرية، محمد البهي، لـ"العربي الجديد"، إن حجم الاقتصاد غير الرسمي يقدّر حالياً بنحو 2.2 ترليون جنيه (288.7 مليار دولار)، وفقاً لتقديرات عام 2014، ويستحوذ على أكثر من 60% من تعاملات السوق في مصر.
وأضاف البهي أن الباعة الجائلين يبيعون السلع الرديئة المنتجة في "مصانع بئر السلم" أو المهربة التي لا تخضع لأي رقابة، مشيراً إلى ضرورة إنشاء أسواق متخصصة لهؤلاء الباعة خارج المدينة على أن تكون مقسمة لقطاعات، مثل سوق للملابس وآخر للأحذية وثالث للأدوات المنزلية، مع إعطائهم مساحات كافية لعرض بضاعتهم وتوفير وسائل نقل لهذه الأسواق حتى لا يجد المستهلك صعوبة في الوصول إليها، على أن تدار بشكل جيد وإشراف حكومي.

وبحسب دراسة أعدتها لجنة الضرائب باتحاد الصناعات المصرية، فإن الناتج السنوي للاقتصاد غير الرسمي بلغ عام 2010 نحو 1.8 تريليون جنيه (236.3 مليار دولار)، أكثر من 80% منه للتجارة، في حين بلغ الاقتصاد الرسمي نحو 1.2 تريليون جنيه (157.4 مليار دولار).
وأشارت الدراسة، التي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها، إلى أن منشآت الاقتصاد غير الرسمي المعروفة بمصانع "بئر السلم" يصل عددها إلى 40 ألف مصنع غير شرعي، وهي تتهرب من الضرائب والرسوم، حيث تتبع أساليب احتيالية، كعدم إصدار فواتير ضريبة وعدم إمساك سجلات أو دفاتر محاسبية، والعمل في إطار دائرة مغلقة لشراء خاماتها ومستلزماتها من شركات أخرى دون حصولها على فواتير، وفي الوقت ذاته تبيع لأسواق منتشرة بأنحاء مصر لا تتعامل بالمستندات الرسمية أيضاً.
وأظهرت الدراسة أن غالبية تلك المنشآت هي مصانع صغيرة ومتوسطة ويصل حجم إسهامها في السوق الموازية إلى نحو 40% من إجمالي نشاط هذا السوق، في حين أن النسبة الباقية والتي تبلغ 60% تأتي من عمليات التهريب، سواء لسلع محلية مدعمة أو لسلع ومنتجات مستوردة، لافتة إلى أن قيمة الضرائب على السوق الرسمي المنتظم تقارب الـ200 مليار جنيه سنوياً (26.2 مليار دولار).
وأشارت الدراسة إلى ضرورة تخفيض أسعار ضريبة المبيعات المرتفعة المفروضة على بعض القطاعات الصناعية والتي تراوح حالياً بين 25% و45%، لتصبح 10%، بهدف تشجيع المنشآت التي تعمل في تلك القطاعات بشكل غير رسمي على الدخول تحت مظلة الدولة وسداد الضرائب المستحقة وبالتالي تحقيق حصيلة أعلى تستفيد منها خزانة الدولة، مؤكدة أن سعر الضريبة المرتفعة أدى إلى هروب حوالي 80% من العاملين بتلك القطاعات إلى القطاع غير الرسمي.
وكان رئيس قطاع مكافحة التهرب الضريبي في وزارة المالية، أحمد عبد الرحمن، قد كشف في تصريحات صحافية، العام الماضي، أنّ حكومة بلاده تستهدف جمع 30 مليار جنيه (3.9 مليارات دولار)، خلال السنوات الثلاث المقبلة، عبر فرض ضرائب على الاقتصاد غير الرسمي.
وقال الخبير الاقتصادي، الدكتور حمدي عبد العظيم، إن ظاهرة الباعة الجائلين انتشرت بكثرة بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وذلك لسببين هما انتشار ظاهرة البطالة وتسريح العديد من العمال من المصانع، ما اضطرهم للبحث عن مصدر رزق على أرصفة الشوارع، والثاني هو ارتفاع الأسعار بشكل كبير وتزايد معدلات الفقر، ما اضطر الكثير من المصريين لشراء السلع من الباعة الجائلين.
وأضاف عبد العظيم، لـ"العربي الجديد"، أن أسعار السلع لدى الباعة الجائلين غالباً ما تكون أرخص بكثير من أسعار المحلات، نتيجة قلّة النفقات مقابل ما تتحمّله المحلات.
وتابع أن الدولة غير جادة في دمج هذه الفئة الكبيرة التي تتحكّم في بيع وتداول أكثر من نصف السلع المعروضة بالأسواق، وتتعامل معهم وفقاً للنظرية الأمنية.
وبحسب محمد أبو كب، بائع في منطقة رمسيس بالقاهرة، إن الحكومة لا يهمها تقنين وضع الباعة الجائلين بقدر اهتمامها بتجميل شوارع العاصمة، وإبعاد الباعة عن الميادين الرئيسة لتجنب التحامهم بالتظاهرات التي قد تخرج مستقبلاً.

اقرأ أيضا: 
المساهمون