انشغل الرأي العام في مصر بقرار وزارة الطيران المدني بتحصيل 25 دولاراً عن كل راكب مغادر من المطارات المصرية، بزيادة خمسة دولارات عن الرسم السابق، بعدما ترددت شائعات كثيرة حول أسباب القرار، ولا سيما أنه تضمن أيضاً تحصيل خمسة دولارات عن كل راكب مغادر على الرحلات الجوية الداخلية، وزيادة رسوم الهبوط والإيواء والانتظار بنسبة 15%.
واكتفت وزارة الطيران بإصدار بيان مقتضب يزعم أن "الأسعار الجديدة مطبقة بمطار القاهرة فعلياً منذ عام 2014، وأن الزيادة ستُحصل على تذاكر الطيران مباشرة، بعد التنسيق بين سلطة الطيران ووزارة السياحة وشركات الطيران، لبدء تطبيق الزيادة في 15 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل".
غير أن الوزارة لم تبرر فحوى المادة الثانية من القرار، التي تنص على "تحصيل رسم عن كل راكب نظير تطوير النظم والإجراءات الأمنية بالمطارات المصرية، بواقع دولارين أميركيين عن كل راكب في جميع المطارات، وأربعة دولارات عن كل راكب بمطار شرم الشيخ، تُضاف على المبلغ النهائي للتذكرة، بالتنسيق مع شركات الطيران والسياحة الأجنبية".
وحسب مراقبين، فإنه رغم انخفاض سعر الرسم بالنسبة لدخول السائحين الأجانب الأكثر تردداً على مصر، وكذا سعر تذاكر الطيران منذ أزمة سقوط الطائرة الروسية في سيناء (شمال شرق) في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2015، إلاّ أن لجوء الحكومة المصرية إلى فرض هذه الرسوم لتمويل عملية تطوير المطارات، وتنفيذ الاشتراطات الأمنية التي وضعتها سلطات الطيران بالدول الأكثر تعاملاً مع مصر في مجال السياحة، يعكس أبعاداً أخرى لها تأثير على سرعة استجابة هذه الدول للمطالبات المصرية المستمرة بإعادة حركة الطيران بكامل قوتها، خصوصاً إلى مطاري شرم الشيخ والغردقة على ساحل البحر الأحمر.
رفض أوروبي
كشفت مصادر في وزارة الطيران المصرية لـ"العربي الجديد"، أن سبب فرض هذه الرسوم هو رفض بعض الدول الأوروبية لطلبات مصر المتكررة بشأن تقديم دعم مالي في صورة قروض أو منح، لاستخدامها في تطوير الأنظمة الأمنية، وعلى رأسها هذه الدول روسيا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا.
وأفادت المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، بأن "بعض هذه الدول اكتفت بإبداء استعدادها لتدريب القائمين على الأنظمة الأمنية والأفراد التنفيذيين، ومنح السلطات المصرية كتب إرشادية للأنظمة المتبعة لديها، لافتة إلى عرض روسيا بيع أجهزة وأنظمة أمنية حديثة بأسعار مخفضة إلى مصر، أو بتسهيلات في الدفع، ولكن ليس بالمجان، في وقت لم تبد فيه رداً إيجابياً بشأن تقديم مساعدات لمصر في هذا الخصوص، ما شكل خيبة أمل للنظام".
وأضافت المصادر أن ألمانيا وروسيا قد أبدتا استعدادهما للتفاوض على منح هذه المساعدات، وطلبت من وزارة الطيران مطلع العام الجاري فحص بروتوكولات القروض والمنح التي سبق أن وقعتها مصر مع الجهات المانحة في العشرين عاما الماضية، ولكن تبين حصول مصر على العديد من القروض بهدف تطبيق معايير السلامة الدولية، من دون تنفيذها على أرض الواقع.
