تهاوي الصادرات غير النفطية يحرج حكومة الجزائر

25 يوليو 2016
الواردات تغرق الأسواق الجزائرية (Getty)
+ الخط -
كشفت الأرقام التي أعلنت عنها الجمارك الجزائرية والمتعلقة بتطور التجارة الخارجية للبلاد خلال النصف الأول من العام الجاري، استمرار تراجع صادرات الجزائر خارج المحروقات، في وقت يعيش فيه الاقتصاد المحلي أزمة حقيقية بفعل انهيار مداخيل البلاد بنحو 70% جراء استمرار تهاوي أسعار النفط في السوق العالمية.
فمنذ سنة 2013 تشهد صادرات الجزائر خارج المحروقات تراجعا كبيرا، تزامن مع بلوغ الأزمة المالية ذروتها، فيما يواصل الخطاب الحكومي التأكيد على الجهود التي تبذلها الدولة فك الارتباط القائم منذ أكثر من 5 عقود بين الاقتصاد الجزائري والقطاع النفطي.
وفي النصف الأول من سنة 2013، صدرت الجزائر خارج النفط ما قيمته 1.60 مليار دولار، من أصل 41.58 مليار دولار أي 4% من إجمالي الصادرات. وفي نفس الفترة من سنة 2014، تراجعت صادرات البلاد خارج المحروقات إلى 1.16 مليار من أصل 28 مليار دولار، وتشكلت أهم المنتجات المصدرة خارج النفط من مجموعة المواد نصف المصنعة بـ 952 مليون دولار والسلع الغذائية بـ 160 مليون دولار والمواد الخام بـ 46 مليون دولار، أما الصادرات بالنسبة لمجموعة المعدات الصناعية والسلع الاستهلاكية غير الغذائية فبلغت 5 ملايين دولار لكل مجموعة.
سنة بعد ذلك، وفي النصف الأول من سنة 2015، واصلت صادرات الجزائر خارج المحروقات انحدارها إذ بلغت 1.03 مليار دولار من أصل 15.94 مليار دولار، لتواصل الصادرات الجزائرية خارج النفط سقوطها الحر في النصف الأول من السنة الحالية، حيث هوت تحت عتبة المليار دولار، وبالضبط 818 مليون دولار، من أصل 11.86 مليار دولار. وحافظت المنتجات نصف المصنعة على صدارة المواد المصدرة خارج النفط بـ624 مليون دولار، ثم السلع الغذائية بـ129 مليون دولار، بالإضافة إلى المنتجات الخام بـ34 مليون دولار، والتجهيزات الصناعية التي تمثل 22 مليون دولار، وفي الأخير السلع الاستهلاكية غير الغذائية بـ9 ملايين دولار.
وتضع هذه الأرقام الحمراء التي سجلتها صادرات الجزائر خارج النفط منذ بداية الأزمة المالية، خطاب الحكومة المروج لضرورة تنويع الاقتصاد الجزائر المبني على مداخيل الطاقة للخروج من نفق الأزمة المالية التي تعصف بمداخيل البلاد، فوق ميزان النجاح والفشل وتحت مجهر الواقعية في تسيير الأزمة.

وفي تعليق على هذه الأرقام، أكد النائب البرلمان عن تكتل الجزائر الخضراء (إسلامي معارض) نعمان لعور، أن الأرقام التي كشفت عنها الجمارك الجزائرية "تعري خطاب الحكومة الجزائرية فمنذ قدوم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قبل 15 سنة لم يستطع رفع صادرات البلاد خارج النفط رغم ارتفاع المداخيل، بل قلصها من متوسط 4 و5% إلى 4 و3.5% من إجمالي صادرات البلاد سنويا".
ويطالب المتحدث ذاته الحكومة، في تصريح لـ "العربي الجديد"، بـ "قول الحقيقة للشعب" والمتمثلة في عجزها عن تسيير البلاد في ظروف الأزمة.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي عبد الرحمن مبتول لـ "العربي الجديد": إن "المنحى التنازلي الذي سلكته صادرات البلاد في عز الأزمة المالية يتطلب تغيير ثقافة المسيرين الذي يريدون تسيير اقتصاد 2016 بعقلية 1970، وهو أمر غير منطقي". وأضاف مبتول، أن هذه النتيجة تعتبر منطقية، لأن الجزائر لم تعمل على تطوير الاستثمار خارج النفط في مجال الصناعة والزراعة حتى يكون هناك نسيج يمسح بظهور منتج جزائري يُصدر للخارج، وبالتالي مع أول هزة يتعرض لها الاقتصاد الريعي تسقط باقي القطاعات الأخرى.
ويرى رئيس جمعية المصدّرين الجزائريين، ناصري باي علي، أن "الدولة الجزائرية تفتقر لرؤية واستراتيجية استشرافية لترقية صادراتها خارج المحروقات، بالمقارنة مع عدة دول أخرى في العالم، على غرار دول الجوار كالمغرب وتونس.

