ارتفاع الأسعار يكبح سوق السيارات المستعملة في الجزائر

12 نوفمبر 2018
تقييد استيراد السيارات الجديدة يرفع الأسعار (فرانس برس)
+ الخط -

حول سيارة تويوتا يعود صنعها إلى عام 2011، تجمّع عدد من الرجال في سوق تيجلابين للسيارات المستعملة الشهير في الضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية، وسط جدال كبير حول سعرها، لينتهي النقاش بمغادرة الجميع دون صفقة، مثل مصير الكثير من الحالات.

وتسبب التجميد الحكومي لاستيراد السيارات الجديدة، في ارتفاع أسعار المركبات المستعملة بشكل كبير، الأمر الذي بات يفوق القدرات الشرائية للكثير من المواطنين، الذين كانوا في السابق يلجؤون إلى سوق المستعمل لعدم قدرتهم على أسعار المركبات الجديدة.

بين صفوف السيارات في سوق تيجلابين، جاء عمار بولمداس ليشتري سيارة لا يتعدى سعرها 1.5 مليون دينار (13 ألف دولار) وهو أقصى ما خصصه الموظف في القطاع الخاص للشراء، وبعد قرابة ساعة من البحث والسؤال، وصل عمار إلى قناعة واحدة هي استحالة شراء مركبة مناسبة بهذا المبلغ.

يقول بولمداس لـ "العربي الجديد": "هذا المبلغ في دول أخرى يسمح بشراء سيارة جديدة، أما عندنا فلا يمكنه حتى شراء سيارة استُعملت لثلاث سنوات".

ويضيف: "أسعار السيارات المستعملة التي يعود تصنيعها لعامي 2016 و2017 لا تقل عن 2.2 مليون دينار (20 ألف دولار)، فسيارة رينو سيمبول الفرنسية لا يتعدى سعرها 10 آلاف دولار في أوروبا، أما عندنا فتجاوز سعرها 1.7 مليون دينار (16 ألف دولار) بعدما استُعملت لمدة سنة كاملة وهو أمر غير معقول".

ويتابع : "لم يبق لي إلا حل واحد هو التوجه للبنوك لاقتناء سيارة جديدة مجمعة في الجزائر، فأدفع ما أملكه من مال والباقي أسدده على أقساط شهرية".

ويرى أنه مثل غيره من الكثير من الجزائريين، "ضحية" لما وصفه بـ"الغموض" الذي يسيطر على سوق السيارات المستعملة، الذي ترفض الحكومات المتعاقبة تنظيمه، ما جعل المضاربين يسيطرون عليه ويحددون وجهة الأسعار بعيداً عن قاعدة العرض والطلب.

لكن سعيد هايشة، بائع سيارات مستعملة أو "روفندور" كما يلقبونه في الجزائر، وهي كلمة فرنسية تعني "بائع للمرة الثانية"، يقول في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "التهاب أسعار السيارات المستعملة مبرر، وهو راجع إلى انخفاض العرض بعد تجميد الاستيراد، وعجز مصانع تجميع السيارات الموجودة في البلاد على تغطية الطلب".

ويضيف سعيد: "حتى وإن قلّ الطلب، فإن الأسعار لا تنخفض لأننا لا نتحدث عن سلع استهلاكية لها تاريخ انتهاء صلاحية، فالسيارة إذا لم تبَع هذا الأسبوع فستباع الأسبوع القادم أو الذي بعده، شرط ألا يرتفع عداد الكيلومترات المقطوعة كثيراً".

ويتابع: "ليس صحيحاً أن السوق في قبضة السماسرة والمضاربين والوسطاء، فتحديد الثمن يجري بالاتفاق بين البائع والمشتري، فمن اقتنع بالسعر اشترى ومن لم يقتنع بحث عن بدائل أخرى".

وتشير بيانات الديوان الجزائري للإحصائيات لسنة 2016، إلى أن عدد السيارات في الجزائر، يبلغ نحو 5.9 ملايين سيارة، منها 1.9 مليون سيارة متداولة في السوق المستعملة.

وبحسب أكرم خلف الله الخبير في سوق السيارات، فإن "ارتفاع أسعار السيارات المستعملة بدأ مطلع 2016، مع بداية تطبيق ما يعرف بنظام رخص الاستيراد، الذي وضع سقف ما يتم استيراده سنوياً بـ82 ألف سيارة".

