منذ صعود الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الحكم في بداية العام 2017، وإعلان استراتيجية احتواء الصين، بات من الواضح أن أكبر اقتصادين في العالم دخلا مرحلة جديدة من التنافس على بناء "النظام العالمي الجديد"، بغض النظر عن الهدنة المؤقتة التي يمثلها الاتفاق الأولي بين بكين وواشنطن لتهدئة التوتر التجاري والتقني، ذلك أن الصراع بين العملاقين التجاريين سيظل قائماً على تشكيل "النظام العالمي الجديد".
ويقول البروفسور الاقتصادي الأميركي نوريل روبيني، في تحليل لموقع "بروجكت سيندكت"، إن استراتيجية الأمن القومي واستراتيجية وزارة الدفاع الأميركية اعتبرت، منذ تولي ترامب الرئاسة، أن الصين دولة منافسة للهيمنة الأميركية، وبالتالي يجب احتواؤها، ولذا فإن الاتفاق التجاري المقرر توقيعه خلال الأيام المقبلة لا يعني توافقاً بين واشنطن وبكين.
وكان ترامب يأمل في التحالف مع موسكو لاحتواء الصين، ولكن ذلك لم يحدث بسبب الاتهامات التي وجهت بشأن تدخل موسكو في الانتخابات الأميركية.
وبالتالي، ينظر العديد من خبراء المال والاقتصاد إلى الاتفاق التجاري الأولي الذي بات جاهزاً وينتظر فقط توقيع ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ، كبداية لهدنة مؤقتة ربما تمتد حتى نهاية العام المقبل 2020، وهو العام الذي يحدد مستقبل الزعامة الأميركية الجديدة.
وحسب تقييم العديد من خبراء الاقتصاد والمال، يعتبر الاتفاق هزيلاً في حد ذاته ولم يكن بحجم التصريحات التي صدرت عن البيت الأبيض طوال العامين الماضيين بشأن انتهاكات الصين لحرية التجارة وخرق قوانين الملكية الفكرية والتلاعب باليوان ومجموعة من الانتقادات الأخرى التي طفحت بها تغريدات الرئيس ترامب. ولكن الاتفاق كان مفيداً من حيث أنه أوقف مؤقتاً الحرب التجارية.
من جهتها، ترى البروفسورة باولا سوباشي، أستاذة الاقتصاد الدولي في جامعة "كوين ماري" في لندن، أن اتفاق المرحلة الأولى لا يعني انتهاء الصراع على الهيمنة العالمية بين العملاقين الصيني والأميركي على بناء "النظام العالمي الجديد".
وتقترح سوباشي أن تتبنى واشنطن حرب "نظام التمويل والتقنية" في احتواء الصين وليس سياسة فرض الرسوم على السلع. ولا تعتقد الخبيرة أن نزاع الرسوم الجمركية كان فعالاً في ضرب القوة الصينية الصاعدة التي تهدد مركز الولايات المتحدة و"العالم الغربي الرأسمالي" الذي يدور في فلكها.
ومعروف أن قوة الولايات المتحدة تكمن في النظام المالي العالمي الذي يقوده الدولار والمصارف الأميركية، وليس في التجارة نفسها. واعترف الرئيس الأميركي نفسه في أكثر من مرة بأن بلاده خسرت الحرب الصناعية مع الصين منذ زمن طويل.
وتشير الإحصائيات الرسمية الأميركية إلى أن التصنيع يشكل حالياً حصة أقل من إجمالي مكونات الاقتصاد الأميركي وسوق العمل، مقارنة بما كان عليه الحال قبل صعود الرئيس ترامب للحكم، إذ سجل القطاع 11 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة في الربع الثاني من هذا العام، وذلك وفقا لبيانات وزارة التجارة الأميركية. ورغم وعود ترامب وحرب الرسوم، فلا يوجد أي انتعاش لوظائف التصنيع في الولايات المتحدة.
وأظهرت البيانات الصادرة عن معهد إدارة الواردات تدهور نشاط التصنيع في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوى منذ 2012.
وفي مقابل انكماش قطاع التصنيع في أميركا، فإن الصين تتمدد في الأسواق العالمية، بسبب رخص اليد العاملة والتمويل والتقنية التي وفرتها البنوك والشركات العالمية التي هاجرت خلال العقدين الأخيرين إلى الصين بحثاً عن الربحية العالية. ومن هذا المنطلق، يرى العديد من الخبراء أن الحرب التجارية لن تكسبها أميركا، وأنها ليست الوسيلة المناسبة لاحتواء الصعود الصيني.
وعلى الصعيد الصيني نفسه، يقول بعض الخبراء إن الصين استفادت من الحرب التجارية.
وخلافاً لما يثار في العلن بشأن أضرار الحرب التجارية على الصين، قالت نشرة "فورن بوليسي" الأميركية، في تحليل حديث، إن كبار المسؤولين والخبراء الصينيين الذين اطلعت على آرائهم يفضلون إعادة انتخاب ترامب في الانتخابات الأميركية المقبلة.
وحسب النشرة، يرى المسؤولون الصينيون أن "سياسة ترامب منحت الصين فرصة لتوسيع نفوذها في آسيا وإضعاف الزعامة الأميركية". ويعتقدون أن سياسة ترامب تجاه الصين، من الناحية الاستراتيجية، مفيدة لبكين على المدى الطويل، إذ إنه ينتقد بصوت عال ولكنه قليل الفعل".