ألقت سياسة كبح الواردات التي تبنتها الحكومة الجزائرية المؤقتة منذ مايو/أيار الماضي، بظلالها على مصانع تجميع السيارات، التي دخلت في حالة جمود بسبب غياب "هياكل السيارات".
وما فاقم من أزمة المصانع وعمالها، هو سجن ملاكها المتورطين في قضايا فساد، ما قد يعجل بغلقها، كما فعل العملاق الألماني فولكس فاغن، وهي معطيات تحتم على الرئيس الجديد للجزائر، عبد المجيد تبون، وحكومته المنتظر الإعلان عنها مطلع 2020، سرعة التحرك لإنقاذ المصانع وحفظ مصدر عيش الآلاف من العمال.
واحتدم الصراع مع مصانع تجميع السيارات، بسبب تمسك الحكومة بتجميد استيراد الهياكل حتى نهاية 2019، وفي المقابل بدأت العلامات المصنعة للسيارات بترجمة تهديداتها عبر إغلاق المصانع، فيما فضلت بعض العلامات الطرق "الدبلوماسية" عبر الضغط من خلال السفارات والتفاوض مع المسؤولين.
أولى العلامات التي أعلنت وقف مصنعها هي "فولكس فاغن" الألمانية التي كشفت في بيان صادر عن الشركة الأم في ألمانيا، أنها قررت "وقف توريد الهياكل لشريكها في الجزائر "سوفاك" بسبب الأزمة السياسية".
وتعود الشراكة بين "فولكس فاغن" وشركة "سوفاك" المملوكة من طرف رجل الأعمال مراد عولمي، المسجون احتياطيا في قضايا فساد، إلى عشرة أعوام.
ومنذ عام 2016، تدير مجموعة السيارات الألمانية مصنع تجميع في الجزائر، والذي جمّع العام الماضي نحو 50 ألف سيارة، وتحاشت الشركة في بيانها ذكر سجن شريكها حفاظا على سمعة العلامة، واكتفت بربط غلق المصنع بالأوضاع السياسية التي تمر بها البلاد.
قال مصدر في وزارة الصناعة الجزائرية، لـ"العربي الجديد" إن علامة "ايفيكو" الإيطالية لتجميع الشاحنات قررت هي الأخرى غلق مصنع الجزائر، بسبب تجميد استيراد هياكل السيارات والشاحنات من جهة، وسجن شريكها محمد بعيري، الذي حُكم عليه بثلاث سنوات سجن نافذة ومصادرة جميع ممتلكاته، وقد أرسلت العلامة الإيطالية رسالة لشريكها الجزائري تبلغه فيها بالقرار رسميا.
كما قد تلتحق في يناير/كانون الثاني القادم، حسب نفس المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، شركة "كيا" الكورية الجنوبية، وذلك بعد الحكم على شريكها الجزائري حسان عرباوي، الأسبوع الماضي بسبع سنوات سجن نافذة، مع مصادرة جميع ممتلكاته، إلا أن الشركة الكورية الجنوبية لم تقرر بعد مغادرة البلاد، ومن الممكن أن تعود للعمل مع شريكها السابق رجل الأعمال عبد الرحمان عشايبو، حسب نفس المصدر.
ويعيش قطاع تجميع السيارات حالة من الذعر والقلق، منذ شهر مايو/أيار الماضي، عقب منع الحكومة المؤقتة مصانع تجميع السيارات من استيراد الهياكل من نظام التركيب الصناعي "Semi knocked down"، وقطع الغيار، بسبب تجاوز واردات المصانع من الهياكل عتبة ملياري دولار، خلال خمسة أشهر فقط.
وحددت الحكومة حصص مصانع تجميع السيارات حسب طاقة الإنتاج، فكانت للعلامة الفرنسية "رينو" حصة الأسد بـ660 مليون دولار، ثم "سوفاك" ممثلة العلامات الألمانية "فولكس فاغن" و"سكودا" بالإضافة إلى "أودي" بـ600 مليون دولار، و"كيا" الكورية الجنوبية بـ380 مليون دولار، ثم "هيونداي" الكورية الجنوبية بـ360 مليون دولار.