ويقول خلف الله: "القرار جعل الجزائر البلد الوحيد في العالم، الذي يمكنك أن تشتري فيه سيارة وتستعملها لسنوات ثم تبيعها بنفس سعر شرائها أو أكثر أحياناً، وإذا ما هبط يكون بشكل محدود وفي أسوأ الحالات".

ويضيف أن "أسواق السيارات المستعملة يسيّرها أشخاص يستغلون نقص العرض من المركبات الجديدة، ويستثمرون أموالاً ضخمة في الموديلات القديمة ويتحكمون في الأسعار، فعندما تتوجه إلى السوق لبيع سيارتك يعترض طريقك أشخاص يعرضون عليك الشراء ويطلبون منك مغادرة السوق فوراً، لأن هؤلاء لديهم سيارة أو أكثر مشابهة تماماً لوضع سيارتك، ووجودك في السوق يزعجهم ولا يسمح لهم بفرض السعر الذي يريدونه".

ويتابع أن "الإشكال لا يزال يطرح في الجزائر، هل ترفض الحكومة تنظيم سوق السيارات المستعملة من خلال غلق الأسواق العشوائية وفتح نقاط بيع معتمدة، أم أنها عجزت وهزمها المضاربون؟".

ويبقى الحل، حسب الجمعية الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك، كامناً في اتخاذ بعض القرارات الحكومية البديلة لإحداث توازن في سوق السيارات المستعملة، فيقترح رئيس الجمعية مصطفى زبدي، رفع الحظر على استيراد السيارات المستعملة.

ويقول زبدي لـ"العربي الجديد"، إن "على الحكومة السماح باستيراد سيارات مستعملة بشروط، منها ألا يتعدى عمر السيارة 4 سنوات، وأن يستورد الشخص سيارة واحدة كل 10 سنوات".

ويضيف أنه "لا يمكن أن نجمد الاستيراد ونمنع استيراد السيارات المستعملة، ونترك السوق بين يدي المضاربين والمحتكرين".

وكانت الجزائر قد وضعت منتصف سنة 2015 نظام "رخص الاستيراد"، وحددت الحكومة حجم السيارات المسموح باستيرادها سنة 2016 بـ82 ألف وحدة بقيمة مليار دولار، بعدما كانت تستورد قرابة 450 ألف وحدة سنوياً.

خفضت الرقم سنة 2017 إلى 50 ألف وحدة، فيما لا تزال الحكومة الجزائرية تجمد استيراد السيارات هذه السنة، وذلك لتشجيع مصانع تجميع السيارات المحلية، وهي رينو الفرنسية وهيونداي وكيا الكوريتان الجنوبيتان وفولكسفاغن الألمانية، فيما تم منح رخصة للعملاق الفرنسي بيجو يُنتظر أن تستغل العام المقبل.

وسمحت الحكومة للبنوك الناشطة في الدولة، بتمويل شراء السيارات المجمعة محلياً، بقروض لا تتعدى نسبة الفائدة فيها 7%، وذلك لدعم مصانع التجميع.

وينتقد خبراء تمسك الحكومة بوقف الاستيراد، على الرغم من تسرب تقارير مصورة تُظهر استيراد مصانع التجميع سيارات كاملة في حاويات ينقصها فقط الإطارات، ما جعل الشكوك تحوم حول حقيقة تجميعها في الجزائر.

وبحسب بيانات صادرة عن الجمارك الجزائرية، نشرتها "العربي الجديد" في وقت سابق من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، ارتفعت فاتورة استيراد أجزاء السيارات المخصصة للمركبات الخاصة والنقل (الشاحنات) إلى 2.22 مليار دولار ما بين يناير/ كانون الثاني وأغسطس/ آب 2018، مقابل 1.26 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي، بزيادة بلغت نسبتها 76.2%.

وقفزت فاتورة واردات أجزاء السيارات الموجهة للمركبات الخاصة وحدها، إلى 1.83 مليار دولار خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري، مقابل 936.86 مليون دولار في الفترة نفسها من 2018، بارتفاع بلغت نسبته 95.5%.

كما ارتفعت فاتورة واردات أجزاء سيارات النقل والحافلات إلى 386.2 مليون دولار، مقابل 323 مليون دولار خلال فترة 2017 نفسها، بزيادة 19.5%.
المساهمون