فيما تطرح كارثة "محطة مصر"، التي راح ضحيتها 22 مواطنا في نهاية فبراير/شباط الماضي، تساؤلات حول السياسات التي أسهمت في تدهور السكك الحديدية لتصبح سببًا في سلسلة طويلة من كوارث القطارات، خاصة أن الحادث جاء هذه المرة في المحطة المركزية في قلب العاصمة، التي عادة ما تحظى بأكبر تركيز للموارد وعوامل التأمين، أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية -منظمة مجتمع مدني مصرية- ورقة موقف أوضحت من خلالها تراجع الإنفاق الحكومي على قطاع السكك الحديدية نحو 40% خلال ربع قرن.
وأعربت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عن قلقها من تدهور أوضاع السكك الحديدية في مصر، الأمر الذي يضع أرواح ملايين المواطنين في خطر، وينقل الحديث عن تطوير هذا المرفق الحيوي من مستوى العدالة المكانية إلى مستوى الحق في الحياة.
وتتبعت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية الإنفاق على السكك الحديدية في ربع القرن الأخير، منذ عام 1990 حتى عام 2016 (أحدث البيانات المتاحة)، للوقوف على تطورات واتجاهات الإنفاق على هذا المرفق الحيوي، الذي يستخدمه عشرات الملايين سنويًّا، ولا يملك أغلبهم القدرة على امتلاك سيارة خاصة والتنقل بشكل منفرد. وجدت المبادرة المصرية أن السكك الحديدية تعرضت لخفض كبير في الإنفاق خلال تلك الفترة، لم يؤثر فقط على جودة الخدمة، لكن أيضًا على عدد مستخدميها مقارنة بوسائل النقل الجماعي الخاص كالميكروباص، وسيارات "السبعة راكب"، وأتوبيسات النقل بين المدن.
فخلال الفترة محل الدراسة، زادت النفقات الجارية والاستثمارية (مع استبعاد الديون)، من 1.47 مليار في السنة المالية 1990/91 إلى نحو 8.57 مليارات في السنة المالية 2015/2016، بمعدل زيادة أقل من ستة أمثال، لكن القيمة الشرائية للجنيه في عام 1990 تساوي نحو تسعة جنيهات ونصف في 2016، أي أكثر من تسعة أضعاف. بذلك تبلغ القيمة الحقيقية لميزانية السكك الحديدية في 1990 حوالي 14 مليار جنيه (بأسعار 2016).
وأشارت المبادرة إلى أن هذا الخفض لم يحدث فقط بسبب سياسات التقشف وخفض الإنفاق المتتابعة، لكن عدد مستخدمي الخدمة انخفض أيضا بشكل حاد، فقد تراجع إجمالي الكيلومترات المقطوعة بالسكك الحديدية من حوالي 57 مليونًا في 1990/91 إلى 42 مليون كيلومتر في 2015/16، أي انخفض بقيمة الربع.
وقالت "يظل هذا التراجع أقل من الانخفاض في الإنفاق خلال تلك الفترة، وبالتالي لا يبرره بشكل كامل. فبحساب الإنفاق على السكك الحديدية، المشار إليه أعلاه، منسوبا إلى عدد الكيلومترات المقطوعة في عام 1990/91 يكون متوسط الإنفاق حوالي 25 جنيهًا لكل كيلومتر، وتعادل القيمة الحقيقية لهذا المبلغ بأسعار عام 2016 نحو 237.5 جنيها (للكيلومتر)، بينما بلغ هذا المتوسط في العام المالي 2015/16 نحو 203 جنيهات لكل كيلومتر، وبذلك تكون القيمة الحقيقية للإنفاق قبل ربع قرن أعلى من نظيرتها بأسعار العام الذي تم القياس عليه".
وأضافت المبادرة "انخفض أيضًا عدد الركاب بشكل أكثر حدّة من نحو 613 مليونًا سنويًّا في1990/91 إلى نحو 236 مليونًا في عام 2015/16، ويرتبط انخفاض عدد الركاب بتدهور الخدمة وعدم توسعها بما يتناسب مع الزيادة السكانية والتوسع العمراني، فبرغم زيادة السكان إلى الضعف تقريبًا، وزيادة الرقعة العمرانية بشكل كبير خلال تلك السنوات انخفض عدد الكيلومترات المقطوعة بالسكك الحديدية كثيرًا، وهو ما تزامن مع توسع كبير في وسائل النقل الجماعي الخاص وغير المنظم للتنقل بين المدن، والتي لجأ إليها الركاب كبديل.. معرضين حياتهم لخطر أكبر على طرق تفتقر إلى أبسط عوامل الأمان، خاصة الطرق الزراعية في صعيد مصر. ففي عام 2013 توفي أكثر من 28 شخصًا يوميًّا في حوادث طرق في مصر، وفقًا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية".
وأكدت المبادرة "تظل السكك الحديدية، رغم كل ما تشهده من تدهور في الخدمة وزيادة في معدل الحوادث، أكثر أمانًا من وسائل النقل الأخرى في مصر، حيث تزيد الخسائر اليومية لحوادث الطرق عن ضحايا حادث القطار الأخير، البالغ عددهم 22".
وتشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن 302 شخص ماتوا في حوادث القطارات في عام 2013، أي أقل من شخص يوميًّا. وانخفض العدد إلى 41 في عام 2017، وفقًا لأرقام الجهاز.
وأضافت المبادرة "في مواجهة حوادث تشير إلى ضعف كفاءة أحد المرافق العامة، كما في حادث محطة مصر، يوجد ميل حكومي مستمر إلى إلقاء اللوم على نقص الموارد وأن ما باليد حيلة، لكن مراجعة نسبة الإنفاق على السكك الحديدية من الناتج المحلي الإجمالي (مجموع الموارد المتاحة في الاقتصاد الوطني) تشير إلى وجود تراجع حاد في نسبة الإنفاق من 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي في 1990/91 إلى نحو 0.31% في 2015/16، مما يرجح أن الخلل يكمن في حشد الموارد و/أو ترتيب أولويات الإنفاق أكثر من مدى توافر الموارد".
وقالت المبادرة "يعتبر تراجع الإنفاق على السكك الحديدية جزءا من سياسات أوسع للتقشف، تأتي على حساب حق عشرات الملايين في الحياة بصور مباشرة، وإن كانت أبطأ في تأثيرها من حادثة محطة مصر، وتعتبر مصر من أقل دول الشرق الأوسط وغرب آسيا والقارة الأفريقية من حيث الإنفاق الاجتماعي على معاشات التضامن، والذي لا يصل حتى إلى نصف متوسط الشرق الأوسط (1% من الناتج المحلي الإجمالي)2. كما تراجع الإنفاق على الصحة إلى 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي في موازنة عام 2017/2018، أقل من نصف النسبة التي يحددها الدستور (3%)".
وأضافت "كما انخفضت مخصصات الإنفاق على التعليم إلى 2.6% من الناتج في نفس العام بينما تلتزم الحكومة دستوريًّا بإنفاق ما يعادل 6% من الناتج على هذا البند".