معركة الأجور في الأردن...رجال الأعمال يهددون بورقة التسريح حال فرض زيادات

06 يناير 2020
جانب من احتجاج سابق ضد تزايد الأعباء المعيشية(Getty)
+ الخط -


دخلت معركة رفع الأجور في الأردن منعطفاً جديداً، بتهديد رجال الأعمال بتسريح أعداد كبيرة من العمال بحجة تعثر الأوضاع المالية للمنشآت، في الوقت الذي يمارس فيه برلمانيون ونشطاء في الدفاع عن حقوق العمال ضغوطاً كبيرة بتحسين الأجور وبيئة العمل وتوفير التأمينات الاجتماعية والرعاية الصحية.

ويحول تغول أصحاب العمل دون زيادة الأجور، أو إتاحة المجال للعمال لتنظيم أنفسهم بهيئات تدافع عن حقوقهم وترعى مصالحهم، لسيطرة كثير منهم على دوائر صنع القرار في المملكة، وفق حقوقيين.

وطالبت مذكرة وقعها أغلب أعضاء مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) مؤخراً حكومة عمر الرزاز برفع الحد الأدنى للأجور من 220 ديناراً (308 دولارات) إلى 280 ديناراً (392 دولاراً)، تطبيقاً لقانون العمل، الذي يقضي بمراجعة الحد الأدنى وتعديله وفقاً للظروف والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية.

ودعا 119 نائباً من أصل 130 وقّعوا على المذكرة إلى تقديم حلول تنهض بالمصلحة الوطنية وتسهم في تعزيز الإنتاجية من خلال تحسين بيئة العمل وملاءمة الفرص للشباب، وأن يرتبط الحد الأدنى للأجور بساعات العمل وليس اليوم أو الشهر، مع الأخذ في الاعتبار العمل الجزئي أو العمل الإضافي والعمل المرن.

ويقول أحمد عوض، رئيس المرصد العمالي الأردني (مؤسسة مجتمع مدني)، إن "جماعات الضغط من أصحاب الأعمال، وغالبيتهم من المتنفذين والمتحكمين في القرار الاقتصادي بالأردن، نجحوا منذ سنوات طويلة في الحيلولة دون رفع الحد الأدنى للأجور، رغم ارتفاع تكاليف المعيشة ومعدلات الفقر ووقوع معظم العاملين خاصة في القطاع الخاص تحت خط الفقر المدقع".

ويضيف عوض في تصريح لـ"العربي الجديد": "عاد هؤلاء مجدداً للتلويح بتسريح أعداد كبيرة من العمال بحجة تعثر الأوضاع المالية لشركاتهم وعدم قدرتهم على الاستمرار في العمل، بينما نتائج أعمال تلك الشركات إيجابية بحسب ما تظهر بيانات سوق المال".

ويتابع: "عام 2019 كان للأسف سوداوياً بالنسبة للعمال في الأردن حيث تم تسريح الآلاف لأسباب غير منطقية، خاصة أن القانون لا يحمي هذه الفئة بل يقوم كما هو واضح من نصوصه لخدمة أصحاب العمل".

ودخلت وزارة العمل على خط الخلاف، حيث قالت في بيان لها قبل أيام، إن التلويح بتسريح عمال وتأخير الرواتب لا يرتبط دوماً بالوضع الاقتصادي، مشيرة إلى أن سبب الخلاف العمالي في بعض الشركات متعلق بالشركاء أنفسهم وعدم إجراء تحويلات مالية وتأخير رواتب العمال.

وبحسب تقديرات المرصد العمالي، تؤكد كافة المؤشرات أن قدرة الاقتصاد الأردني على استحداث فرص العمل قد تراجعت بشكل كبير خلال العام الماضي، حيث لم تعلن دائرة الإحصاءات العامة عن بياناتها الرسمية بهذا الشأن، لافتاً إلى أن السنوات الماضية كانت تشهد توفير حوالي 50 ألف فرصة عمل سنوياً في مختلف المجالات. وارتفع معدل البطالة وفق البيانات الرسمية إلى أكثر من 19 بالمائة بنهاية العام الماضي 2019.

ومن المنتظر أن تشهد وزارة العمل، غداً الثلاثاء، اجتماعاً حاسماً للجنة الثلاثية، التي تجمع أصحاب العمل ومسؤولي الوزارة وممثلي العمال، لبحث قضية زيادة الأجور، وفق تصريحات لوزير العمال، نضال فيصل البطاينة، الأسبوع الماضي.

