اتجه السودان إلى الربط الكهربائي مع مصر، في خطوة تستهدف إلى مواجهة النقص الحاد في الإمدادات وانقطاعات مستمرة في التيار تمتد إلى عدة ساعات يومياً والإطفاء الكامل في بعض الفترات، مما يفاقم معيشة المواطنين ويعيق العملية الاقتصادية والتجارية.
وانطلق، أول من أمس، التشغيل التجريبي للربط الكهربائي بين البلدين، من خلال محطتي توشكا المصرية وأرقين السودانية، لإمداد الجانب السوداني بطاقة تقدر بحوالي 50 ميغاواط في مرحلتها الأولى، على أن تصل في مرحلتها الثانية إلى 300 ميغاواط.
وينتج السودان في أفضل حالاته 3000 ميغاواط كهرباء، إلا أن المستغل الفعلي منها حوالي 2000 ميغاواط فقط، وما تبقى يذهب هدراً بسبب سوء الإدارة، وفقاً لخبراء في الكهرباء.
ويعد القطاع الصناعي المتضرر الأكبر، نظراً لاعتماده على الإنتاج وأي توقف يؤثر سلباً على المصانع، كما يؤدي غياب الكهرباء لتسديد أجور العمالة من دون إنتاج فعلي.
وقال صاحب مصنع، فضّل عدم ذكر اسمه، إن "تكرار انقطاع التيار يمثل خسارة مؤكدة للمستثمرين"، موضحا أن تكلفة تشغيل المولدات عالية بسبب ارتفاع أسعار الجازولين، علاوة على أن بعض الآليات تحتاج إلى تيار كهربائي منتظم وقوي، وهو ما لا يتوفر دوما في المولدات.
ومن جانبه، قال أحد مسؤولي وزارة الموارد المائية والكهرباء، لـ"العربي الجديد"، إن السبب في استمرار الانقطاعات يكمن في تجاهل الإدارات المتعاقبة لخطط التطوير التي قدمها الفنيون والمهندسون منذ أكثر من 6 سنوات من دون أن تتبنى الوزارة تطبيقها.
وأضاف المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، أن تجاهل تلك الخطط هو السبب الأول في عجز الإنتاج الحالي.
وحسب مراقبين، فإن شركات الكهرباء تعاني من قلة الموارد البشرية من المهندسين والفنيين، بما لا يتناسب مع حجم أعطال الشبكة، بالإضافة إلى نقص الآلات والأسلاك والكوابل والعدادات وغيره.
ووصف المراقبون مشاريع الربط الكهربائي بأنها تعاون إيجابي للاستفادة من القدرات الاقتصادية الفائضة وتبادل الكهرباء وقت الذروة، خاصة أن تكلفة الكهرباء الحرارية في مصر قليلة، لأنها تنتج من الغاز، مقارنة بإنتاجها في السودان الذي يعتمد على الوقود.
كما أن الغاز المصري يمر عبر الأنابيب من مناطق الإنتاج سوى من حقول الغاز المصرية أو إسرائيل، ما يعنى قلة التكلفة.
الخبير السوداني في مجال الكهرباء، جون جنيدي، اعتبر "مشروع الربط مع مصر مهما جدا للدولتين من النواحي الفنية والبيئية والاقتصادية، إذ يؤدي الربط إلى تقوية شبكات الكهرباء فيهما، وحماية السودانية بشكل خاص من السقوط (بلاك آوت)، ويمكن استغلال الفائض، خاصة من التوليد المائي المتاح أو الطاقة الشمسية المتاحة في البلدين".
أضاف جنيدي لـ"العربي الجديد": كما أنه يخفض نسبة المفقود في الشبكتين، لأنه يدعم جودة الكهرباء، ويوفر استغلال الاحتياطي المتوفر من الطاقة المائية بين البلدين وسد العجز في حال خروج بعض وحدات التوليد في السودان أو في قمة الاستهلاك اليومي والموسمي للكهرباء.
لكن الخبير الاقتصادي محمد بابكر قال لـ"العربي الجديد" إن المشكلة الحقيقية التي تواجه الحكومة السودانية مستقبلا هي ضعف القدرة المالية في الالتزام بالاتفاقيات الدولية التي تبرمها مع بعض الدول.
وأضاف بابكر أن الاتفاق جيد لكنه يتطلب جدية من الخرطوم ووزارة المالية في التعامل مع مثل هذه الاتفاقيات، كما أن مسألة تنويع مشتريات السودان من عدة دول يعطى مناعة وقدرة سياسية.
ويرى الخبير السوداني أنه من الأفضل البحث عن إنتاج كهرباء من مصادر متنوعة مثل الماء والطاقة الشمسية والرياح التي تعتبر مصدر الطاقة الأفضل في المستقبل لتحقيق استقلال القرار السياسي والاقتصادي.
وتذبذبت عمليات إمداد التيار الكهربائي لتتواصل معها الانقطاعات المتكررة وصلت أحيانا إلى إطفاء عام للشبكة. وشهد العام الماضي حالتي إطفاء للشبكة بسبب خروج الربط الإثيوبي، الأولى كانت في شهر إبريل/نيسان الماضي.
وخلال خمس سنوات، شهدت شبكة الكهرباء ثماني عمليات إطفاء، إلا أن وتيرتها زادت خلال العام قبل الماضي 2018، الذي شهد أربع حالات إطفاء كاملة. وتؤكد تقارير "غير رسمية" أن ما يفوق 60% من سكان السودان لا تصل إليهم كهرباء.
ويرى المحلل السياسي فخر الدين الشيخ، في الاتفاق، تطورا كبيرا يتماشى مع الاتجاه العالمي في ربط الدول كهربائيا لتقليل الحمولة الزائدة بأسعار معقولة.
وعلى عكس مخاوف مراقبين من التأثيرات السلبية لسد النهضة على مياه وكهرباء مصر والسودان، قال الشيخ إن الربط بين البلدين هو استعداد مصري للمستقبل للاستفادة من سد إثيوبيا بأسعار تفضيلية، معتبرا أنها من الفوائد الاقتصادية للسد.
وكانت تركيا التزمت، في وقت سابق، بتقديم الدعم اللازم للسودان في مجال الكهرباء، أثناء اجتماعات اللجنة الفنية العليا المشتركة بين البلدين، لتمكينه من معالجة سرعة الأعطال بشبكة التوزيع.
وقالت تركيا إن التكنولوجيا الخاصة بتجهيز وتصنيع ماكينات الكهرباء شهدت تقدما ملحوظا بين دول العالم خلال السنوات الأخيرة الماضية، وأبدت استعدادها لنقل كافة الإمكانات المعرفية المتصلة بهذا الشأن للسودان.