وما زاد من مشاكل قطاع تجميع السيارات في الجزائر، هو سجن ملاك المصانع في قضايا فساد، لاستفادتهم من مزايا ضخمة في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ويتعلق الأمر بكل من محي الدين طاحكوت مالك مصنع "هيونداي"، وحسان عرباوي مالك علامة "كيا"، ومراد عولمي مالك مصنع "فولكس فاغن"، وأحمد معزوز صاحب علامة "شيري" الصينية، بالإضافة إلى محمد بعيري مالك مصنع "ايفيكو" الإيطالية لتجميع الشاحنات.
أمام هذه التطورات الصعبة التي تعيشها مصانع تجميع السيارات، وجد الآلاف من العمال أنفسهم في وضعية لا يحسدون عليها، إذ تم تجميد الرواتب منذ عدة أشهر، بالإضافة إلى غموض مصير شركاتهم.
وفي ظل غياب أرقام رسمية بشأن عدد العمال في مؤسسات رجال الأعمال المحسوبين على نظام بوتفليقة، تقدر مصادر نقابية أن العدد يتجاوز 100 ألف عامل، منهم قرابة 10 آلاف في مصانع تجميع السيارات، وهو ما يشكل جبهة اجتماعية يمكن أن تتحول إلى بؤرة احتجاجية تزيد من متاعب السلطة.
وبما أن ملفات هذه المصانع موجودة بين أيدي القضاء الجزائري، يرى الخبير القانوني الجزائري، عمار رايسي، أن "الحلول القانونية التي يمكن للحكومة الجزائرية اللجوء إليها لحماية مصانع تجميع السيارات تبدأ بما يُعرف في القضاء الجزائري بالحارس القضائي".
وأوضح رايسي في حديث مع "العربي الجديد" أن "دور الحارس القضائي يتمثل في أن يكون مسؤولاً أمام القاضي، من خلال إدارة شؤون المؤسسة بصفته مديراً لها، ويمارس صلاحياته في دفع أجور العمال وضمان المادة الأولية، والوفاء بالتزامات المؤسسة وغيرها، وكل ذلك من أجل الحفاظ على مناصب الشغل والمؤسسة حتى صدور الحكم النهائي". وأضاف: حالياً تم تعيين حارس قضائي لمصنع هيونداي فقط في انتظار بقية المصانع.
وفي حال صدور الحكم النهائي للقضاء كما هو حال شركة "كيا" و"شيري" و"ايفيكو"، كشف رايسي أن "البنوك مطالبة في هذه الحالة بتقديم تقارير مفصلة عن ديونها لدى تلك المؤسسات، وهنا يقوم الحارس القضائي بالوفاء بالتزامات المؤسسة بموافقة القاضي من خلال استخلاص المستحقات من المؤسسة وبأوامر من القاضي المعين".
وإذا كان المسار القانوني واضحا بحكم صرامة التشريعات الجزائرية نظريا في محاربة الفساد، إلا أن مصير المصانع ومعها الآلاف من العمال لم يعد حكرا وحصرا على الحكومة، وهو ما يؤكده موقف إدارة العملاق الألماني فولكس فاغن، الذي فاجأ الجميع بوقف النشاط.
وحسب الخبير المختص في سوق السيارات بالجزائر، مالك شرف، فإن مستقبل مصانع تجميع السيارات وآلاف مناصب الشغل التي توفرها، ليس بين يدي القضاء فقط، بل تتدخل فيه عوامل أخرى، أولها تراخيص الاستيراد التي تمنحها الحكومة بداية كل سنة.
وأضاف: نحن الآن أمام حكومة مغادرة وأخرى جديدة لا نعلم متى يتم تشكيلها، لصعوبة حدوث توافق بين القوى السياسية، وبالتالي يمكن الانتظار حتى مارس/آذار على أقل تقدير حتى تفرج وزارتا الصناعة والتجارة عن رخص الاستيراد والحصص الممنوحة لكل مصنع.
وتابع نفس المتحدث لـ"العربي الجديد" أن العامل الثاني هو موقف إدارة العلامات العالمية من مواصلة تجميع السيارات، فمثلا فولكس فاغن أوقفت تعاونها مع شريكها الجزائري، أي حتى ولو تم تعيين حارس قضائي أو تم فتح رأسمال الشركة، فإن العلامة لا تريد العمل بشكل مؤقت.