أمهلت النقابات العمالية في تونس حكومة يوسف الشاهد 48 ساعة، من أجل تقديم مقترحها النهائي بشأن زيادة أجور موظفي القطاع العام، أو تعليق التفاوض والمضيّ قدما نحو تنفيذ إضراب عام في السابع عشر من يناير/ كانون الثاني الجاري.
وقال سامي الطاهري الناطق الرسمي باسم اتحاد الشغل (العمال) في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، إن العرض الذي قدمته الحكومة لا يرتقي إلى تطلعات الاتحاد، مشيرا إلى أنه ليست هناك مقترحات جدية حتى الآن من الحكومة لزيادة الأجور.
وأضاف الطاهري: "الحكومة اقترحت أن تبلغ القيمة الإجمالية لزيادة الأجور نحو 700 مليون دينار (234.2 مليون دولار)، الوضع منفتح على كل الخيارات، وكل أشكال النضال ستكون متاحة أمام النقابيين في حال الوصول إلى الإضراب العام".
وقال: "البلاد على صفيح ساخن، والوضع الاجتماعي الحالي في ظل تدهور القدرة الشرائية للمواطنين، يتطلّب جدية أكثر من الحكومة في التعامل مع ملف المفاوضات الاجتماعية"، مضيفا أنه حال التوصل إلى حلول ترضي تطلعات قطاع الوظيفة العمومية سيتم إلغاء الإضراب العام.
ويواصل الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي، اللقاءات العمالية المباشرة في مختلف المحافظات، من أجل شرح موقف الاتحاد والكشف عن آخر تطورات مسار التفاوض مع الحكومة.
وتتطلع النقابات إلى زيادات في الأجور، لا تقل كلفتها الإجمالية عن 1.5 مليار دينار (500 مليون دولار)، لنحو 650 ألف موظف في القطاع الحكومي.
وكانت النقابات العمالية قد نفّذت في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إضراباً عاماً شمل كافة الوزارات العاملة في البلاد، للمطالبة بتحسين الأجور وتحسين مستويات المعيشة.
ويمكن وصف شهر يناير/ كانون الثاني الحالي بأنه "شهر الإضرابات" في تونس، إذ بالإضافة إلى الإضراب العام الذي دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل في السابع عشر من هذا الشهر، فإن ثمة فعاليات احتجاج أخرى في قطاعات التعليم والإعلام، إلى جانب تحركات قطاعية للأطباء والصيادلة.
في المقابل، يسعى وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي (قيادي نقابي سابق) إلى تهدئة الأجواء بين النقابة والحكومة، مستغلاً صفتيه الحكومية والنقابية.
وأشار الطرابلسي في تصريحات له، إلى إمكانية تجاوز الأزمة الحالية، لافتاً إلى "وعي الحكومة بضرورة تحسين رواتب موظفي القطاع الحكومي، وحق العاملين في الزيادة على غرار بقية القطاعات الأخرى".
ولفت الوزير إلى أن رئيس الحكومة تعهد في وقت سابق أمام البرلمان، بزيادة أجور الموظفين العموميين، لكن يجب إيجاد صيغة بين الطرفين تراعي الوضع الاقتصادي للبلاد وتدعم المقدرة الشرائية للمواطن.
وتلتهم كتلة أجور موظفي القطاع الحكومي نحو 14% من إجمالي الناتج المحلي، فيما تسير الحكومة نحو خفض فاتورة أجور القطاع العام إلى 12.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020.
وتقدّر كتلة الأجور في القطاع الحكومي، وفق مشروع ميزانية الدولة لعام 2019، بنحو 16.48 مليار دينار (5.88 مليارات دولار).
وكانت الحكومة قد توصلت إلى اتفاق مع اتحاد الشغل، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يقضي بزيادة أجور نحو 150 ألف موظف في الشركات الحكومية، إلا أنها قررت تجميد أجور موظفي الوزارات وباقي مؤسسات القطاع العام، بعد تحذيرات صندوق النقد من الزيادات.
ويطالب صندوق النقد بإبقاء كتلة أجور القطاع العام تحت السيطرة، حتى لا تضطر الحكومة إلى زيادة دينها الخارجي نتيجة ارتفاع عجز الموازنة، الذي قالت إنها تعتزم خفضه إلى 3.9%، خلال العام الجاري 2019، مقابل 4.9% العام الماضي.
وتنتظر تونس صرف الشريحة الخامسة من قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 255 مليون دولار، ليصل إجمالي المصروف إلى 1.389 مليار دولار من القرض المتفق عليه نهاية 2016 والبالغ إجماليه 2.9 مليار دولار.
ويعتبر صندوق النقد، تجميد كتلة الأجور بنداً مهماً في وصفة الإصلاحات التي طرحها على الحكومة. لكن الوزير المكلف بالإصلاحات الكبرى، توفيق الراجحي، قال في تصريح لـ"العربي الجديد"، نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي إن "الحكومة سيدة قرارها ولا تخضع لإملاءات صندوق النقد، لكنها مطالبة بالمحافظة على التوازنات المالية للدولة، والإبقاء على نسبة عجز الموازنة في مستويات محدودة العام الحالي".
وتواجه تونس صعوبات اقتصادية وارتفاعاً في العجز التجاري، وأظهرت بيانات صادرة عن معهد الإحصاء (حكومي)، يوم الخميس الماضي، أن الميزان التجاري سجل عام 2018 عجزاً قدره 6.34 مليارات دولار، مقابل 5.19 مليارات دولار عام 2017، بزيادة بلغت نسبتها 22.1% على أساس سنوي.