وسط ضغوط دولية متصاعدة تُنذر السياسيين اللبنانيين باحتمال وقوع كارثة مالية واجتماعية مُحققة ما لم يتخذوا تدابير عاجلة لتلافيها نتيجة عجز الموازنة الهائل، وعلى وقع هتافات ضجّت بها شوارع بيروت رافضةً المساس برواتب ومكتسبات موظفي القطاع العام، أقرّ مجلس النواب خطة إصلاح قطاع الكهرباء، لينبري رئيس الحكومة سعد الحريري بعد الجلسة التشريعية مباشرة، "مُبشّراً" اللبنانيين بموازنة عامة ستكون الأكثر تقشّفاً من أي وقت مضى.
الحريري قال: "من واجبي أن أكون صادقاً؛ لا نريد المسّ بذوي الدخل المحدود، لكن طريق الحفاظ على السلسلة (الرتب والرواتب) هو اتخاذ إجراءات تقشفية صعبة ستكون على حساب الإنفاق في الإدارة العامة"، مؤكداً في الوقت ذاته أن "لبنان ليس في وضع انهياري، لكن إن لم نتخذ الإجراءات اللازمة، فسنصل إلى وضع لا نُحسد عليه... وإذا أكملنا على ذات النحو فقد نصل إلى كارثة".
ومن الواضح أن الموازنة الجديدة سوف تتضمّن مقترحات تصيب رواتب موظفي ومتقاعدي القطاع العام من ذوي الدخل المتوسّط إلى المرتفع، وهذا ما أشار إليه الحريري عندما أكد بعد الجلسة: "لا أقول إننا سنخصم من رواتب كل الفئات"، وذلك بعدما قال إن "الحكومة تعمل ليلاً نهاراً للوصول إلى أرقام تحفظ مالية الدولة وأصحاب الدخل المحدود"، كاشفاً في الوقت ذاته عن فضيحة مفادها أن "هناك موظفين يتقاضون معاشين؛ واحد تقاعدي وآخر من الإدارة العامة، فهل يقبل الشعب اللبناني بذلك؟".
وغمز الحريري من قناة الاستقرار النقدي والقدرة الشرائية للمواطنين، قائلاً: "نحن مع المتقاعدين ومع الإدارة، لكننا نريد الحفاظ على الليرة، وعلينا أن نكون صادقين معهم بأن البلد قد يتدهور"، مضيفاً أن "الحكومة عمرها شهران، وعليها وضع موازنة تقشفية لم يتم وضع مثيل لها في تاريخ لبنان"، ومنبّهاً إلى أنه "منذ 8 سنوات لم يتخط النمو 1%، وهذا ليس نمواً بل ركود اقتصادي".
وفيما لا تزال أرقام الموازنة في كنف الغموض، رغم تداول بيانات متضاربة بشأنها في وسائل الإعلام، قال الحريري: "صحيح أننا وعدنا بموازنة خلال شهر أو شهرين"، ملمّحاً إلى احتمال تأخيرها باستدراكه قائلاً: "لكننا نحاول عدم المسّ بأحد، وهذا ليس موضوع الحريري أو (رئيس مجلس النواب نبيه) برّي، بل كل الناس".
من جملة المداخلات التي حفلت بها الجلسة التشريعية، قال رئيس "حزب الكتائب"، النائب سامي الجميّل: "قبل إقرار السلسلة، طالبنا بمسح للوظائف العامة لمعرفة الفائض والشغور"، مشدداً على أن الإصلاح الحقيقي يبدأ بتشحيل الوظائف الوهمية التي لا حاجة لها، داعياً إلى المحافظة على حقوق الموظفين المستحقين لمعاشاتهم.
أما النائب حسن فضل الله، فقد ناشد الحريري الطلب من "ديوان المحاسبة" تسريع إنجاز قطع الحساب وإحالته لإقراره في أسرع وقت، معتبراً أنه "لن نتمكن من إعادة الانتظام إلى الموازنة والمالية العامة إلا بقطع الحساب عن كل السنوات الماضية، وإلا نكون أمام عيب قانوني ودستوري".
وبعد بحث مطوّل، أُقرت خطة الكهرباء بعد سقوط كل اقتراحات القوانين المقدّمة لتعديلها، فيما اعتبر رئيس مجلس النواب، نبيه بري، أن مجلس إدارة الكهرباء يجب أن يُعيّن في فترة لا تتجاوز 3 أشهر، مطالباً بإصدار توصية بتعديل القانون 462، للتمكن من تعيين الهيئة الناظمة خلال 6 أشهر.
الحريري أوضح أن "الخطوات التي يتم اتخاذها في خطة الكهرباء تهدف للإسراع في التنفيذ، والانتهاء من عجز الكهرباء"، لافتاً إلى أنه "ستكون هناك منافسة بين شركات عالمية، وبعد التلزيم سيأتي كل شيء إلى هيئة الخصخصة"، وأن "عامل الوقت هو الذي يدفعنا إلى تعجيل تطبيق الخطة، لأننا نريد الوصول في عامَي 2021 و2022 إلى الانتهاء من عجز الكهرباء وتوفير 2800 مليار ليرة (1.86 مليار دولار سنوياً)".
لكنه أضاف: "إذا كنّا سنذهب إلى هيئة الخصخصة، فقد نحتاج إلى 3 أو 4 سنوات، ونحن نريد تسريع الوصول إلى صفر عجز في الكهرباء".
