قال مراقبون بصناعة النفط إن تخفيضات الإنتاج القياسية التي أقدم عليها كبار المنتجين ستجعل مهمة إعادة التوازن إلى السوق مهمة شاقة في وقت يقلص فيه وباء فيروس كورونا الطلب وترتفع فيه المخزونات.
وتوقع بنك غولدمان ساكس أن تواصل أسعار النفط الهبوط في الأسابيع المقبلة، موضحا أن الاتفاق التاريخي لكن غير الكافي بين كبار المنتجين على خفض الإنتاج من المستبعد أن يعوض تهاوي الطلب لنحو 30% (نحو 30 مليون برميل)بسبب فيروس كورونا.
ويتوقع البنك مخاطر على الجانب النزولي لتوقعاته على المدى القصير لسعر النفط عند 20 دولارا لبرميل البرنت، ولكنه توقع أن يتفوق خام القياس العالمي برنت على الخام الأميركي.
وذكر أنه حتى في حالة التزام الأعضاء الرئيسيين في أوبك بالتخفيضات بالكامل، مع نسبة التزام 50 بالمئة من جميع الدول الأخرى التي اتفقت على تخفيضات إنتاج في مايو/ أيار، فإن التخفيضات الطوعية سوف تترجم إلي خفض بمقدار 4.3 ملايين برميل يوميا فقط عن مستويات الربع الأول، مشيرا إلى أن خفضا أكبر للإنتاج من دول مجموعة العشرين لن يساعد كثيرا.
وقال إنه "في نهاية المطاف، هذا يعكس ببساطة أن أي تخفيضات طوعية ليست بالحجم الكافي لتعويض خسارة طلب بمقدار 19 مليون برميل يوميا في المتوسط في الفترة من إبريل/ نيسان إلى مايو /أيار بسبب كورونا".
وقال المحلل فيرندرا تشوهان بشركة إنرجي آسبكتس لوكالة "رويترز" إنه "حتى إذا أوقفت تلك التخفيضات هبوط الأسعار فلن تتمكن من رفعها في ضوء حجم الزيادة في المخزونات التي نراها ماثلة أمامنا"، مشيرا بذلك إلى صهاريج وناقلات التخزين التي تتزايد في مختلف أنحاء العالم وسط تراجع الطلب من جانب المستهلكين.
وأضاف أن "غياب التعهدات المؤكدة من جانب الولايات المتحدة وغيرها من أعضاء مجموعة العشرين يعد نقيصة في الاتفاق".
وقال تاكاشي تسوكيوكا رئيس رابطة البترول اليابانية في بيان، إنه في حين يساهم اتفاق أوبك+ في تثبيت سوق النفط العالمية "فقد فشلت الصفقة في الوصول إلى مستويات التخفيض التي تتوقعها الأسواق، الأمر الذي سيبقي على ركود الأسعار"، مضيفا أننا "نأمل أن تواصل أوبك+ محادثاتها لتحقيق الاستقرار في أسواق النفط".
تخفيضات إضافية
من ناحية أخرى، قال محللون إنه رغم أن الرقم الأساسي في الاتفاق يشير إلى خفض يقارب العشرة ملايين برميل يوميا، فإن منتجي الشرق الأوسط مثل السعودية والإمارات والكويت سيضطرون على الأرجح لخفض إنتاجهم بنسبة تتجاوز الخفض المتفق عليه والبالغ 23 في المائة، إذ إنهم بدأوا رفع إنتاجهم في إبريل/ نيسان وسط حرب أسعار قبل إبرام الاتفاق.
وقال المحللون في غولدمان ساكس إن"هذه الصفقة البالغة 9.7 ملايين برميل يوميا، تمثل خفضا مقداره 12.4 مليون برميل في اليوم من الإنتاج المعلن من جانب أوبك+ في إبريل/ نيسان (في ضوء الزيادة في إنتاج السعودية والإمارات والكويت) لكنها تمثل خفضا بمقدار 7.2 ملايين برميل يوميا من متوسط مستويات الإنتاج في الربع الأول من 2020".
وقال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، إن السعودية والكويت والإمارات تطوعت بتطبيق تخفيضات أكبر من تلك المتفق عليها، مما سيقلص معروض النفط من أوبك+ فعليا بمقدار 12.5 مليون برميل يوميا عن مستويات الإمداد الحالية.
وقال وزير النفط الكويتي خالد الفاضل إن إجمالي تخفيضات الإمدادات العالمية من النفط قد يصل إلى 20 مليون برميل يوميا، أي حوالي 20 بالمئة من الإمدادات. وذكر الوزير الكويتي أن الخفض الفعلي في إمدادات النفط الذي ستطبقه أوبك+ ودول أخرى في مجموعة العشرين سيبلغ نحو 20 مليون برميل يوميا.
