في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 حرر البنك المركزي المصري سعر الصرف الأجنبي والذي ترتب عليه تعويم الجنيه المصري مقابل العملات الرئيسية وفي مقدمتها الدولار، وترك سعر العملة المحلية للعرض والطلب، وبهذه الخطوة أنهي البنك المركزي سياسة دعم الجنيه والدفاع عنه، وهي السياسة التي كان يطبقها على مدى سنوات طويلة .
في مطلع شهر يوليو/ تموز الماضي، اتخذت الحكومة المصرية خطوتين تتعلقان بدعم الوقود، الأولى هي رفع الأسعار بنسب تتراوح بين 16% - 30%، والثانية البدء في إجراءات تحرير السعر وتطبيق آلية التسعير التلقائي لأسعار المواد البترولية مع نهاية شهر سبتمبر الجاري أو بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
وتحرير سعر الوقود يعني ربط أسعار البنزين والسولار والبوتاجاز بالأسعار العالمية رغم أن مصر منتج رئيسي للغاز والنفط وتم أمس الإعلان عن زيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي إلى سبعة مليارات قدم مكعبة يوميا حاليا، كما أعلنت الحكومة عدة مرات عن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي بل وإعادة تصدير الفائض.
وبعد أن كانت الحكومة تدعم واردات السلع الرئيسية والاستراتيجية كالسكر والأرز والزيوت عبر تثبيت سعر الدولار الجمركي عند 16 شهرا قررت أول من أمس تحرير السعر والعودة لسعر الصرف المتحرك الذي يحدده البنك المركزي عند تقدير الرسوم الجمركية على الواردات بكافة أنواعها.
وبذلك تم إلغاء سياسة تحديد الدولار الجمركي شهريا، المطبقة منذ يناير 2017، بعد تعويم الجنية في نوفمبر 2016. علما بأن الحكومة اعتبرت أن التثبيت خلال الفترة الماضية كان قراراً استثنائياً لتحقيق نوع من الاستقرار في أسعار السلع بالسوق المحلية، في أعقاب تحرير تعويم الجنيه.
معظم دول العالم تحرر الأسعار بها سواء كانت سلعاً أو خدمات أو صرف وغيرها، لكنها قبل الإقدام على هذه الخطوة توفر الدولة لمواطنيها شبكة من الحماية الاجتماعية من أبرز ملامحها رعاية صحية وتعليمية مجانية أو شبه مجانية، وبنية تحتية قوية، وشبكات من الطرق والكباري والمواصلات والكهرباء والمياه والصرف الصحي والاتصالات وغيرها، وهذه الرعاية الصحية والتعليمية توفرها بالمجان حتى الدولة الرأسمالية الكبرى التي تؤمن باقتصاد السوق مثل بريطانيا وألمانيا وغيرها.
وقبل زيادة الأسعار ثم تحريرها كاملا، وتطبيق إجراءات تقشفية من إلغاء الدعم الحكومي للسلع الرئيسية مثل الوقود والغذاء وغيره، تقوم الدول بتحسين دخول ورواتب المواطن، وتوفير فرص عمل، وتزويده بمنحة بطالة في حال فقدانه عمله، بحيث يكون لديه القدرة الشرائية على تلبية احتياجاته من السلع والخدمات، يواكب ذلك رقابة قوية على الأسواق ومنع الاحتكارات وتنظيم المنافسة، وتقوية القطاع الخاص.
الدول لا تترك مواطنيها عرايا، بل توفر لهم شبكات أمان قوية قبل اتخاذ قرارات تقشفية عنيفة وتحرير الأسعار ودهس الفقراء، قرارات تسببت في إسقاط ملايين المواطنين في بئر الفقر المدقع والبطالة، والقضاء على ما تبقى من الطبقة الوسطى التي تعد صمام أمان أي مجتمع.