مساهمة المصارف بخفض الدين
في السياق، غرّد رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي"، وليد جنبلاط، على "تويتر" قائلاً: "حبّذا لو تقف تلك التحليلات الهمايونية حول القلوب المليانة، ومن جهة أُخرى واجب على المصارف المساهمة في خفض الدين العام، كما واجب على الدولة مصارحة الرأي العام بأهمية إعادة النظر في بعض تعويضات القطاع العسكري والقطاع المدني التي لا تنسجم والمنطق. اليونان فرضت ضريبة على الأوقاف".
Twitter Post
|
وزير المالية: الموازنة تستهدف خفض العجز إلى 9% من الناتج
ومساء الأربعاء، نقلت رويترز عن وزير المالية علي حسن خليل، قوله في تصريحات لها، إن مشروع موازنة لبنان للعام 2019 يتوقع عجزا يقل عن 9% من الناتج المحلي الاجمالي مقارنة مع 11.2% في 2018 مع تخفيضات واسعة في الإنفاق تشمل "إجراءات استثنائية تقشفية".
وأضاف خليل أن الموازنة، التي يُنظر إليها على أنها اختبار حاسم لإرادة الدولة المثقلة بالديون على إجراء اصلاحات، تستند إلى نمو متوقع قدره 1.5%، لكنه قد يصل الى حوالي 2% مع تحريك عجلة الاقتصاد.
وقال خليل إن الموازنة تتضمن فائضا أوليا مقارنة مع عجز أولي في عام 2018. وأضاف قائلاً: "الشيء الأهم أننا وضعنا أنفسنا على سكة معالجة العجز المتفاقم وسيطرنا عليه".
وقال أيضا إن المشروع يمثل "مقدمة لمزيد من التخفيض في العجز في موازنة 2020 وموازنة 2021 اللتين بدأنا برسم تصور مكرواقتصادي ومالي لهما"، مضيفاً أن الموازنة تتضمن "وضع بعض الحوافز لزيادة الايرادات منها اجراءات لضبط التهرب الضريبي وتحسين ايرادات الجمارك...وبعض التعديلات الضريبية التي تطال اصحاب الدخل المرتفع".
أضاف: "أستطيع الجزم بأنه ليس هناك أي ضرائب جديدة تطال الطبقات الفقيرة ومتوسطي الدخل".
وقال خليل إن الحكومة اللبنانية تقًدر أن مستوى الفوائد سيميل الى الانخفاض خلال الأشهر المقبلة، مضيفاً: "أعتقد أنها وللمرة الأولى ستكون موازنة شفافة واقعية تتضمن الإنفاق الحقيقي بكل جوانبه ولا تُخفي أرقاماً، وتتضمن واردات واقعية مستندة الى معطيات حقيقية نتيجة المتابعة والتدقيق التفصيلي".
إضرابات واعتصامات
وتزامناً مع الجلسة التشريعية تحت قبّة البرلمان، نفّذ أساتذة التعليم الثانوي والأساسي الرسمي والمتقاعدون والموظفون وأساتذة "الجامعة اللبنانية" (حكومية)، إضراباً مترافقاً مع اعتصام في ساحة رياض الصلح (قريباً من مقرّ مجلس النواب) شارك فيه الناجحون في "مجلس الخدمة المدنية"، وذلك تحت شعار رفض المس بسلسلة الرتب والرواتب والتقديمات الاجتماعية، وشاركت فيه مدارس رسمية وخاصة في مختلف المناطق، كما عمّ الإضراب مختلف البلديات والاتحادات البلدية.
رئيس "الاتحاد العمالي العام"، بشارة الأسمر، قال: "يجب إنصاف الناجحين بتعيينهم في مراكزهم. نحن كاتحاد عمّالي عام ندعو دائماً إلى الاحتكام إلى الهيئات الرقابية، وأوّلها مجلس الخدمة المدنية. والاحتكام إلى القانون يقضي بتعيين الناجحين في مراكزهم".
وعن إضراب موظفي الإدارات العامة وأساتذة التعليم الرسمي، قال الأسمر: "نرفع الصوت لأن الحكومة تجد أن أسهل الأمور هو المس بالقطاع العام"، مضيفاً أن "هناك إجراءات كثيرة يجب أن تبادر إليها الحكومة قبل المساس بالمكتسبات، منها سلة إصلاحية لا تمسّ الشعب، إلا أنها لا تقوى إلا على الحلقة الضعيفة، لكنهم سيرون أن الموظفين لن يكونوا حلقة ضعيفة بعد اليوم".
وانتهى الأسمر إلى القول إن "الإجراءات الإصلاحية يجب أن تناقش مع أصحاب الشأن، وهم الاتحاد العمالي العام والهيئات النقابية"، مضيفاً: "نحن في عقد اجتماعي بين فرقاء الإنتاج، وبالتالي الخروج عنه يستدعي حواراً. فهل نحن في دولة تُفرض فيها الأمور فرضاً؟".
ومن المتوقع أن تخرج إلى العلن قريباً البنود التقشفية التي سترد في مشروع الموازنة الجديدة، ما يُنذر بمواجهة مع المتضرّرين ستكون أشدّ على صانعي القرار، أكان في السلطة التشريعية أو التنفيذية.