إعادة بناء سورية والعراق

15 يونيو 2017
إعادة إعمار سورية تتطلب مليارات الدولارات (Getty)
+ الخط -

حسب تقارير البنك الدولي وتقديراته، فإن حجم الدمار المادي الذي لحق بسورية، منذ اندلاع الأحداث فيها قبل ما يقارب ست سنوات، يبلغ 250 مليار دولار.
وبحسب تلك التقارير، فإن سورية التي لو قدر لها ألا تقع بين فكي تلك الأحداث الدامية، كانت ستنمو بمعدل قد يصل إلى 4% سنوياً على الأقل.
وبمعنى آخر، كان ناتجها المحلي الإجمالي سيصل إلى 110 مليارات دولار بالأسعار الجارية، في مقابل أقل من 45 مليارا في نهاية عام 2016.
وتقول مصادر الأمم المتحدة إن سورية بحاجة إلى 180 مليار دولار من الإنفاق على التنمية لكي تستعيد الحالة التي كانت عليها قبل ست سنوات.
أما العراق، فإن الوضع المالي فيه صعب جداً، ولظروف مختلفة، فالحكومة المركزية بحاجة إلى إعادة تنظيم مؤسساتها وتفعيلها، لكي تضمن أن الصادرات النفطية ستعود إلى الخزينة العامة، بدلاً من أن تؤول إلى المليشيات المختلفة، والتي تقوم بتسريب كمياتٍ كبيرةٍ منها إلى جهات خارجية، تدعم هذه المليشيات وترعاها.
والعراق بالطبع مرّ بسنوات طويلة من الحروب أكثر مما مرت به سورية، فمنذ عام 1980، والعراق في حرب دائمة، إما مع الجارة إيران، أو في حالة حرب في الكويت، أو في حالة عقوبات اقتصادية ساهمت في تدمير البنى التحتية والفوقية.
وأخيراً ومنذ عام 2003، وهو عام غزو الولايات المتحدة وحلفائها للعراق، وإسقاط نظامه السياسي، والعراق في حالة تهديم دائمة للمؤسسات، والنظم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والمصرفية.
ومنذ استلامه السلطة، يبذل رئيس الوزراء، الدكتور حيدر العبادي، جهداً مقدراً لإخراج العراق من أزمته وسط تركة ثقيلةٍ من الفساد، والتغول على الدوائر، والشرذمة، والحرب ضد الإرهاب.
ومع أن التقديرات عن حجم التمويل المطلوب لإعادة العراق إلى معدلات نمو إيجابية حقيقية غير متاحة بشكل واضح، إلا أن هذه المبالغ لن تقل بأي حال عن 300 مليار دولار، من أجل جعل العراق قادراً على معاودة الإنتاج، والربط بين أجزائه، وإعادة الزخم إلى العمل المؤسسي في القطاعين، العام والخاص.
يساوي الحد الأدنى المطلوب لإعادة إعمار سورية والعراق حوالي 480 مليار دولار. وهو رقم سمعناه في أثناء زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المملكة العربية السعودية.
ومع أن المعارضين للرئيس الأميركي داخل الولايات المتحدة يشكّون في إمكانية تنفيذ هذه الاتفاقات، ويقولون إنها مجرد إعلانات للنيات أكثر مما هي التزامات تعاقدية، إلا أن السؤال الذي يبقى في الأذهان: ومن أين سندبر الأموال المطلوبة لإعادة بناء سورية والعراق؟
لن تأتي هذه الأموال إلا إذا أعيد، في البداية، إحياء إنتاج النفط والغاز في البلدين، وضمان تصديرهما بالطرق والوسائل الآمنة لتنفيذ عقود البيع. ولهذا، فإن ضمان سلامة آبار النفط والغاز، وسلامة الموانئ، أو الأنابيب، يبقيان الشرط الأساسي للدخول في عقود طويلة الأجل مع المشترين.



وإذا نجح العراق في رفع صادراته من النفط إلى أكثر من 4 ملايين برميل يومياً، ونجح في تصدير غاز بمعدل مليار ونصف مليار قدم مكعب في اليوم، فإن حصيلة دخله من المادتين سوف ترتفع، وفق الأسعار الحالية، إلى حوالى 90 مليار دولار سنوياً.
وينطبق التحليل، إلى حد ما، على سورية، على الرغم من أن دخلها سيكون أقل من ذلك.
كان العراق يمتلك إنتاجاً صناعياً في مجالات مختلفة. وبلغت نسبة مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي عام 2016 ما قدره 64%. ولهذا، سيعيد إنعاش قطاع النفط الزخم للصناعة.
أما قطاع الزراعة، فيساهم بنسبة 3.5 % فقط من الناتج المحلي الإجمالي، ويستطيع العراق أن يتوسع في قطاع الزراعة وزيادة إنتاجه من الحبوب واللحوم والتمور بشكل سريع.
وبالنسبة لسورية، كانت الزراعة فيها تشكل نسبة 17% والصناعة حوالي 27.5%، والباقي خدمات.
وبالإمكان العودة إلى زخم الإنتاج الزراعي بسرعة، أما الصناعة فإنها بحاجةٍ إلى إعادة بناء. ولو مُنح أصحاب الصناعات السابقون الحق في إنشاء مصانعهم في مقابل إعفاءات كاملة من الضرائب والرسوم مدة خمس سنوات، فإن الصناعيين كفيلون بإعادة هذا القطاع الحيوي.
لدى كلتا الدولتين القدرة والطاقة على إعادة بناء قطاعات النفط والغاز والزراعة والصناعة فيهما. وهذه القطاعات الثلاثة كفيلة بأن تكون الركائز الأساسية لإعادة بناء الدولتين. 

ولكن، من أجل أن توضع البرامج الصحيحة، وتستعاد ثقة المستثمرين من أهل البلدين، أو من الوطن العربي أو من العالم، فإن الأمن والأمان يصبحان الشرط السابق لضمان هذه العملية.
ومطلوب كذلك حل سياسي يضمن لكل مكونٍ من مكونات هذين البلدين الحقوق الأساسية والحريات المطلوبة للتنقل وإبداء الرأي، والعبادة والاستثمار والتملك، في منأى عن الأذى أو التهديد.
صحيح أن التقديرات الأولية للأموال المطلوبة لإعادة هذين الاقتصادين إلى طبيعتهما تبدو كبيرة وشبه مستحيلة. ولكن الواقع أن ثروة هذين البلدين وإمكاناتهما هي العماد الأول لهما. وكل منهما يقدر على استعادة إمكاناته الإنتاجية بالتدريج، إلى أن يحقق مداخيل تمكنه من أن يدعو الآخرين إلى المشاركة معه في استكمال البناء والإعمار.
قال لنا الاقتصادي والفيلسوف البريطاني، جون ستيوارت ميل، إن الشعوب الخارجة من حروب تبدي إرادة وطاقة في البناء والإعمار بعد الحروب تتجاوز حدودها العادية بكثير، فالرغبة واللهفة لاستعادة طبيعة الأمور ترفع من نسبة "الأدرينالين" في جسم الأمة، وتحفّزها على العمل الخلاق والمتواصل.

المساهمون