وقالت ريستاد إنرجي لاستشارات الطاقة إنه "إذا أضافت مجموعة العشرين عشرة ملايين برميل يوميا أخرى، فإن العالم سيتصدى بذلك كليا للخلل في الموازين اعتبارا من مايو/أيار.. ومع ذلك ستمتلئ طاقة التخزين بالكامل تقريبا في إبريل/نيسان، لكن سيتحقق الاستقرار في السوق".
وطلبت أوبك+ من منتجين من خارج المجموعة، مثل الولايات المتحدة وكندا والبرازيل والنرويج، خفضا إضافيا بنسبة خمسة بالمائة أو خمسة ملايين برميل يوميا.
وأبدت كندا والنرويج استعدادا للخفض، أما الولايات المتحدة، حيث يصعّب قانون مكافحة الاحتكار لديها التنسيق مع اتحاد منتجين مثل أوبك، فقد قالت إن إنتاجها سينخفض تلقائيا بما يصل إلى مليوني برميل يوميا هذا العام بسبب انخفاض الأسعار.
وقال فيل فلين المحلل لدى مجموعة برايس فيوتشرز إننا "سنشهد تراجعا كبيرا في الإنتاج على أي حال من منتجين لا يمكنهم تحقيق عائدات مالية"، مضيفا أن "من شأن الاتفاق أن يمنحنا وقاية كافية لاجتياز الأشهر القليلة المقبلة".
التركيز على الاحتياطيات
وتوقع محللو الطاقة لدى "إف.جي.إي" نمو مخزونات النفط في الدول المتقدمة في الربع الثاني إلى مستويات لم تُسجل منذ 1982، حيث سيكون التركيز الرئيسي المقبل في الأسواق على مراقبة الأرقام التي ستعلنها وزارة الطاقة الأميركية عن احتياطاتها النفطية الاستراتيجية.
وقال متعامل مخضرم في سوق النفط بسنغافورة طلب عدم نشر اسمه بسبب سياسة الشركة التي يعمل بها، إن زيادة المخزونات ستستمر وإن كانت بوتيرة أبطأ بسبب الخفض الذي توصلت إليه أوبك+.
وأضاف أن "أغلب سعات التخزين الاستراتيجي (في مختلف دول العالم) مليئة بالكامل تقريبا. ربما يكون لدى الصين مجال ما لكني أشك أن تكون لدى الآخرين قدرة كبيرة".
وسلط أنجوس تيلور وزير الطاقة الأسترالي اليوم الاثنين الضوء على ندرة قدرات التخزين المتاحة، فقال إن بلاده تعمل على التوصل لاتفاق لشراء النفط وتخزينه في المخزون الاستراتيجي الأميركي.
ولا تزال الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، هي الطرف الذي لا يسري عليه ذلك. فمن المنتظر أن تزيد مصافي التكرير فيها حجم عملياتها بنسبة عشرة في المائة هذا الشهر مقارنة بشهر مارس/ آذار الماضي مع تخلص البلاد من تداعيات وباء كورونا الذي ظهر في الأراضي الصينية في أواخر العام الماضي.
وقال المحلل تشوهان بشركة إنرجي آسبكتس "ربما كانت الصين تفيق (من أزمة كورونا) لكنها بحاجة لتصدير المنتج لموازنة (السوق) ومن ثم فإنها ستظل مقيدة في نهاية الأمر في ضوء أن الأمر يتعلق بالطلب لا بالعرض".
أما الهند، فقد قالت ثلاثة مصادر طلبت عدم نشر أسمائها بسبب سياسة الشركة التي يعملون بها، إنها تعمل على تحويل 19 مليون برميل من نفط الشرق الأوسط من الشركات التابعة للدولة إلى المخزون الاستراتيجي لمساعدة مصافي التكرير على التخلص من الفائض النفطي لامتلاء وحدات التخزين لديها.
توقعات مخالفة
في المقابل، رفع بنك مورغان ستانلي توقعاته لأسعار النفط قائلا إن اتفاق اوبك+ لن يمنع بناء مخزونات ضخمة في الشهور المقبلة، ولكنه سيقود لخفض المخزونات بداية من النصف الثاني من العام الجاري.
ورفع البنك توقعاته لسعر برنت في الربع الثالث إلى 30 دولارا من 25 دولارا للبرميل، وللخام الأميركي إلى 27.50 دولارا من 22.50 دولارا كما رفع التوقعات للربع الأخير بواقع خمسة دولارات أيضا للخامين ليصل برنت إلى 35 دولارا وخام غرب تكساس الوسيط إلى 32.50 دولارا.
وتوقع البنك أن ينخفض الطلب في الربع الثاني بنحو 14 مليون برميل يوميا مقارنة به قبل عام.
(رويترز، العربي الجديد)