ووفقا للمصادر: "من أبرز القروض التي لوحظ فيها الخروقات، اتفاق قرض 280 مليون دولار من البنك الدولي للإنشاء والتعمير في عام 2010، بهدف تطوير مبنى الركاب (2) بمطار القاهرة، إذ طبقت المواد الخاصة بإعادة التأهيل والتوسعة وإنشاء مبنى جديد للوصول والسفر وإنشاء مهبط جديد، مع الاكتفاء بالتطبيق الصوري لمراجعة التزام هيئة الطيران المدني المصرية بمعايير منظمة الطيران المدني الدولية، والتطبيقات الموصى بها بشأن الإشراف الدولي على إجراءات السلامة والأمن، وتطوير استراتيجية البنية التحتية للتحكم في حركة الطيران وإدارة الحركة الجوية".
وذكرت المصادر أن عدم وفاء مصر بجميع أهداف هذا القرض، ومنح أخرى حصلت عليها في عهد حكومة أحمد نظيف (2003-2011)، كان من الأسباب الرئيسية التي شككت الدول المتعاونة في هذا المجال في مصداقية القاهرة، مشدّدة على أهمية إنفاق أموال القروض في الأوجه الفنية السليمة المتفق عليها، فضلاً عن استمرار تسجيل ملاحظات سلبية في زيارات التفتيش التي أجرتها وفود روسية وبريطانية وألمانية للمطارات المختلفة خلال السنوات الثلاث الماضية، بما في ذلك مطار القاهرة، رغم "الإشادة العامة بمستوى التطوير والتشديد الأمني، وباستخدام استراتيجيات جديدة ووسائل لم تكن متبعة من قبل".
مشاكل أمنية جسيمة
وعزت المصادر رفض هذه الدول إقراض مصر إلى مستجد آخر، هو رفض الدائرة الاستخباراتية الرقابية للرئيس عبد الفتاح السيسي مقترحات بعض الوزراء، والدوائر الفنية بوزارة الطيران، بإسناد إدارة المطارات الإقليمية لشركات دولية أو مصرية متخصصة في أعمال الأمن الأرضي، على أن تبقى مهمة المراقبة الملاحية حكراً على وزارة الطيران المدني، كمقترح بديل لخطة تطوير الإجراءات الأمنية بالمطارات.
وأصدر السيسي تعليمات في الصيف الماضي بإطلاق تدريب وتأهيل ألف عنصر أمني شاب في ألمانيا وبريطانيا، ليتولوا تنفيذ خطة طويلة الأجل تستهدف تحسين الأداء الأمني في المطارات المصرية.
وكان أصحاب هذا المقترح يهدفون إلى تلافي المشاكل الأمنية الجسيمة التي كشفتها وفود التفتيش الروسية في الفترة من أكتوبر تشرين/ الأول 2017، وحتى يناير/ كانون الثاني 2018، وهي الفترة التي شهدت تكثيف زيارات المراقبة والتفتيش في مطار القاهرة والمطارات الإقليمية، توطئة لتفعيل قرار استئناف الرحلات.
وكشفت زيارات التفتيش عن أخطاء غير مقبولة ومتناقضة مع البروتوكول الذي وقعت عليه مصر، مثل ضعف تأمين مسارات الركاب خارج صالة الوزن والتسجيل، والسماح بدخول أشخاص مجهولي الهوية لصالة الحقائب من دون التأكد من هويتهم، وعدم تأمين مخازن الحقائب بأجهزة البصمة "البيومترية"، أو تعميم التعامل بتلك الأجهزة في جميع المطارات المطلوب تغطيتها لضمان هوية الأشخاص العاملين، والمسموح لهم بدخول المناطق الحساسة.
وأوضحت المصادر أن هذا الرفض "السيادي" يأتي للاعتقاد بأن الإقدام على هذه الخطوة سيعرّض الأمن القومي للخطر "في ظل عدم وجود شركات وطنية تابعة للدولة أو أجهزتها، كالجيش أو المخابرات، مؤهلة لهذا الدور"، ما جعل الأمر يستقر على تأجيلها في الفترة الحالية.
حركة الطيران
وتبذل الحكومة المصرية مساعي حثيثة لإعادة حركة الطيران الأوروبية والروسية إلى جميع المطارات المصرية، ورغم أن شركة "إيروفلوت" الروسية الحكومية استأنفت رحلاتها من موسكو للقاهرة، والعكس في أبريل/نيسان 2018، بناءً على بروتوكول استئناف الرحلات وتأمين المطارات الذي وقعه البلدان، إلاّ أن الموعد المبدئي لعودة الطيران لمدن البحر الأحمر كان شهر أغسطس/آب الماضي، وأوصى وفد التفتيش الأخير باستمرار التأجيل.
