الاقتصاد السعودي يدخل المنعطف الخطر ويشهد أكبر تباطؤ منذ الأزمة المالية

23 يونيو 2017
خسائر تطاول العديد من القطاعات (Getty)
+ الخط -
في الوقت الذي تعطي الحكومة السعودية وحلفاؤها جل اهتمامهم للحصار غير القانوني على قطر، يدخل اقتصادها في منعطف خطر خلال العام الجاري والأعوام المقبلة، وسط تزايد الإنفاق وتناقص الدخل النفطي، واختلالات مريعة في الميزانيات وميزان المدفوعات، وارتفاع الدين العام، وذلك حسب تقارير صادرة عن مؤسسات مالية دولية. 

وحسب مسح لوكالة بلومبيرغ الاقتصادية الأميركية نشرته قبل أيام، فإن الاقتصاد السعودي سيشهد أكبر تباطؤ في النمو منذ الأزمة المال العالمية التي اندلعت في العام 2008.

وتوقع المسح أن ينمو الاقتصاد السعودي بنسبة 1.5% فقط خلال العام الجاري.

وحسب بلومبيرغ، فإنه على الرغم من خفض الإنفاق الذي أجرته الحكومة السعودية، إلا أن الحكومة لا تزال الموظف الأول والرئيسي للمواطنين، حيث توظف الحكومة السعودية حوالي 66% من إجمالي القوى العاملة، ولا يزال القطاع الخاص يرفض تعيين المواطنين، حيث يأخذ الأجانب حصة 80% من الأجور التي يدفعها هذا القطاع.

وهذا يعني أن الخطط السعودية بتنويع مصادر الدخل وخطط إجبار القطاع الخاص على سعودة الوظائف عبر نظام ما يسمى بالنطاقات، قد ذهبت أدراج الرياح كما تقول الوكالة الاقتصادية الأميركية.

وضربت وكالة بلومبيرغ مثلاً على فشل خطط تنويع مصادر الدخل بمشروع مركز الملك عبد الله المالي، أو حي المال السعودي، الذي أنفقت عليه الحكومة 10 مليارات دولار، ولا يزال مدينة أشباح، حيث ظلت جل بناياته خالية بدون إيجار، كما أن عمال البناء هجروا المشروع لأن الشركات لم تدفع لهم مرتباتهم، وذلك بسبب عدم قدرة الحكومة السعودية على دفع مستحقات شركات المقاولات العاملة في المشروع.

في هذا الصدد يقول كريسبن هاوز، المدير التنفيذي بشركة "تينكو انتليجنس": "إذا لم يحدث إصلاح حقيقي لأسس الاقتصاد السعودي، فسيكون من الصعب على السعودية خلق الوظائف التي تحتاجها لمواطنيها".

بدوره، يرى مصرف "سامبا" السعودي في رؤيته لاقتصاد المملكة العربية السعودية بين أعوام " 2017 ـ 2020"، أن النشاط الاقتصادي بالمملكة سيظل ضعيفاً بسبب خفض الدعم الحكومي، متوقعاً أن ينكمش النمو الاقتصادي غير النفطي بالسعودية خلال الأعوام، حتى العام 2020، بنسبة واحد في المائة. وهو ما يدل على أن خطة تنويع مصادر الدخل التي تعكف المملكة على تنفيذها ستكون لها تداعيات سلبية على صعيد النمو الاقتصادي العام وحتى على صعيد نمو الاقتصاد غير النفطي الذي تسعى لتنفيذ خططه خلال الأعوام المقبلة.

ويبين تقرير مصرف "سامبا" أن الحكومة السعودية ومنذ تولي الملك سلمان للحكم ظلت تصارع آثار تدهور أسعار النفط وتداعياتها السالبة على الميزانية وميزان المدفوعات.

وتوقع المصرف السعودي أن يتواصل العجز في الميزانيات السعودية على المدى المتوسط. والمدى المتوسط في الحسابات المالية يعني فترة تمتد بين خمس وعشر سنوات.

واستبعد المصرف أن يكون هناك أمل في عودة الحكومة السعودية إلى الإنفاق بسخاء خلال السنوات المقبلة، مثلما كان الحال في فترة سنوات ارتفاع أسعار النفط التي امتدت بين "2003 و2013".


وأشار التقرير إلى أن السخاء في الإنفاق السعودي لن يحدث حتى في حال تحسن أسعار النفط.

كما توقع مصرف سامبا في تقريره، أن يظل النفط هو المحدد الرئيسي للنشاط الاقتصادي بالمملكة السعودية خلال السنوات المقبلة، على الرغم من اعتماد خطط "إنهاء الاعتماد على النفط وبناء اقتصاد غير نفطي، أي تحرير الاقتصاد من قبضة النفط. وذلك وفقاً لرؤية 2030 التي أعلن عنها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال العام الماضي".


وتوقع مصرف "سامبا" أن لا يتم طرح 5.0% من شركة أرامكو الذي تخطط له الحكومة السعودية وتأمل أن تحصل منه على 100 مليار دولار، قبل العام 2019 .