وتابع علي، أن المملكة المغربية وضعت استراتيجية واضحة للرفع من مداخليها بالعملة الصعبة على المدى المتوسط والطويل، بفتح الاستثمارات المحلية ولأجنبية على 5 قطاعات حساسة، منها السياحة والفلاحة والطيران وصناعة السيارات، أما تونس فقد قامت حكوماتها بخلق نظام جديد من أجل تحصيل العملة الصعبة عن طريق المساعدة والمرافقة المالية للمستثمرين التونسيين للاستثمار في الخارج وخلق مؤسسات خدماتية.
وأضاف أن ما يحدث في تونس مثلا، هو عكس ما يحدث في الجزائر، إذ يجد المصدّرون الجزائريون عراقيل وقيودا قانونية وإجرائية تصل إلى حد معاقبتهم بالسجن بسبب أبسط مخالفة مالية.

وأكد رئيس جمعية المصدرين الجزائريين أن القيمة المضافة للجزائر في مجال الصادرات على المستوى العالمي ضعيفة جدا، مرجعا السبب إلى عدم رغبة المؤسسات الجزائرية المصدرة في البحث عن الأسواق الخارجية نظرا لتعرضهم لعدة ضغوط.
وفي محاولة منها لإنقاذ الموقف، سارعت الحكومة الجزائرية الى سن قانون استثمار جديد صادق عليه البرلمان الجزائري مؤخرا (تطرقت العربي الجديد له بالتفصيل)، يحمل امتيازات بالجملة للمستثمرين على مجال منح الأراضي والإعفاء الضريبي على بعض عمليات التصدير.
وفي السياق، يرى الخبير في الشؤون الاقتصادية فارس مسدور، أن الجزائر تفتقر لسياسة انفتاح المؤسسات خاصة مع ظهور الأزمة الاقتصادية العالمية. وأضاف نفس المتحدث متسائلاً: "هل نتكلم عن اقتصاد فيه حرية أم اقتصاد مافيات تتحكم في جوانب أساسية من الدولة، خاصة في الاستراتيجية المصرفية؟"، مشددا على ضرورة تصحيح المسار لكي يكون انفتاحا حقيقيا، في مجال الرسوم الجمركية مثل الضرائب وتسهيلات مصرفية لحماية المستثمرين والمصدرين.
وكان الميزان التجاري للجزائر قد سجل خلال النصف الأول من السنة الجارية عجزاً جديداً غير مسبوق قُدر بـ 10.83 مليارات دولار، مقابل 8.51 مليارات دولار خلال الفترة نفسها من السنة الماضية، أي بنسبة ارتفاع بلغت 27.2%، وفق ما كشفت عنه بيانات حديثة للجمارك الجزائرية.
وأوردت الأرقام التي كشفت عنها الجمارك الجزائرية تراجع الصادرات إلى 12.86 مليار دولار في النصف الأول من العام الجاري، وهو رقم يقل كثيراً عما صدرته البلاد في نفس الفترة من السنة الماضية رغم الأزمة المالية، حيث صدرت الجزائر قرابة 19 مليار دولار، أي أن المداخيل تراجعت بنحو 33%، وهو ما يمثل 6.25 مليارات دولار.
أما واردات الجزائر فقد تراجعت هي الأخرى، حسب حصيلة النصف الأول التي كشفت عنها الجمارك الجزائرية، لتستقر عند 23.51 مليار دولار، مقابل 27.44 مليار دولار خلال النصف الأول من 2015، أي بانخفاض يقدر بـ 3.9 مليارات دولار.

المساهمون