بعد إعلان الاتفاق على استيراد مصر ما قيمته 15 مليار دولار من الغاز المنهوب من قبل إسرائيل على مدى عشر سنوات، وفي اللحظة التي كان بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي (المنتخب) يصف فيها يوم توقيع الاتفاق بأنه يوم عيد لبلده عقب توقيع الاتفاق في منتصف فبراير/شباط 2018، كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (الذي لم يسمح لأحد بمنافسته منافسة حقيقية في أي انتخابات سابقة) يبشر شعبه بأننا كمصريين (جبنا جون (هدف) جامد جداً في الموضوع ده).
ورغم تأكيد السيسي بعد ذلك على أن الاتفاق الذي تم كان بين شركات خاصة مصرية وإسرائيلية، إلا أنه أعلن سعادته بـ"الانتصار الذي حققته مصر" من جراء التوقيع على هذا الاتفاق، ولم يفته التأكيد على ما يمنحه هذا الاتفاق لمصر من تفوق على الأتراك في السيطرة على الغاز المستخرج من البحر المتوسط، تمهيداً لإعادة تصديره.
وقتها كتبت في نفس هذا المكان، مستنكراً الاتفاق على استيراد مصر هذه الكمية من الغاز، على مدار السنوات العشر القادمة، بسعر يتم تحديده الآن (أوائل 2018)، بينما تعاني سوق الغاز من تخمة في المعروض، وارتفاعات كبيرة في احتياطيات الدول منه، حتى أن الانطباع السائد وقتها كان أن السوق تحولت إلى سوق مستوردين، يفرض المستورد فيه شروطه، بينما يتصارع المصدرون على إيجاد فرص تسويقية لإنتاجهم.
اقــرأ أيضاً
ومن ناحية أخرى، فقد كانت هناك تساؤلات كثيرة عن الغرض من الاتفاق على استيراد الغاز الإسرائيلي رغم الإعلان عن تحقيق الاكتفاء الذاتي منه في مصر، بعد اكتشاف حقل ظهر.
والأسبوع الماضي، نشر موقع أويل برايس oilprice.com مقالاً للكاتب نيك كانينجهام، أحد المتخصصين في سوق الطاقة، أشار فيه إلى حقيقة انخفاض الطلب على الغاز في دول جنوب شرق آسيا العام الماضي، في الوقت الذي نما فيه استخراج الغاز في العديد من البقاع حول العالم بصورة غير مسبوقة، تسببت في وصول سعر الغاز إلى أدنى مستوياته في عشر سنوات، وذلك قبل أن تتسبب التداعيات الأخيرة لانتشار فيروس كورونا في الصين في تراجع الطلب عليه مرة أخرى، الأمر الذي يشير إلى حدوث المزيد من الانخفاض في السعر في الفترة القادمة.
وقال الكاتب إن الصين، التي تعد أكبر مستورد للغاز الطبيعي في العالم، تستعد لإعلان عدم التزامها باتفاقات استيراد الغاز التي وقعت عليها، بسبب ظروف خارجة عن إرادتها، متمثلة في الفيروس القاتل وتأثيره على إيقاف العمل في العديد من الشركات في الصين.
وتسببت الأخبار الواردة من الصين في المزيد من الضعف لسوق تصدير الغاز، الأمر الذي تسبب في اقتراب سعره من 1.75 دولار للمليون وحدة حرارية لأول مرة في التاريخ، بعد أن كان سعره يدور حول ثلاثة دولارات للمليون وحدة حرارية، قبلها بأسابيع قليلة، والذي كان بدوره سعراً منخفضاً جداً بالنسبة لهذا الوقت من العام.
اقــرأ أيضاً
وعلى نحوٍ متصل، أشار الدكتور سيريل ويدرشوفن، خبير أسواق الطاقة ومستشار العديد من مراكز الأبحاث بالشرق الأوسط وأوروبا وأميركا، إلى أن الحلم المصري بتأسيس مركز لتجارة الغاز الطبيعي في المنطقة ربما يكون في طريقه للانهيار، بعد حدوث طفرات كبيرة في الإنتاج في العديد من المناطق حول العالم، بصورة تهدد كبار مصدريه، وتطيح بأحلام تكوين مركز التجارة في منطقة شرق البحر المتوسط، التي تتعرض العديد من شركاتها لهزات عنيفة.
