قمة"ترامب ـآ بي"تحدد مستقبل التجارة والقوة في آسيا

05 فبراير 2017
شينزو آبي سيسعى إلى كسب صداقة أميركا(كازوهيرو نوجي/فرانس برس)
+ الخط -
العلاقات الصينية اليابانية بالغة التعقيد، وتزداد تعقيداً في أعقاب الصعود الاقتصادي والعسكري السريع لبكين في المسرح العالمي، وتزايد النفوذ الصيني في منطقة شرقي وجنوبي بحر الصين.
وكانت اليابان تعتمد في تنافسها مع الصين على أميركا التي توفر لها المظلة الدفاعية، وفقاً للاتفاقية الموقعة بين البلدين في أعقاب الحرب العالمية الثانية. ولكن مع تسلم الرئيس الأميركي دونالد ترامب للحكم، وشروعه في تنفيذ استراتيجية "أميركا أولاً" وإعلانه التخلي عن الدفاع عن اليابان أو بالأحرى تحميل اليابان كلفة الدفاع عن نفسها، تجد طوكيو نفسها أمام واقع جديد كلياً، يختلف عما كانت عليه علاقتها مع واشنطن في الإدارات الأميركية السابقة.

وبالتالي من المتوقع أن تكون الصين أحد المحاور الاستراتيجية في قمة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي والرئيس الأميركي الأميركي دونالد ترامب، التي ستعقد ليومين في كل من واشنطن ومنطقة بالم بيتش بفلوريدا.
وستكون لنتائج هذه القمة تداعيات خطيرة على مستقبل العلاقات بين الصين واليابان، وربما ترسم المسار الجيوسياسي لآسيا خلال العقد المقبل.
ويلاحظ أن العلاقات بين الصين واليابان اتسمت بالهدوء طوال الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية، حيث لم تحدث تقاطعات تذكر بين الدولتين. إذ ساد "المنطق البراغماتي"، العلاقات بين البلدين في أعقاب التحول التاريخي الذي حدث في العام 1972، حينما أنهت واشنطن عزلة بكين وأعادتها إلى المجتمع الدولي.

ولكن في السنوات العشر الأخيرة، ومع تغير الموازين الاقتصادية، حدثت تطورات إيجابية في علاقات البلدين، حيث قويت الروابط التجارية والاستثمارية بين بكين وطوكيو، لدرجة اعتقد بعض خبراء الاقتصاد السياسي، أن قوة هذه الروابط الاقتصادية ستطغى على الخلافات الأيدلوجية والتاريخية والتنافس القائم في المحيط الآسيوي بين البلدين.
في هذا الصدد، يمكن ملاحظة أن حجم التبادل التجاري بين الصين واليابان بلغ 340 مليار دولار في العام 2014. كما أن الشركات اليابانية التي تحتاج إلى خفض الكلفة وتوسيع أسواقها، وجدت ضالتها في السوق الصيني الذي يمتاز برخص الكلفة من حيث العمالة الرخيصة وحجم السكان الضخم.

وفي المقابل فإن الصين بحاجة إلى التقنية والاستثمارات اليابانية. وبالتالي، في سنوات ما بعد أزمة المال، أصبحت السوق الصينية بالنسبة للشركات اليابانية، أهم من السوق الأميركي.
وتطورت العلاقات التجارية بين البلدين، حتى أصبحت الشركات اليابانية أكبر مستثمر ومصدر للتقنية للاقتصاد الصيني، حيث بلغت استثماراتها في المتوسط حوالى 100 مليار دولار سنوياً في السنوات الأخيرة.

ولكن سرعان ما أحيا الخلاف السيادي على جزر سينكاكو المتنازع عليها بين البلدين الكراهية التاريخية بين العملاقين في آسيا. فالصينيون لم ينسوا التاريخ الاستعماري للإمبراطورية اليابانية، وفي المقابل فإن اليابانيين، لم ينسوا للصينيين التمدد في أسواقهم والصعود على تقنيات يزعمون أن الصين سرقتها من شركاتهم.
وقد لاحظت العداء المتأصل أثناء زيارة قمت بها لليابان امتدت لأحد عشر يوماً في العام 2012، لتغطية تسونامي شمال اليابان وما تلاه من كارثة المفاعل النووي في فوكوشيما. وشهدت في هذه الفترة تفجر النزاع بين بكين وطوكيو حول جزر سينكاكو، حيث سافر الشباب الياباني بالآلاف إلى هذه الجزر الصغيرة، وكادوا أن يتسببوا في اندلاع حرب بين البلدين.

