أسعار الغاز المسال إلى أين وسط التوترات الجيوسياسية؟

18 ابريل 2018
مشروع غاز جديد في أستراليا (Getty)
+ الخط -

ترفع التوترات السياسية والمواجهات العسكرية والنزاعات التجارية التي باتت تهدد الاستقرار العالمي وتزرع الرعب وسط العديد من دول العالم المستهلكة الكبرى من مخاطر أمن الطاقة العالمي، خاصة لدى الدول المستهلكة الكبرى للطاقة، مثل الصين واليابان ودول الاتحاد الأوروبي.

ومن ثم يرفع هذا التوتر من حاجة هذه الدول لشراء المزيد من إمدادات الغاز الطبيعي المسال، وهو ما يدفع نحو زيادة أسعاره، وذلك ببساطة لأن الغاز الطبيعي المسال سهل النقل، وأكثر أماناً مقارنة بخطوط الأنابيب التي يمكن أن تتعرض لعمليات التخريب من قبل الجماعات الإرهابية أو العصابات في أوقات الحروب.

لكن يلاحظ أن أسعار الغاز المسال لا ترتفع فقط لهذه الأسباب، فهنالك 4 أسباب رئيسية أخرى رفعت من أسعار الغاز المسال في العالم خلال العام الجاري، حيث بلغت أكثر من 11 دولاراً للمليون وحدة حرارة بريطانية في آسيا، وتحديداً بلغت العقود الفورية في آسيا 11.2 دولاراً في الشتاء، وهو أعلى سعر للغاز المسال منذ أكثر من ثلاث سنوات. وعادة ما ترتفع أسعار الغاز في الشتاء وتهبط في الصيف نسبة لارتفاع الحاجة للغاز للتدفئة في الشتاء مقارنة بموسم الصيف.

وحسب نشرة "أشيان سبوت إل إن جي"، فإن أسعار الغاز أغلقت يوم الجمعة الماضي في السوق الفورية بسعر 7.25 دولارات للمليون وحدة حرارية، وهو ما يعادل ارتفاعاً بنسبة 18.4% عن مستوياتها في نفس الأسبوع من العام الماضي، حيث كان سعر الوحدة 5.31 دولارات.



لكن حسب تقرير شركة شل البريطانية الأخير، فإن أسعار الغاز مرشحة للارتفاع أكثر في الأعوام المقبلة، خاصة في النصف الثاني من العقد المقبل، بسبب زيادة الطلب على الغاز المسال، وشح الإمدادات المتوقعة حتى بعد تنفيذ مشاريع الغاز الجديدة في كل من قطر وأستراليا وأميركا التي تحولت من مستورد للغاز إلى مصدر، ووصلت شحناتها إلى كل من آسيا وأوروبا، وذلك بسبب ثورة الغاز الصخري الأخيرة.

ويشير تقرير شل الأخير عن وضع الغاز المسال، إلى أن العالم سيواجه نقصاً في إمدادات الغاز المسال، ما لم تتمكن الدول من وضع استثمارات جديدة تقدر بحوالى 200 مليار دولار في مشاريع جديدة بحلول النصف الثاني من العقد المقبل.

وكان خبراء في صناعة الغاز قد توقعوا أن تعاني سوق الغاز من تخمة خلال السنوات المقبلة، بسبب مشاريع الغاز الجديدة في كل من أستراليا وأميركا وكندا وماليزيا، لكن ما حدث خلال النصف الثاني من العام الماضي والشهور الأخيرة من العام الجاري قلب موازين التوقعات رأساً على عقب، حيث ارتفع الطلب الآسيوي فوق التوقعات.

وحسب خبراء في مجال الغاز، فإن هنالك أربعة عوامل رئيسية أسهمت في ارتفاع أسعار الغاز المسال خلال الفترة الأخيرة، وهي:

1- تحول الصين التي تعاني من ارتفاع درجة التلوث، خاصة في المدن الكبرى مثل بكين وشنغهاي، من استخدام الفحم الحجري شديد التلويث للبيئة إلى الطاقات النظيفة وعلى رأسها الغاز الطبيعي. ويلاحظ أن الصين أصبحت في السنوات الأخيرة من كبار المستوردين للنفط والغاز الطبيعي في العالم، وسط معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة والمتواصلة رغم الأزمة التي مرت بها في بعض السنوات مثل العام 2015 ( معدل نمو 6.9% في العام 2017).

2- زيادة استهلاك الطاقة في دول جنوب شرقي آسيا، التي يجري فيها تحول كبير منذ سنوات، حيث تنمو الطبقة الوسطى وينحسر مستوى الفقر، وبالتالي يتزايد معدل استهلاك الطاقة، ومن أبرز هذه الدول الهند ذات الكثافة السكانية الضخمة والانتاج الاقتصادي والتنموي القوي، وكذا دول مثل إندونيسيا وماليزيا.

3- تناقص إنتاج الغاز الطبيعي في أوروبا، حيث ينضب إنتاج العديد من الحقول في بحر الشمال في بريطانيا، كما يتناقص الإنتاج في هولندا، ودول أوروبية. ويلاحظ أن دول الاتحاد الأوروبي عادت للنمو القوي خلال العام الجاري، مقارنة بسنوات الركود الاقتصادي والاضطراب المالي الذي شهدته منطقة اليورو بين أعوام 2011 و2014.