وأوضح ويدرشوفن في مقال كتبه مطلع الشهر الجاري أن القاهرة ألغت العديد من العطاءات خلال العام الماضي 2019، بعد أن ظهر أن الأسعار المعروضة كانت أقل من التوقعات، وفي بعض الأحيان أقل من نقطة التوازن التي تغطي تكلفة الإنتاج.
ورغم اعتراف الخبير بانخفاض تكاليف الإنتاج المصرية، بعد تغطية تكاليف مصانع الإسالة، إلا أنه أشار إلى وجود مشكلة حقيقية تهدد ماليات الدولة المصرية، في حالة انخفاض السعر عن تكلفة إنتاج الغاز فيها.
وقال ويدرشوفن إن الحكومة المصرية حالياً تعرض بيع غازها بسعر لا يقل عن 5 دولارات للمليون وحدة حرارية، بغض النظر عن سعر الغاز في السوق العالمي، الأمر الذي ربما تكون نتائجه غير سارة للمواطنين المصريين، في سوق مستعدة لتوفير أي كمية من الغاز بالسعر العالمي، رغم انخفاضه!
وأكد الخبير المتخصص في المخاطر الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط أن إنتاج مصر من الغاز في الفترة الأخيرة يفوق قدرتها على تصدير ما تنتج، أو ما يفيض عن حاجتها، خاصة بعد الاتفاق على استيراد الغاز الإسرائيلي، ناصحاً الحكومة المصرية ببيع مخزونها من الغاز في أسرع وقت ممكن، لأن الأسعار، في رأيه، مرشحة للمزيد من الانخفاض.
واعتبر ويدرشوفن أن أداء الحكومة المصرية في إدارة إنتاجها من الغاز يفتقر إلى الرؤية طويلة الأمد، وأنها تحتاج أن تدرس الأسواق المحتملة لبيع إنتاجها.
ولم تأت الآراء المنتقدة لأداء الحكومة المصرية في إدارة ملف تجارة الغاز من الخبراء الأجانب فقط، إذ نشر الاقتصادي والأكاديمي المصري محمود وهبة، على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك مقالاً أكد فيه أن "مآسي الغاز في مصر بالجملة"، مشيراً إلى تهاوي أسعار الغاز العالمية، ومؤكداً أن الدول المنتجة للغاز، ومنها مصر، ستخسر كثيراً، بينما ربحت إسرائيل باتفاقها على بيع تلك الكميات من الغاز، لكل من مصر والأردن، وبسعر يتجاوز ثلاثة أضعاف السعر المتاح في السوق العالمية الآن!
ربما لم يحالف الحظُ الحكومةَ المصريةَ، فتحركت الأسعار في اتجاه لم تتوقعه حينما وقعت على اتفاق استيراد الغاز المنهوب من إسرائيل، لكن هذا لا يغفر لمن اتخذ القرار، في وقتٍ أعلنا فيه أننا حققنا الاكتفاء الذاتي من الغاز وبدأنا التصدير، ولا يغفر لمن استبعد أهل الخبرة وقدم عليهم أهل الثقة، ولا يغفر لمن بخل علينا بمعلومات نعرف منها لماذا نستورد، وكم دفعنا مقابل الاستيراد، ثم جاء ليفتخر بعدم اتباع دراسات الجدوى، ليعلن أننا قد سجلنا هدفاً، وهو يجهل أن الهدف كان في مرمانا نحن!
وقتها كتبت في نفس هذا المكان، مستنكراً الاتفاق على استيراد مصر هذه الكمية من الغاز، على مدار السنوات العشر القادمة، بسعر يتم تحديده الآن (أوائل 2018)، بينما تعاني سوق الغاز من تخمة في المعروض، وارتفاعات كبيرة في احتياطيات الدول منه، حتى أن الانطباع السائد وقتها كان أن السوق تحولت إلى سوق مستوردين، يفرض المستورد فيه شروطه، بينما يتصارع المصدرون على إيجاد فرص تسويقية لإنتاجهم.
والأسبوع الماضي، نشر موقع أويل برايس oilprice.com مقالاً للكاتب نيك كانينجهام، أحد المتخصصين في سوق الطاقة، أشار فيه إلى حقيقة انخفاض الطلب على الغاز في دول جنوب شرق آسيا العام الماضي، في الوقت الذي نما فيه استخراج الغاز في العديد من البقاع حول العالم بصورة غير مسبوقة، تسببت في وصول سعر الغاز إلى أدنى مستوياته في عشر سنوات، وذلك قبل أن تتسبب التداعيات الأخيرة لانتشار فيروس كورونا في الصين في تراجع الطلب عليه مرة أخرى، الأمر الذي يشير إلى حدوث المزيد من الانخفاض في السعر في الفترة القادمة.