وبالتالي، فإن ما ستسفر عنه قمة "شينزو آبي وترامب"، ونوعية العلاقات التي سيبنيها ترامب مع اليابان خلال السنوات المقبلة، ستكون مربط الفرس في العلاقات اليابانية الصينية، كما ستكون أهم عوامل البناء الجيوسياسي الجديد في آسيا المنقسمة حالياً بين معسكرين، معسكر آسيا الأميركية وآسيا الصينية وتقف الهند على الحياد.
وحسب الخبير في معهد بيترسون الأميركي للاقتصاد غاري كلايد فوفر، فإن مسألة "ضريبة الحدود" على المنتجات اليابانية المصدرة للسوق الأميركي لن تكون مثار خلاف بين طوكيو وواشنطن في هذه القمة، لأن شينزو آبي سيسعى إلى كسب صداقة أميركا وجرها إلى القضايا الإستراتيجية في آسيا، وعلى رأسها تحجيم النفوذ الصيني.

ويلاحظ أن شينزو آبي يحمل بعض "المقبلات" الاستثمارية لترامب المتمثلة في حزمة استثمارات يابانية ضخمة في البنية التحتية الأميركية يقودها صندوق المعاشات الياباني.
وكان قد سبقها مصرف "سوفت بانك" المخصص للاستثمار في التقنية، وينوي جمع نصف ترليون دولار للاستثمار في أميركا.
كما إن اليابان أكبر مستثمر عالمي في السندات اليابانية، وقد تفوقت على الصين خلال الشهور الماضية.
وبالتالي، فإن الاهتمام الرئيسي للزعيم الياباني في هذا اللقاء، هو إقناع ترامب بأهمية وقوف أميركا في وجه التمدد الصيني في آسيا.

وعلى الرغم من التقاطعات العديدة في العلاقات بين بكين وطوكيو، إلا أنه يمكن تلخيصها في خمس نقاط رئيسية وهي:
أولاً: التنافس الاقتصادي الحاد بين الصين واليابان على الأسواق العالمية. حيث تعتمد كلا الدولتين في النمو الاقتصادي على نمو الصادرات.
ويلاحظ أن الصعود السريع للاقتصاد الصيني الذي نما من 4 إلى 10 ترليونات دولار في عقد واحد، كان على حساب الاقتصاد الياباني. حيث دخل الاقتصاد الياباني في دورة ركود منذ بداية القرن الجاري، فيما واصل الاقتصاد الصيني في التوسع.
وكانت النتيجة تمدد البضائع الصينية في أسواق كانت تهيمن عليها البضائع والخدمات اليابانية في آسيا وخارجها. ويقدر حجم الاقتصاد الياباني حالياً بحوالى 4.25 ترليونات دولار.

ثانياً: تزايد النفوذ الاقتصادي والجيوسياسي للصين في آسيا، والعلاقات التجارية والروابط الاقتصادية التي تمكنت من بنائها خلال السنوات المقبلة. حيث تمكنت الصين من بناء مجموعة "بريكس" التجارية ومجموعة من البنوك والمؤسسات التمويلية التي ربطت علاقاتها التجارية مع دول آسيا ومصالحها في الحصول على تمويل لمشاريع البنية التحتية وسد الثغرات التمويلية الأخرى.

وفي المقابل، فإن اليابان لم تتمكن من بناء علاقات تجارية جديدة أو التوسع، وظلت تعتمد على السوق الأميركي وواصلت ربط مصالحها بواشنطن.
والآن وفي أعقاب الصعود المفاجئ لترامب وتسلمه زمام الحكم في أميركا، فوجئت اليابان برئيس انغلاقي لا يملك سياسة واضحة في آسيا. وهذا ما وضع اليابان في محنة.
ثالثاً: تمدد اليوان الصيني وتزايد أهميته في المبادلات التجارية، ضيقا الخناق على الين الياباني الذي كان يتربع على عرش العملات الآسيوية. وكلما توسعت الصين في اتفاقات "مقايضة العملات" في تسوية الصفقات التجارية، ازدادت أهمية اليوان.

رابعاً: سيعمل شيزو آبي في لقائه مع ترامب على التعرف بدقة لموقف إدارته من تزايد النشاط العسكري الصيني في جنوب شرقي آسيا، والهيمنة الصينية على بحر الصين الذي يزيد من النزاعات السيادية بين ما يسمى دول "النمور الآسيوية" وبكين. وكذلك موقفه من النزاع السيادي على جزر سينكاكو، الذي يرفع من احتمالات نشوب حرب بين الصين واليابان.



المساهمون