من المتوقع حدوث خسائر فادحة بعدما أغلقت السعودية، صاحبة أكبر اقتصاد عربي، دور السينما والمراكز التجارية والمطاعم، وعلّقت رحلات طيران وأداء مناسك العمرة، ومنعت الخروج والدخول من منطقة القطيف (شرق) التي يسكنها حوالى نصف مليون نسمة في محاولة لاحتواء الفيروس.
وتواجه الدولة النفطية أيضًا تحدي انخفاض أسعار النفط، الركيزة الأساسية للإيرادات الحكومية، التي تراجعت إلى ما دون 30 دولارًا للبرميل هذا الأسبوع للمرة الأولى منذ أربع سنوات، مما يستدعي اتخاذ إجراءات تقشف من المحتمل أن تعرّض مشاريع تنويع الاقتصاد الضخمة لخطر التأجيل.
ومما قد يزيد من الاضطرابات، الاعتقالات الأخيرة التي طاولت شقيق الملك سلمان بن عبد العزيز وابن أخيه الأمير محمد بن نايف، والتي أوحت بحدوث اهتزاز في الاستقرار السياسي وسط صمت حكومي علني.
وقال موظف حكومي "إنه وقت الأزمة"، مشيرا إلى أنه بدأ بتحويل جزء من راتبه إلى الدولار وعملات معدنية ذهبية. وأضاف: "لا يمكن التنبؤ بأي شيء ويجب أن نكون مستعدين للأسوأ". وكذلك فعل المصرف المركزي، الذي قلّل من أهمية المخاوف من أن انخفاض أسعار النفط قد يؤثر على العملة المحلية، المرتبطة منذ عقود بالدولار. وذكر تاجر ذهب في الرياض أنه تلقّى عددا من الاستفسارات حول تحويل "مبالغ نقدية كبيرة" إلى سبائك وعملات معدنية ذهبية.
تراجع الإنفاق
ويخشى العديد من الموظفين الحكوميين من تراجع إجراءات الدعم الحكومية، على الرغم من
ارتفاع تكاليف المعيشة. كما يشعر بعض السعوديين بالقلق من إمكانية تجميد آلية التوظيف في القطاعين العام والخاص، في حين أبدى طلاب سعوديون خشيتهم من تأثر المنح الدراسية الحكومية للتعليم في الخارج.
وقالت شركة "ناصر السعيدي وشركاه" للاستشارات، إن وزارة المالية أمرت الهيئات الحكومية بتقديم مقترحات لخفض الإنفاق هذا العام بنسبة تتراوح بين 20 و30%. وجاء في مذكرة للشركة: "من المرجح أن يتم ذلك عبر المشروعات المؤجلة والتأخير في منح العقود من بين أمور أخرى".
وبحسب مؤسسة "انيرجي انتليجنس غروب" البحثية، فإن المملكة تستعد للتعامل مع أسعار النفط منخفضة جدا، ما بين 12 و20 دولارًا للبرميل. وقال مستشار لوزارة سعودية: "ثقة الجمهور تعتمد على الإنفاق الحكومي ووضع النفط، وكلاهما تراجعا". وتابع: "لسنا واثقين من أننا سنحتفظ بوظائفنا غدا". وأضاف المستشار أن المملكة أمرت الوزارات بضرورة مراجعة كل ريال تنفقه. ولم ترد السلطات السعودية على طلبات وكالة "فرانس برس" للتعليق على هذه المسائل.
واضطر العديد من فنادق الرياض إلى الطلب من موظفيها أخذ إجازة بدون راتب. وتخصص وزارة الصحة العديد من فنادق العاصمة لحجر الأشخاص، في ظل انتشار فيروس كورونا المستجد، بحسب العديد من الموظفين والضيوف الذين طُلبت منهم المغادرة فجأة.
البقاء للأصلح
وأتى انهيار أسعار النفط بعد قرار السعودية، أكبر مصدر للنفط الخام، رفع الإنتاج بدءا من نيسان/إبريل والإقدام على أكبر تخفيضات في الأسعار في عقدين، ردًا على فشل اتفاق خفض الإنتاج بين منظمة الدول المصدرة "أوبك" التي تقودها المملكة، ومجموعة دول نفطية خارجها تقودها روسيا. وتجاهلت السعودية الانتقادات بأن الخطوة قد تؤدي إلى إفلاس منافسيها المنتجين للنفط، مشيرة إلى أنها لم تعد مستعدة للعب دور الدولة التي تتحمل عبء استقرار الأسواق.
وقال الخبير السعودي علي شهابي: "زمن استيعاب السعودية لصدمات سوق النفط نيابة عن الاقتصاد العالمي والمنتجين الآخرين، قد يكون انتهى". وتابع: "لعبة الطاقة هي الآن: البقاء للأصلح". وأكدت المملكة التي تملك احتياطيات مالية تبلغ حوالي 500 مليار دولار، أن إنتاجها للنفط منخفض التكلفة وأنه يمكنها تحمل الأسعار المتدنية لسنوات. لكن الرياض سجلت عجزًا في ميزانياتها منذ 2014، وصل مجموعه إلى أكثر من 350 مليار دولار. وقد اقترضت المملكة أكثر من 100 مليار دولار وسحبت من احتياطياتها لسد العجز.
وتبقى مشاريع ولي العهد محمد بن سلمان التي تقدّر بمليارات الدولارات والهادفة لوقف ارتهان الاقتصاد للنفط، عرضة للخطر، حيث تحتاج السعودية إلى سعر خام يبلغ حوالي 80 دولارًا للبرميل لموازنة ميزانيتها. وفي خضم تصاعد التحديات الاقتصادية، أثار احتجاز الأمراء مخاوف من عدم الاستقرار. ورأت كريستين ديوان من معهد دول الخليج العربية في واشنطن أن "التهديد للأمير محمد بن سلمان لا يأتي من منافسيه، بل من انهيار عائدات النفط ومعه خططه الاقتصادية".
(فرانس برس)