وقال في هذا الصدد "من غير المحتمل أن يتم طرح اكتتاب شركة أرامكو قبل حصول سوق المال السعودي على عضوية الأسواق الناشئة"، مستبعداً أن تحصل البورصة السعودية على العضوية قبل العام 2019.

ويقول المصرف "لا توجد، حتى الآن، خطة واضحة بشأن تقييم رأس مال شركة أرامكو أو متى ستطرح".

وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" قد ذكرت، الأسبوع الماضي، أن هنالك خلافاً بين كبار مديري شركة أرامكو والعائلة المالكة حول السوق العالمية التي ستختارها السعودية لاكتتاب أرامكو.

بينما يتخوف كبار المديرين من طرح أسهم أرامكو في بورصة نيويورك بسبب تداعيات قضايا الإرهاب التي من الممكن أن يرفعها مواطنون أميركيون على السعودية وفقاً لقانون "جاستا".

لكن الصحيفة المالية الأميركية ذكرت أن أعضاء العائلة المالكة يرون أن الأفضل طرحها في السوق الأميركية وليس سوق لندن المالية، نظراً للعلاقات التي تربطهم بالحكومة في واشنطن. 

وتوقع تقرير "سامبا"، أن تبلغ التمويلات الإضافية التي ستحتاجها الحكومة السعودية بين أعوام 2017 و2018، حوالى 637 مليار ريال سعودي، لسد العجز في الميزانيات، أي تلبية الإنفاق الفائق على الدخل في الميزانيات المقبلة.

وأشار في هذا الصدد إلى أن الحكومة السعودية ستضطر خلال الأعوام المقبلة للاستمرار في إصدار سندات دين في السوق المحلية وأسواق المال العالمية، لتلبية متطلبات الإنفاق في الميزانيات المقبلة.

ومن هذا المنطلق توقع المصرف أن يرتفع الدين السعودي الخارجي إلى حوالى 11% من إجمالي الناتج وأن يرتفع الدين المحلي إلى 13% من إجمالي الناتج المحلي. وهو ما يعني أن السعودية ستواصل الاستدانة لتغطية الإنفاق.

ويذكر أن هذه التقديرات لم تأخذ في الاعتبار صفقة الأسلحة الأخيرة التي نفذتها السعودية مع أميركا والبالغة 112 مليار دولار، كما لم تأخذ في الاعتبار تراجع أسعار النفط إلى أقل من 50 دولاراً للبرميل واحتمالات تراجعه أكثر خلال الفترة المقبلة، وسط الفوضى الأمنية التي خلقها "الحصار غير القانوني على قطر" وزيادة إمدادات النفط في أسواق الطاقة العالمية.

يذكر أن فريقاً من خبراء صندوق النقد الدولي بقيادة تيم كالن، قد أجرى مناقشات مع المملكة العربية السعودية على مدار الفترة من 30 أبريل/ نيسان إلى 11 مايو/ أيار 2017 بشأن آفاق الإصلاح الاقتصادي.

ورحب الصندوق بالإصلاحات المالية والاقتصادية التي تعكف المملكة على تنفيذها، إلا أنه قال "من الضروري توفير مزيد من الوظائف للمواطنين السعوديين في القطاع الخاص.

ومن شأن إقامة حوار قومي بين الحكومة ومؤسسات الأعمال والراغبين في العمل أو الاستفادة من فرص ريادة الأعمال أن تساعد في إيجاد حلول لتحدي توفير الوظائف بما يتناسب مع متطلبات كل طرف".

وأضاف الصندوق في بيانه "ينبغي النظر في تعزيز تنافسية العمالة السعودية في القطاع الخاص. ومما يمكن أن يساعد في سد فجوة الأجور بين المواطنين والوافدين أن يُسمَح للعمالة الوافدة بمرونة أكبر في الحركة داخل الاقتصاد".

وبشأن دور المرأة في النمو الاقتصادي ذكرت بعثة الصندوق: "سيكون لتشجيع عمل المرأة أثر إيجابي على الاقتصاد. فالنساء يحصلن على نفس التعليم الذي يحصل عليه الرجال، ومشاركتهن في سوق العمل بدأت تزداد في السنوات الأخيرة. غير أن مستوى المشاركة لا يزال منخفضاً، مما يعني أن مساهمة مهاراتهن وجهودهن في نمو الاقتصاد وإنتاجيته لم تصل بعد إلى المستوى الممكن".

يذكر أن السعودية قد سحبت خلال العام 2016 نحو 182.8 مليار ريال من الاحتياطي العام لينخفض إلى 471.1 مليار ريال مقارنة بنحو 653.9 مليار ريال بنهاية 2015. وذلك وفقاً لأرقام مؤسسة النقد العربي السعودي، ساما "البنك المركزي".

وتعاني السعودية من أزمة مالية، بسبب تراجع أسعار النفط العالمية، ما دفع الحكومة إلى اتخاذ عدة إجراءات تقشفية صعبة لإصلاح الاقتصاد والاتجاه نحو الاقتراض للحد من الأزمة المالية، ورغم ذلك تواصَلَ تآكل الاحتياطي النقدي للبلاد. كما أن أرقام البطالة بين الشباب وخريجي الجامعات تواصل الارتفاع وسط انعدام توفير وظائف جديدة.
المساهمون