وقال البطاينة إنه سيتم بحث قضية زيادة الأجور "بطريقة مختلفة عما كانت عليه في السابق، حيث ستؤخذ في عين الاعتبار نوعية القطاع الإنتاجي"، مشيراً إلى أن الحد الأدنى للأجور يحتاج إلى دراسة مستفيضة من قبل جميع الأطراف ذات العلاقة وبحث تأثيره على القطاعات الاقتصادية.

وأضاف أن "الوزارة تضع ضمن محدداتها الظروف المعيشية للمواطن والعمل على جاذبية القطاع الخاص الشباب من جهة وتشجيع الاستثمار والمستثمرين وتوفير بيئة جاذبة غير طاردة لهم من حيث كلف الإنتاج وما يتعلق بها وكلفة اليد العاملة من جهة أخرى، وعليه لا يجب المبالغة في التوقعات وضرورة أخذ كل العوامل بعين الاعتبار من قبل العمال وأصحاب العمل على حد سواء".

لكن رئيس المرصد العمالي، يرفض أن تكون هناك عدة مستويات من الحد الأدنى للأجور وفقاً للقطاعات الاقتصادية، فهو كما يقول "يخرج فكرة الحد الأدنى للأجور عن هدفها الرئيسي والمتمثل في حماية العاملين الجدد ومنع استغلالهم وتوفير الدخل الكافي لهم ولأسرهم ولمنع الوقوع في براثن الفقر".

ويضيف عوض أن "تصريحات وزير العمل بعدم المبالغة في التوقعات مؤشر واضح على اختلال موازين القوى الاجتماعية حيث الضعف الكبير لممثلي العمال مقابل قوة تأثير ممثلي القطاعات الاقتصادية والموقف المتردد للحكومة شبه المنحاز لمصالح أصحاب الأعمال".

بدوره، يقول جمال قموه عضو مجلس النواب لـ"العربي الجديد" إنه لا بد من رفع الحد الأدنى للأجور بشكل عام وعدم قصره على الأردنيين فقط من باب تحفيز المنافسة في سوق العمل، خاصة أن أصحاب العمل يفضلون تشغيل الوافدين على حساب الأردنيين لوجود فارق في الأجور.

ويشير قموه إلى ضرورة إتاحة المجال للعمال لتنظيم أنفسهم في نقابات وجمعيات تدافع عنهم وترعى مصالحهم، إضافة إلى ضرورة رفع الحد الأدنى للأجور لتمكين طبقة العمال من موجهة الظروف المعيشية، التي يعانون منها في ظل ارتفاع الأسعار والضرائب. وكان آخر تعديل للحد الأدنى للأجور قد جرى في مارس/ آذار 2017.

وتظهر البيانات الرسمية تزايد الضغوط المعيشية منذ مطلع 2018، حينما بدأت الحكومة في اتخاذ قرارات صعبة لمحدودي الدخل، حيث رفعت نسبة الضريبة على عدد كبير من السلع وأوصلتها إلى الحد الأعلى البالغ 16 في المائة، بعد أن كانت لا تتجاوز 8 في المائة وألغت الدعم السلعي للخبز.

كما أجرت تعديلاً على قانون ضريبة الدخل، بدأ تنفيذه بحلول العام الماضي 2019، ليؤدي إلى زيادة الضرائب على الأفراد وتوسيع قاعدة الخاضعين لضريبة الدخل، ورفع الضريبة أيضاً على عدد من القطاعات الاقتصادية.

ورغم هذه الإجراءات التي جاءت بتوصية من صندوق النقد الدولي لتمرير قرض للمملكة، إلا أن النتائج المالية للاقتصاد خلال الثلث الأول من العام الماضي، خالفت توقعات الحكومة، مع تسجيل الإيرادات الضريبية انخفاضاً واضحاً، خصوصاً في البند المتعلق بضريبة المبيعات على الخدمات والسلع التي تشكل غالبية الإيرادات العامة في الدولة.

وفي مقابل تراجع الإيرادات الحكومية، ارتفعت نسبة الفقر إلى 15.7 بالمائة، بحسب آخر بيانات إحصائية رسمية. ما دعا الحكومة إلى اتخاذ قرارات اقتصادية في الأشهر الأخيرة من العام الماضي، بهدف تخفيف حدة الاحتقان الشعبي الذي أدّى في يونيو/ حزيران 2018 إلى إسقاط حكومة هاني الملقي إثر احتجاجات حاشدة على زيادة الضرائب.

المساهمون