يختفي تدريجياً قلق شركات النفط الصخري الأميركية من احتمال انهيار أسعار الخامات إلى تحت الصفر، كما حدث مع عقود مايو/ آيار في إبريل/ نيسان الماضي حينما اضطرت الشركات الأميركية لدفع مبالغ مالية باهظة حتى تتخلص من شحنات عقود خام غرب تكساس لشهر مايو / آيار بسبب عدم وجود سعة تخزين للخامات المشحونة والجاهزة للتسليم وفقاً للعقود.
وما يطمئن المستثمرين بعدم عودة هذا الانهيار مرة أخرى، التحذير الذي أرسلته بورصة السلع الأولية في شيكاغو للتجار والمضاربين ووسطاء صفقات النفط بعدم تكرار "مذبحة الأسعار" وفقاً لنشرة " أويل برايس".
كما أجرت بورصة السلع الأولية كذلك تعديلات على قوانين المضاربة في عقود النفط المستقبلية سمحت بموجبها للمضاربين بمضاعفة سقف عقود الشراء. من جانبه، أجرى صندوق المتاجرة في النفط الأميركي " يو أس أو"، تعديلاً في سياساته الشرائية، إذ إنه قرر مراقبة العقود المستقبلية في جميع الشهور حتى يناير/كانون الثاني المقبل، بدلاً من تركيزه في السابق على شهر واحد. ويبدو أن السوق النفطية لم تتجاوز فقط مخاوف الانهيار ولكنها بدت متفائلة بتحسن أكبر في الأسعار.
ويرصد خبراء في تجارة الطاقة 4 عوامل رئيسية محتملة لتعزيز الأسعار ودفعها للتحليق فوق مستوى 36 دولاراً للبرميل الذي شهدته في تعاملات أمس الخميس. وهذه العوامل هي، ارتفاع الطلب على الوقود خلال شهور الصيف المقبلة، وتراجع حجم المخزونات التجارية العائمة في البحار وفي الولايات المتحدة، وارتفاع الطلب الصيني لملء خزانات الاحتياطي النفطي الاستراتيجي، وتقيد "أوبك +" بتنفيذ التزاماتها باتفاقية خفض الإنتاج واحتمالات إضافة خفض جديد لإنعاش دورة الأسعار.
على صعيد الطلب النفطي، يتزايد الطلب على المشتقات البترولية مع تخفيف إجراءات العزل وإغلاق الاقتصادات في أميركا وأوروبا والصين وبعض الدول الآسيوية.
في هذا الصدد، قالت وكالة "ستاندرد آند بوورز" في تحليل، إن سوق شحنات الديزل في أوروبا تشهد منذ منتصف الشهر الجاري قوة بسبب تخفيف إجراءات العزل والإغلاق. من جانبه قال كبير محللي الطاقة بشركة أواندا، جيفري هالي في مذكرة للعملاء، " تدفع عودة الاقتصادات المحتملة للنمو وخفض الإنتاج النفطي أسعار النفط للارتفاع".
وفي ذات الشأن، تشير بيانات وكالة بلومبيرغ، إلى أن حجم الاستهلاك النفطي في الصين ارتفع خلال الشهر الجاري إلى 13 مليون برميل يومياً. وهذا الرقم قريب جداً من حجم الاستهلاك الذي أعلنته الصين في ديسمبر/ كانون الأول والبالغ 13.7 مليون برميل يومياً.
أما العامل الثاني فهو التواصل المستمر في انكماش الإنتاج النفطي بسبب خسائر الشركات والدول النفطية التي ترتفع فيها كلف الإنتاج وتفوق مستويات أسعار النفط، وبالتالي تتكبد الحقول المنتجة خسائر فادحة، مثلما حدث لشركات النفط الصخري خلال الشهرين الماضيين.
وفي هذا الشأن توقعت نشرة "أنيرجي إنتيليجنس" الأميركية، أن تمدد منظمة أوبك وحلفاؤها اتفاقية خفض الإنتاج البالغة 9.7 ملايين برميل يومياً حتى نهاية العام الجاري بدلاً من الثلاثة شهور المقررة لأمد الاتفاقية. وبالتالي من المتوقع أن تشهد شهور الصيف امتصاصاً تدريجياً للخامات العائمة في البحار.
أما العامل الثالث، فيتعلق بخطط الصين لملء خزاناتها الاستراتيجية من النفط، مستفيدة في ذلك من الخامات المعروضة بأسعار بخسة في السوق النفطية.
وتقدر وكالة بلومبيرغ، أن نحو 117 ناقلة نفطية عملاقة سعة كل منها مليونا برميل تستخدمها الشركات الصينية منذ منتصف شهر مايو/ آيار الجاري لحمل شحنات النفط إلى الموانئ الصينية وسيستمر نقل هذه الشحنات حتى منتصف أغسطس/ آب المقبل. وهو ما يعني أن الصين ربما ستشتري نحو 340 مليون برميل من النفط خلال الثلاثة شهور المقبلة.
ويشير تحليل نشره الخبير النفطي أنتوني هالف على موقع مركز كولومبيا للسياسات العالمية للطاقة، إلى أن الصين أضافت إلى مخزونها الاستراتيجي من النفط في أسبوع واحد 32 مليون برميل بين 22 فبراير/شباط والأول من مارس/آذار، أي نحو 4 ملايين برميل يومياً.
ومنذ منتصف ديسمبر/كانون الأول رفعت الصين مخزوناتها من النفط بنحو 56 مليون برميل. واستفادت الصين من رخص الأسعار ومن الخصم السعري الذي عرضه المشترون.
وتتوقع شركة كايروس الأميركية، أن ترفع الصين حجم مخزوناتها النفطية بنحو 100 مليون برميل خلال العام الجاري، لكن محللين يرون أن هذا الرقم ربما يكون قليلاً جداً مقارنة بمعدلات الصين الاستهلاكية المتوقعة في المستقبل، وقدرتها الشرائية المدعومة بأكثر من 3 تريليونات دولار من الاحتياطات الدولارية.
أما العامل الرابع فهو تراجع المخزونات الأميركية، إذ أظهرت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، أن مخزونات النفط الخام بالولايات المتحدة انخفضت بنحو خمسة ملايين برميل الأسبوع الماضي مقارنة مع توقعات في استطلاع أجرته رويترز بزيادة قدرها 1.2 مليون برميل، بينما انخفضت المخزونات في مركز التسليم كاشينغ بولاية أوكلاهوما 5.6 ملايين برميل.
وفي ذات الشأن، أظهرت بيانات شحن، أن منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاءها يمتثلون لتعهدهم خفض الإنتاج. وقال أمين عام "أوبك"، محمد باركيندو، إن المنظمة متشجعة لتطبيق الاتفاق بفعل ارتفاع الأسعار، وإن هنالك توقعات أن تتخذ "أوبك +" خطوات خفض نفطي إضافية لدعم الأسعار.