ويعتمد البروتوكول والوثائق التكميلية التي وقعت بداية العام الماضي بين مصر وروسيا حلاً وسطاً حول سلطات واختصاصات الخبراء الأمنيين الروس، إذ كانت موسكو ترغب في ألا يختصوا فقط بالتفتيش على الإجراءات الأمنية الخاصة بالرحلات الروسية، بل تمتد سلطاتهم للرقابة على الإجراءات الأمنية الخاصة بباقي الرحلات، وفي النهاية اتفق الطرفان على أن تكون للمراقبين الروس سلطة مراقبة على الرحلات من وإلى روسيا فقط.
بينما أوقفت شركة الخطوط الجوية البريطانية رحلاتها إلى مصر لمدة أسبوع في يوليو/تموز الماضي "لأسباب أمنية" لم تُفصح عنها. وتُشير إحصائيات وزارة الخارجية البريطانية إلى أن 900 ألف بريطاني سافروا إلى مصر في 2015، إلا أن هذا العدد انخفض إلى 231 ألفاً في 2016 بعد منع الرحلات إلى شرم الشيخ، التي كانت تعتبر المقصد السياحي الأول في الشرق الأوسط للمواطنين البريطانيين.
واتخذت السلطات الألمانية مواقف أكثر مرونة باستئناف رحلات "لوفتهانزا" إلى الغردقة منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2018، لتعود السياحة الألمانية إلى معدلاتها الطبيعية هناك، حيث يتصدر الألمان حالياً الجنسيات الوافدة لمنتجعات البحر الأحمر، بسبب تراجع أعداد الروس والبريطانيين.
أزمة السياحة
وحسب مراقبين، فإن السياحة ستتضرر من الرسوم التي تثقل أعباء الزوار، موضحين أن هذا القطاع وجهت إليه ضربات عديدة أبرزها استمرار العمليات الإرهابية والتي طاولت أماكن سياحية رغم إعلان الحكومة عن تشديدات أمنية من أجل تحقيق الاستقرار.
وشهدت إيرادات السياحة تحسناً ملحوظا خلال الفترات الأخيرة، إلا أنها لم تكن على قدر المستهدفات الحكومية. وحسب بيانات رسمية، ارتفعت إيرادات مصر من السياحة خلال النصف الأخير من العام الماضي بنسبة 36.4% مقارنة بنفس الفترة من العام المالي الماضي. وأظهرت بيانات للبنك المركزي، أن متحصلات مصر من السفر بلغت نحو 6.8 مليارات دولار خلال النصف الأول من 2018، مقابل 4.9 مليارات دولار خلال النصف الأول من العام قبل الماضي.
ارتفاع الديون
لجوء مصر إلى الاقتراض من أجل تطوير المطارات، يأتي في سياق اعتماد الحكومة الحالية على القروض من أجل تنفيذ مختلف مشروعاتها في ظل أزمة مالية خانقة تعاني منها البلاد بسبب عدم كفاية الإيرادات في مقابل المصروفات المتزايدة خلال السنوات الأخيرة.
وأدى اندفاع نظام السيسي نحو الاقتراض الداخلي والخارجي إلى قفزة في فوائد وأقساط الديون العامة في أول موازنة لمصر "موازنة 2019-2020" بعد انتهاء قروض الصندوق (البالغ 12 مليار دولار) ستبلغ 971 مليار جنيه، وهو ما يزيد عن 80% من إجمالي إيرادات البلاد، وبزيادة نحو 154 مليار جنيه عن تقديرات موازنة العام المالي الجاري الذي بلغت فيه 817 مليار جنيه.
وارتفع الدين الخارجي لمستويات قياسية، إذ أظهرت بيانات للبنك المركزي، زيادته بنحو 3.5 مليارات دولار خلال الربع الأخير من عام 2018، ليصل بنهاية العام إلى 96.6 مليار دولار. وارتفع الدين الخارجي بذلك خلال عام 2018 بنحو 13.7 مليار دولار بنسبة 16.6% مقارنة بعام 2017.