وقال الكاتب إن الصين، التي تعد أكبر مستورد للغاز الطبيعي في العالم، تستعد لإعلان عدم التزامها باتفاقات استيراد الغاز التي وقعت عليها، بسبب ظروف خارجة عن إرادتها، متمثلة في الفيروس القاتل وتأثيره على إيقاف العمل في العديد من الشركات في الصين.
وتسببت الأخبار الواردة من الصين في المزيد من الضعف لسوق تصدير الغاز، الأمر الذي تسبب في اقتراب سعره من 1.75 دولار للمليون وحدة حرارية لأول مرة في التاريخ، بعد أن كان سعره يدور حول ثلاثة دولارات للمليون وحدة حرارية، قبلها بأسابيع قليلة، والذي كان بدوره سعراً منخفضاً جداً بالنسبة لهذا الوقت من العام.
وأوضح ويدرشوفن في مقال كتبه مطلع الشهر الجاري أن القاهرة ألغت العديد من العطاءات خلال العام الماضي 2019، بعد أن ظهر أن الأسعار المعروضة كانت أقل من التوقعات، وفي بعض الأحيان أقل من نقطة التوازن التي تغطي تكلفة الإنتاج.
ورغم اعتراف الخبير بانخفاض تكاليف الإنتاج المصرية، بعد تغطية تكاليف مصانع الإسالة، إلا أنه أشار إلى وجود مشكلة حقيقية تهدد ماليات الدولة المصرية، في حالة انخفاض السعر عن تكلفة إنتاج الغاز فيها.
وقال ويدرشوفن إن الحكومة المصرية حالياً تعرض بيع غازها بسعر لا يقل عن 5 دولارات للمليون وحدة حرارية، بغض النظر عن سعر الغاز في السوق العالمي، الأمر الذي ربما تكون نتائجه غير سارة للمواطنين المصريين، في سوق مستعدة لتوفير أي كمية من الغاز بالسعر العالمي، رغم انخفاضه!
وأكد الخبير المتخصص في المخاطر الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط أن إنتاج مصر من الغاز في الفترة الأخيرة يفوق قدرتها على تصدير ما تنتج، أو ما يفيض عن حاجتها، خاصة بعد الاتفاق على استيراد الغاز الإسرائيلي، ناصحاً الحكومة المصرية ببيع مخزونها من الغاز في أسرع وقت ممكن، لأن الأسعار، في رأيه، مرشحة للمزيد من الانخفاض.
واعتبر ويدرشوفن أن أداء الحكومة المصرية في إدارة إنتاجها من الغاز يفتقر إلى الرؤية طويلة الأمد، وأنها تحتاج أن تدرس الأسواق المحتملة لبيع إنتاجها.
ولم تأت الآراء المنتقدة لأداء الحكومة المصرية في إدارة ملف تجارة الغاز من الخبراء الأجانب فقط، إذ نشر الاقتصادي والأكاديمي المصري محمود وهبة، على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك مقالاً أكد فيه أن "مآسي الغاز في مصر بالجملة"، مشيراً إلى تهاوي أسعار الغاز العالمية، ومؤكداً أن الدول المنتجة للغاز، ومنها مصر، ستخسر كثيراً، بينما ربحت إسرائيل باتفاقها على بيع تلك الكميات من الغاز، لكل من مصر والأردن، وبسعر يتجاوز ثلاثة أضعاف السعر المتاح في السوق العالمية الآن!
ربما لم يحالف الحظُ الحكومةَ المصريةَ، فتحركت الأسعار في اتجاه لم تتوقعه حينما وقعت على اتفاق استيراد الغاز المنهوب من إسرائيل، لكن هذا لا يغفر لمن اتخذ القرار، في وقتٍ أعلنا فيه أننا حققنا الاكتفاء الذاتي من الغاز وبدأنا التصدير، ولا يغفر لمن استبعد أهل الخبرة وقدم عليهم أهل الثقة، ولا يغفر لمن بخل علينا بمعلومات نعرف منها لماذا نستورد، وكم دفعنا مقابل الاستيراد، ثم جاء ليفتخر بعدم اتباع دراسات الجدوى، ليعلن أننا قد سجلنا هدفاً، وهو يجهل أن الهدف كان في مرمانا نحن!