4- تحول كل من اليابان وألمانيا من توليد الطاقة النووية إلى الطاقات البديلة وعلى رأسها الغاز الطبيعي، ففي أعقاب كارثة مفاعل فوكوشيما في اليابان، أغلقت البلاد معظم مولدات الطاقة النووية، كما اتخذت ألمانيا قراراً مماثلاً حفاظاً على سلامة المواطنين. وهذا العامل رفع من استهلاك الطاقة في كلا البلدين خاصة من الغاز الطبيعي.

هذه العوامل حولت معادلة العرض والطلب في سوق الغاز المسال العالمي، الذي من المتوقع أن ينمو من 293 مليون طن في عام 2017، إلى 500 مليون طن سنوياً بحلول عام 2030، حسب تقرير شركة شل.



لكن وحسب التقرير، فإن الإمدادات المتوفرة حالياً وطاقة المشاريع الجديدة لا تزيد المعروض العالمي من الغاز المسال، إلا بحوالى 300 مليون طن سنوياً، وهو ما يعني أن العالم لربما سيعاني من عجز في الإمدادات قدره 200 مليون طن سنوياً بحلول عام 2030.

ومن بين الإمدادات الجديدة، إمدادات الغاز الصخري في أميركا، وهي إمدادات متذبذبة، غير مؤكدة الاحتياطي حتى الآن.

وتعد قطر من بين الدول التي سترفع إمداداتها من الغاز المسال خلال السنوات المقبلة، حيث أعلنت قطر عن مشروع جديد لزيادة الطاقة الإنتاجية في العام الماضي من 80 مليون طن سنوياً، إلى 100 مليون طن سنوياً بحلول عام 2024.

ويمتاز الغاز المسال القطري، بأنه الأقل كلفة من بين صناعات الغاز المسال في العالم، لأنه ينتج من حقل واسع هو حقل بحر الشمال، كما أن قطر أكملت البنى الأساسية لصناعات الغاز المسال وأصبحت أية زيادة في طاقة الإنتاج قليلة الكلفة مقارنة بمنافسيها الجدد في أستراليا والولايات المتحدة.

كما أن قطر تقل احتياجاتها المحلية لاستهلاك الغاز في توليد الطاقة مقارنة بالمنافسين الآخرين في تجارة الغاز المسال مثل أميركا وأستراليا اللتين تتزايد احتياجات الغاز المحلية لديهما، وبالتالي تكبح هذه الزيادة في الاستهلاك المحلي من قدرتهما المستقبلية في التصدير.

ورغم التحديات الضخمة التي واجهتها صناعة وتسويق النفط والغاز خلال السنوات الماضية، إلا أن معهد أوكسفورد ونشرة "أويل برايس"، يريان أن أسعار الغاز ستبدأ في الارتفاع وبمعدل أكبر فيما بعد عام 2020.



في هذا الصدد ترى البروفسورة بجامعة أوكسفورد، أجينا غيرغاس، أن تجارة الغاز ستعود للازدهار بعد عام 2020. وتعزو غيرغاس في لقاء مع مجلة "أميركان إنترست" نشر مؤخراً، عودة ازدهار تجارة الغاز المسال إلى الانتعاش لسهولة نقل الغاز المسال إلى مناطق العالم المختلفة والأسواق الاستهلاكية مقارنة بما كان عليه الأمر في السابق، وهذا العامل أدى إلى تكامل أسواق الغاز الطبيعي الذي أصبح متاحاً، مقارنة بفترات كان فيها الغاز يعتمد على النقل بالأنابيب فقط.

لكن حتى الآن هنالك مشكلة في مشاريع تحويل الغاز من حالة الجمود إلى السيولة، وهو ما يحد من استقبال شحنات الغاز المسال في بعض الأسواق.

كما تشير البروفسورة غيرغاس، كذلك إلى عامل عقود الغاز المسال الفورية والقصيرة الأجل التي أصبحت متوفرة الآن، ومنتشرة في تجارة الغاز مقارنة بالعقود طويلة الأجل في السابق، والتي كانت مرتبطة بأسعار النفط وتحدّ من تجارة الغاز المسال في السوق الفورية. وهذا العامل جعل هنالك مرونة في تجارة الغاز المسال.

وآسيا السوق المهيمنة على تجارة الغاز الطبيعي المسال يترأسها مستوردان كبيران جداً إلى جانب الصين، وهما اليابان وكوريا، اللذان يمثلان وحدهما حوالي نصف سوق الغاز الطبيعي المسال في العالم. وقد استهلك هذان العملاقان المستوردان أكثر من 156 مليار متر مكعّب من الغاز الطبيعي المُسال، أي ما يفوق بنسبة 40% مجمل الغاز الطبيعي المسال المستورد في العالم.



لكن في الآونة الأخيرة، بدأ الطلب الأوروبي يتزايد، وهو يُعزى إلى انخفاض الإنتاج في بحر الشمال والرغبة في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة. وتعد بريطانيا وإسبانيا، من بين كبار المشترين للغاز المسال، إذ تستوردان 20 مليون طنّ سنوياً، تليهما فرنسا وإيطاليا وتركيا.
المساهمون